السيسي و"مُلك مصر".. غرام وانتقام

People ride on a bus as posters with Egypt's President Abdel Fattah al-Sisi are displayed during preparations for the presidential election in Cairo, Egypt March 25, 2018. REUTERS/Ammar Awad
السيسي اختزل السلطات الثلاث في شخصه، خاصة أنه لا يعترف بها ولا يرى إلا سلطته فقط (رويترز)
بانقلاب عسكري أطاح بأول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، وأصبح الحاكم الفعلي، وبمسرحية انتخابية بدت هزلية في نظر كثيرين؛ دشن الفترة الأولى لرئاسته، وبانتهائها دشن فترة حكم ثانية بمسرحية انتخابية اعتبرت أكثر هزلية، والقاسم المشترك بين السنوات الخمس الماضية هو تعزيز قبضته على كافة السلطات في البلاد.

لم يدر بخلد أي من عشرات الملايين الذين انتفضوا بمصر ثائرين في 25 يناير/كانون الثاني 2011 ضد رئيس عسكري أن حكم البلاد سيؤول في المطاف الأخير إلى عسكري آخر أشد قسوة يؤسس لديكتاتورية جديدة وغير مسبوقة في تاريخ البلاد.. لكن هذا ما حدث.

أعيت الحالة ولا تزال الباحثين في التاريخ المصري الحديث والقديم عن وضع مشابه أو حتى قريب الشبه لما فعله ويفعله الجنرال عبد الفتاح السيسي، فلم يجدوا لها مثيلا؛ فالطبعة الجديدة فريدة في كل تفاصيلها، وتتميز بأنها تجمع كافة مساوئ ما سبقتها من فراعنة ومماليك وعسكر، حتى بات البعض يترحمون على ديكتاتوريات سابقة، متمنين يوما من أيامها.

‪السيسي أغدق على أفراد المؤسسة العسكرية لضمان استمرار‬ (رويترز)
‪السيسي أغدق على أفراد المؤسسة العسكرية لضمان استمرار‬ (رويترز)

لا عزاء للقضاء
يسأل البعض من حسَني النية: كيف استطاع الجنرال عبد الفتاح السيسي -وفي زمن قياسي- إحكام قبضته على مفاصل الدولة الرئيسية، والسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، فضلا عن المؤسسة العسكرية التي كان رئيسا لاستخباراتها قبل أن يختاره الرئيس محمد مرسي وزيرا للدفاع؟ 

الظرف الإقليمي والوضع الداخلي كانا مواتيين ومشجعين للسيسي لاختزال السلطات الثلاث في شخصه، خاصة أنه لا يعترف بها، ولا يرى إلا سلطته فقط.

حجر الأساس لسلطة السيسي هو الجيش -السلطة الحقيقية في مصر-  إلى جانب الأجهزة الأمنية، وحتى يطمئن السيسي لمواصلة دعمها له أغدق عليها ماديا برفع رواتبها أكثر من مرة، ولم يتردد في إقالة رئيس هيئة أركان الجيش محمد حجازي في أكتوبر/تشرين الأول 2017، ورئيس المخابرات العامة اللواء خالد فوزي في يناير/كانون الثاني الماضي. 

السيسي لا يتردد في إعلان كرهه للسياسة ويقول "أنا لست سياسيا"، ورغم خواء المشهد من أحزاب سياسية تشكل بديلا محتملا أو تفرز شخصيات سياسية منافسة، لم يتردد الرجل في وأد أية أسماء تشكل منافسة له، وهذا ما حدث مع الفريقين أحمد شفيق وسامي عنان، والعقيد أحمد قنصوة، ليتمنى السيسي لاحقا وجود عشرة منافسين، لكنه يقول "لسنا جاهزين لذلك بعد".

لم يكتف السيسي بأحكام الإعدام والمؤبد التي يصدرها القضاء بين الحين والآخر على المعارضين. 
حيث أعاد تفعيل محاكم أمن الدولة طوارئ، التي كانت سمة بارزة في عهد المخلوع محمد حسني مبارك (1981-2011)، والملغاة عام 2012، في أعقاب ثورة يناير.

هدية البرلمان المنتظرة للسيسي تعديلات دستورية لإلغاء القيود على الفترات الرئاسية(أسوشيتد برس ـ أرشيف)
هدية البرلمان المنتظرة للسيسي تعديلات دستورية لإلغاء القيود على الفترات الرئاسية(أسوشيتد برس ـ أرشيف)

برلمان تحت الطلب
وفي ما يتعلق بالسلطة التشريعية، كان السيسي حريصا على أن يكون تمثيل المعارضة في البرلمان  ضعيفا للغاية، بإقصاء كل من اعترض على قراراته، وتم تنقية الأعضاء عن طريق المخابرات، لينتج  في النهاية هذا المنتج السيئ الذي يصدق على كل قراراته.

عاقب السيسي كل سلطة اعترضت على أي قرار له، فبعد وقوف القضاء ضد بيع جزيرتي تيران وصنافير جاء إقرار السيسي لقانون السلطة القضائية، حيث بدأ إحكام سيطرته على السلطة القضائية، وأطاح بالقاضي الذي اعترض على بيع الأرض.

ومن المسرحية الانتخابية إخراج عام 2014 التي ظهر فيها المنافس الكومبارس من نوع "استخدام المرة الواحدة"، إلى مسرحية 2018 حيث المنافس "حسب المقاس والطلب" المؤيد شديد التأييد؛ سيخرج السيسي على القوم في زينته متباهيا منتشيا.

 والهدية المنتظرة للسيسي من أعضاء برلمانه الذي صنعه على عينه ستكون تعديلات دستورية لإلغاء القيود على فترات الرئاسة، ولا حاجة لمزيد من المسرحيات الانتخابية، وهذا طموح الرجل المغرم بحكم مصر ولو "بالعافية".

المصدر : الجزيرة