"جول" السيسي.. عيد لنتنياهو

Egyptian President Abdel Fattah al-Sisi (R) speaks with Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu (L) during their meeting as part of an effort to revive the Middle East peace process ahead of the United Nations General Assembly in New York, U.S., September 19, 2017 in this handout picture courtesy of the Egyptian Presidency. The Egyptian Presidency/Handout via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أثناء لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بنيويورك في سبتمبر/أيلول الماضي (رويترز-أرشيف)
محمد النجار

"احنا جبنا جون (هدف) جبنا جون يا مصريين في الموضوع ده"، هكذا علق الرئيس عبد الفتاح السيسي على اتفاقية استيراد مصر للغاز من إسرائيل بقيمة 15 مليار دولار. وللمفارقة فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علق على ذات الاتفاقية بأنها "يوم عيد" لبلاده.
معلقون كثر على منصات التواصل اعتبروا أن السيسي سعيد بتسجيل هدف في نفسه، واستدعى بعضهم فيديوهات لأهداف سجلها لاعبون في مرمى فرقهم، وركّبوا على بعضها صورة السيسي وهو يضحك على وجوه هؤلاء اللاعبين.

غير أن مؤيدين للسيسي ذهبوا للتأكيد أن الرئيس المصري حقق ضربة اقتصادية هامة "انتصرت" فيها مصر على تركيا التي قالوا إنها كانت تسعى للهيمنة على غاز شرق المتوسط.

وبالبحث عن أوجه الشبه والاختلاف بين الفيديوهين اللذين علق فيهما نتنياهو والسيسي، تجد أنهما عبّرا بذات البهجة والفرح، واعتبر كل منهما أنه حقق انتصارا لبلاده، على الرغم من أن مصر هي التي ستدفع لإسرائيل 15 مليار دولار على مدى عشر سنوات.

صفقة تاريخية
كما أنهما اتفقا على وصف الصفقة بأنها انتصار، فالسيسي اعتبرها "جوون" كما جاءت حرفيا على لسانه، في حين وصف نتنياهو يوم توقيعها بأنه "عيد" لإسرائيل، وقال إنها صفقة تاريخية "ستدخل المليارات إلى خزينة الدولة.. هذه الأموال ستصرف لاحقا على التعليم والخدمات الصحية والرفاهية".

 

لكن ما بدا مختلفا أن حديث نتنياهو كان أكثر وضوحا بمنح الاتفاقية جرعة سياسية بعد أن خصها بتعليق خاص عبر فيديو بثه عبر حساباته على موقعي التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر.

 
أما السيسي فقد بدا متناقضا في تعليقه أمس الأربعاء أثناء افتتاحه مشاريع استثمارية، فعند حديثه عن الاتفاقية تحدث أولا عن أنها بين شركات خاصة مصرية وإسرائيلية، لكنه ختم حديثه باعتبارها انتصارا لمصر، بعد أن تحدث بشكل واضح عن منافسة بين بلاده وتركيا على تسييل الغاز المستخرج من البحر المتوسط وإعادة تصديره.
 
وقصة تركيا حضرت بشكل لافت في الإعلام المصري الذي اعتاد تأييد السيسي في كل قراراته واعتبارها انتصارات غير مسبوقة للبلاد، حيث استدعى هؤلاء العداء للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ولم يعرضوا بأي شكل ابتهاج نتنياهو وإسرائيل بالصفقة.
 

بكاء أردوغان
وتحدث الإعلامي عمرو أديب على قناة "أون تي.في" أن الصفقة كانت بمثابة "قلم" (صفعة) على وجه الرئيس التركي، وأكمل أحمد موسى المشهد على قناة "صدى البلد" بحديثه أن أردوغان "بكى" ليلة توقيع الاتفاقية بين مصر وإسرائيل.

 

واللافت أن التصفيق كان يملأ القاعة التي كان الرئيس المصري يتحدث فيها، ويستشهد بعدد من الحضور الذين اكتفوا بهز رؤوسهم، لا سيما عندما ابتسم بشكل لافت وهو يدعو المصريين إلى التركيز جيدا على السعر الذي اشترت به مصر الغاز من إسرائيل.

فالسعر بلغ ثمانية دولارات للمليون وحدة حرارية، وهو ما يشكل ضعفي السعر العالمي حاليا، وفقا لرئيس القسم الاقتصادي في صحيفة "العربي الجديد" مصطفى عبد السلام.
 

وفي المنطق الاقتصادي ذاته، تنقل صحيفة "رأي اليوم" عن عبد الصمد العوضي الخبير الكويتي في مجال النفط والغاز ومندوب بلاده الأسبق في منظمة أوبك، أن "الجانب الأهم في هذه الصفقة أن مصر ستساعد إسرائيل على التخلص من فائض الغاز الطبيعي لديها لأنها تواجه صعوبات سياسية واقتصادية في تصديره لأوروبا".

 
وقال إن أي أنبوب غاز إسرائيلي لأوروبا سيحتاج بناؤه إلى ثماني سنوات، وسيبلغ طوله 2200 كلم، وسيكلف قرابة سبعة مليارات دولار، بالمقارنة مع نصف مليار دولار تكلفة خط الأنابيب إلى مصر.
 

رجل إسرائيل بالمنطقة
ولا يرى الكاتب والمحلل السياسي المصري سليم عزوز تناقضا بين فرحة السيسي "بالجول" الذي قال إن القاهرة سجلته، وفرحة نتنياهو "بعيد إسرائيل" في تعليقه على صفقة توريد الغاز إلى مصر.

 
وقال للجزيرة نت إن "السيسي يتعامل على أنه مندوب إسرائيل في المنطقة، ويقدم نفسه للرأي العام العالمي على أنه رجل إسرائيل الذي يتفوق على حسني مبارك الذي كان محللون إسرائيليون يصفونه بالكنز الإستراتيجي لبلادهم".
 
وأضاف عزوز أن السيسي كان يقصد أنه سجل "جول في تركيا"، وفسر حديثه هذا الإعلاميون الذين اعتدوا التطبيل لكل قراراته، في محاولة لتسويق "الاتفاقية الفضيحة" واعتبارها إنجازا اقتصاديا لمصر، رغم أنها تمت بأعلى بكثير من السعر العالمي للغاز.
 

لجان السيسي
واعتبر عزوز أن استدعاء تركيا في الصفقة جاء "للهروب من جريمة خدمة إسرائيل واقتصادها"، مشيرا إلى أن الحسابات التي تحاول إظهار التأييد للصفقة ليست لمواطنين مصريين، وإنما للجان إلكترونية تابعة للسيسي، كما قال.

 
كما يشير المحلل السياسي إلى أن الرئيس المصري "يهرب نحو الخارج" من أزماته ورعبه من الداخل المصري، على حد قوله.
 

وقال إن "السيسي الذي نكل بالمصريين ودمر معيشتهم، وسجن قادة أحزابهم، وقائد الأركان السابق خوفا من انتخابات نزيهة ولو نسبيا قد تعرّي شعبيته التي يعرف أنها في الحضيض، يحتاج اليوم إلى أميركا التي لا يسمع منها نقدا، ويمر إليها عبر رهن نفسه أكثر لإسرائيل".

 
وبين منطق "الجول" الذي تحدث به السيسي، و"العيد" وفق منطق نتنياهو، تبدو إسرائيل المتهمة بسرقة الغاز الفلسطيني واللبناني هي المستفيد الأكبر، في حين ينشغل المصريون بانتصارات عبر تويتر وشاشات التلفزيون يستدعون فيها عدوا جديدا اسمه تركيا.
المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع التواصل الاجتماعي