في غزة.. بات الزواج حلما

غزة، فبراير 2018، شباب يفقدون الأمل بالزواج جراء تجاوز البطالة بينهم 60%.

محمد عمران-غزة

ينفث بعض شباب حي الربوات بخان يونس جنوبي قطاع غزة همومهم مع دخان السجائر وهم يجلسون في زاوية الطريق المؤدي لمنازلهم يتوسدون بعض الحجارة نهارا، ويفرون من برودة الطقس بالجلوس داخل إحدى الأكشاك ليلا.

ورغم الأجواء الموحية بأنهم يقضون أوقاتا بالسمر والترفيه، حيث نار الحطب تبث الدفء بالمكان وأكواب الشاب لا تفارق أياديهم، فإن تفاصيل وجوههم ونكاتهم وعباراتهم وحتى ضحكاتهم المختلطة ببعض الآهات تؤكد خلاف ذلك.

أصغر هؤلاء قارب الثلاثين عاما وبعضهم قارب الأربعين، وهم يعجزون عن توفير متطلبات الزواج وتأسيس حياة جديدة جراء بطالتهم على غرار أكثر من 60% من أقرانهم العاطلين بسبب انهيار القطاعات الاقتصادية بغزة منذ سنوات طويلة.

ساد الوجوم على الوجوه والصمت على الألسنة عندما انكب الحزن على وجه أصغرهم، عبد الرزاق عمر، وهو يتحدث عن توقعات عائلته بمساعدتها بعد تخرجه من الجامعة وآماله بالزواج وتأسيس أسرة مستقرة، ليجد الواقع مخالفا للتوقعات وبعيدا عن الأمنيات.

‪عبد الرزاق بات يرغب في الهجرة في ظل انسداد أفق العيش في قطاع غزة‬ عبد الرزاق بات يرغب في الهجرة في ظل انسداد أفق العيش في قطاع غزة (الجزيرة نت)
‪عبد الرزاق بات يرغب في الهجرة في ظل انسداد أفق العيش في قطاع غزة‬ عبد الرزاق بات يرغب في الهجرة في ظل انسداد أفق العيش في قطاع غزة (الجزيرة نت)

بطالة قاتلة
وجد عبد الرزاق نفسه عاطلا عن العمل منذ تخرجه قبل ست سنوات إلا من بعض الأعمال الزراعية على فترات متباعدة ولبضع ساعات أسبوعيا مقابل خمسة شواكل للساعة الواحدة (دولار ونصف) لم تكفه لتوفير متطلبات حياته الأساسية كشاب أعزب، فضلا عن توفير مستلزمات الزواج.

أمام هذا الواقع الصعب بغزة بات الحديث عن الزواج "ضربا من الخيال لا بل مثيرا للسخرية"، يقول عبد الرزاق، مما دفعه إلى تغيير مسار حياته عبر تجهيز وثائقه للسفر خارج غزة إذا سنحت له فرصة، ليعبر بذلك عن رغبة 37% من شباب غزة بالهجرة جراء ظروفهم المعيشية البائسة.

ويكشف المجلس الأعلى للقضاء الشرعي بغزة عن تراجع عقود الزواج بنسبة 18% عام 2017 مقارنة بعام 2015، في حين ارتفعت معدلات الطلاق بنسبة 8% عام 2017 مقارنة بعام 2016، مما تسبب في عنوسة مركبة للإناث والذكور على حد سواء، وفق وصف رئيس المجلس حسن الجوجو.

ويعزو رئيس مجلس القضاء الشرعي تراجع معدلات الزواج وارتفاع الطلاق إلى الفقر المدقع والانهيار الاقتصادي الناتج عن الحصار الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني، متوقعا تصاعد هذه المؤشرات وتحولها لأزمة كبيرة إذا ما استمر التدهور الاقتصادي.

وبموازاة دعوة رئيس مجلس القضاء إلى تأسيس صندوق وطني فلسطيني للمساعدة على الزواج تساهم فيه كافة الجهات الرسمية والشعبية، فإنه يجزم بأن ميل المجتمع الفلسطيني لتزويج الشباب مطلع العشرينات من أعمارهم لم يعد ممكنا حاليا.

ويعمد المجتمع الفلسطيني إلى تزويج الشباب في سن مبكرة منذ عقود، كنوع من مواجهة التوزان الديمغرافي مع الاحتلال من جهة وكجزء من عادات وتقاليد ترسخت نحو الإكثار من الإنجاب والعائلات الممتدة من جهة أخرى.

‪الجوجو: عدم قدرة الشباب الفلسطيني على الزواج تداعيات خطيرة اجتماعيا ونفسيا‬ الجوجو: عدم قدرة الشباب الفلسطيني على الزواج تداعيات خطيرة اجتماعيا ونفسيا (الجزيرة نت)
‪الجوجو: عدم قدرة الشباب الفلسطيني على الزواج تداعيات خطيرة اجتماعيا ونفسيا‬ الجوجو: عدم قدرة الشباب الفلسطيني على الزواج تداعيات خطيرة اجتماعيا ونفسيا (الجزيرة نت)

تداعيات خطيرة
لكن الأخطر في ملف تعثر زواج الشباب يكمن في تداعياته الخطيرة على المستويات الوطنية والاجتماعية والنفسية، بحسب أستاذ الصحة النفسية بجامعة القدس المفتوحة سمير زقوت، حيث تتعاظم مظاهر انحراف الشباب بكل الاتجاهات، وما يعنيه ذلك من مخاطر إستراتيجية على المواجهة مع الاحتلال بشكل أساسي.

وإضافة إلى التأثيرات المتعلقة بتفكك الروابط واهتزاز العلاقات الاجتماعية تدريجيا، وارتفاع معدلات الجريمة، فإن أستاذ الصحة النفسية يتحدث عن شعور الشباب بالاغتراب الناتج عن إحساسهم بالغربة داخل وطن لا يعطيهم شيئا، وبالتالي عدم الانتماء له، وإمكانية الوقوع في حبال التخابر، حسب قوله.

وبالتوازي مع تحذيره من تفاقم تداعيات ملف تراجع الزواج باعتباره خطرا كبيرا يداهم المجتمع الغزي، فإن أستاذ الصحة النفسية يدعو إلى تدخل على المستوى السياسي الفلسطيني لإيجاد برنامج وطني وجهد جماعي يعيد الأوضاع إلى سابق عهدها قبل فوات الأوان، حسب تعبيره.

المصدر : الجزيرة