دوما معركة النهايات.. ماذا بقي للمعارضة؟

تهجير المقاتلين والمدنيين من حرستا في الغوطة الشرقية (الأوروبية)

زهير حمداني-الجزيرة نت

بقيت دوما آخر معاقل المعارضة المسلحة في الغوطة الشرقية مؤجلة حسم النظام لمعركته الأهم، فيما يشير "تسليم" عدد من الفصائل إلى أن المعركة حسمت بشكل كبير، لترسم نهايات مرحلة محورية في الأزمة السورية ورهانات الحل، وفي مستقبل المعارضة المسلحة.

فبمقتضى اتفاق مع روسيا يشمل إجلاء نحو سبعة آلاف شخص إجمالا، يتواصل خروج الآلاف من مقاتلي "فيلق الرحمن" وعائلاتهم من بلدات عربين وزملكا وعين ترما جنوب الغوطة ومن حي جوبر الدمشقي المحاذي لها.

ويأتي قبول فيلق الرحمن بإخلاء مناطق سيطرته بعد اكتمال خروج نحو خمسة آلاف شخص -بينهم 1600 من مقاتلي حركة أحرار الشام– من حرستا إلى إدلب بمقتضى اتفاق مماثل، لتخرج الحركة بذلك من كامل الغوطة الشرقية.

أدى الاتفاق إلى سيطرة جيش النظام على نحو 90% من المساحة التي كانت تسيطر عليها فصائل المعارضة بعد العملية العسكرية التي أطلقها يوم 18 فبراير/شباط 2018، ولتبقى نسبة 10% تحت سيطرة جيش الإسلام.

تشير تقارير إلى أن جيش الإسلام -الذي وافق على اتفاق خفض التصعيد، وأبدى استعداده لوقف النار في بداية المعارك بالغوطة- تفاجأ بموافقة الفصائل الأخرى على الاتفاق مع الروس للخروج من الغوطة، وهي التي كانت ترفض بشدة أي مفاوضات أو وقف نار.

موافقة الفصائل على الخروج من الغوطة جاءت بعد ضغط عسكري كبير من  قوات النظام عليها، وفي ظل تيقنها من غياب أي أفق لتحرك غربي يسندها في المعارك، سواء بقرار سياسي أو عسكري، ونظرا لما تصفه بـ"خذلان المجتمع الدولي" لها.

وباتت مدينة دوما -التي تضم العدد الأكبر من المدنيين والمقاتلين- مهددة بمصير مشابه، فقد أكدت اللجنة المدنية المكلفة بالمحادثات، أن مفاوضات تجرى مع الجانب الروسي من أجل التوصل لاتفاق يوقف القصف والمعارك في المدينة.

قصف الغوطة الشرقية أدى إلى مقتل وجرح آلاف المدنيين (رويترز)
قصف الغوطة الشرقية أدى إلى مقتل وجرح آلاف المدنيين (رويترز)

معركة أخيرة
ورجحت مصادر أن تؤدي المفاوضات -وهي ليست الأولى بين جيش الإسلام والجانب الروسي، إذ سبقتها محادثات في جنيف- إلى اتفاق لتحويل دوما إلى منطقة "مصالحة"، حيث تعود إليها مؤسسات النظام مع بقاء مقاتلي جيش الإسلام من دون دخول قوات النظام.

رغم المفاوضات الجارية، أكد عصام بويضاني قائد جيش الإسلام أن "فصيله ثابت" وأن مقاتليه لن يخرجوا من دوما، معتبرا أن وجود مقاتليه بالقرب من دمشق نصر للثورة السورية. وعلى عكس مجريات المعارك، يرى بويضاني أن الحملة العسكرية الحالية على الغوطة مؤقتة وسيعقبها "نصر عظيم".

وعلى عكس الفصائل المسلحة الأخرى -مثل أحرار الشام وفيلق الرحمن- التي وجدت في إدلب ملاذا  لمقاتليها وعائلاتهم بعد خروجها من الغوطة، لا يملك جيش الإسلام -الذي يقدر بأكثر من عشرة آلاف مقاتل- ظهيرا في تلك المنطقة، وتكاد مناطق نفوذه وحاضنته تقتصرعلى الغوطة الشرقية.

من منظور عسكري، يرى محللون عسكريون أن جيش الإسلام يمكن أن يؤخر سقوط كامل الغوطة الشرقية لفترة، لكنه لن يحول دون سيطرة جيش النظام عليها، خصوصا بعد خروج الفصائل المسلحة الأخرى، كما أنه فقد موقع المفاوض القوي إذ لم يعد يفاوض على كامل الغوطة -كما كان سابقا- ليقتصر على مناطق نفوذه في دوما.

‪عصام البويضاني أكد أن جيش الإسلام لن ينسحب من الغوطة‬ (الجزيرة)
‪عصام البويضاني أكد أن جيش الإسلام لن ينسحب من الغوطة‬ (الجزيرة)

ماذا بقي؟
خروج المعارضة من الغوطة الشرقية تعد خسارة كبيرة لها على المستوى العسكري والسياسي، ومكسبا للنظام الذي سيؤمن الخاصرة الشرقية العاصمة ويبعد أي تهديد جدي عنها. وستقتصر الجيوب الخارجة عن سيطرته على أحياء القدم والحجر الأسود ومخيم اليرموك الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية.

وقريبا من دمشق، تبقى المعارضة المسلحة مسيطرة على مناطق في القلمون الشرقي، بما فيها مدينة الضمير -حيث يوجد أيضا جيش الإسلام- والتي قد تكون محور العمليات القادمة للنظام الذي يسيطر على مطار المدينة العسكري.

كما تسيطر المعارضة على مناطق عديدة في درعا تشمل نحو 60% من المحافظة خصوصا في ريفها الشرقي، فيما يسيطر النظام على نحو 35%، وتنظيم الدولة (جيش خالد بن الوليد) على عدد من البلدات في حوض اليرموك جنوب غرب المحافظة.

وتشكل درعا -المدرجة ضمن مناطق خفض التصعيد- منطقة حيوية بالنسبة للمعارضة المسلحة، وعنصر ضغط على النظام  نظرا لقربها من دمشق، لكن فتح معارك واسعة فيها تخضع لحسابات دولية وإقليمية، وهو ما ينطبق كذلك على محافظة القنيطرة التي  تسيطر فصائل معارضة على مواقع مهمة فيها.

لا تزال المعارضة تسيطر أيضا على مواقع في محافظة حمص الخاضعة لاتفاق خفض التصعيد، أبرزها الرستن وتلبيسة (الريف الشمالي)، وكذلك في أرياف اللاذقية وحماة وفي غربي حلب وشماليها، لكن تموقعها الأبرز يبقى في إدلب رغم التقدم الذي حققته قوات النظام في الشهرين الماضيين وسيطرتها على مطار أبو الظهور القريب من مدينة سراقب الإستراتيجية.

ومنذ خسارتها معركة حلب أواخر عام 2016، تراجعت المعارضة المسلحة بشكل كبير، واستطاعت قوات النظام -مسنودة بحلفائها الإيرانيين وحزب الله– استعادة السيطرة على مساحة واسعة، وجعلت مناطق المعارضة أشبه بالجزر المعزولة عن بعضها.

هذه الوضعية الميدانية -بما فيها مآلات معركة الغوطة- ستحدد مستقبل أي حل سياسي، ولعل الاستنتاج الأهم بالنسبة للمحللين، هو فشل الضغوط الغربية لإيقاف الحملة على الغوطة وإثبات روسيا أنها اللاعب الرئيسي في الملف السوري.

المصدر : الجزيرة