خطة عمل جديدة.. الخرطوم وواشنطن تخطوان نحو التطبيع

نائب وزيرالخارجية الأمريكي جون سوليفان ووزير الخارجية السوداني الدرديري محمد أحمد خلال الاجتماعات الثنائية في واشنطن العاصمة
وزير الخارجية السوداني الدرديري محمد أحمد مع جون سوليفان نائب وزير الخارجية الأميركي خلال اجتماع بواشنطن (التواصل الاجتماعي)

علوية مختار-الخرطوم

خطة عمل جديدة توافقت عليها واشنطن والخرطوم لإزالة اسم السودان من قائمة الدولة الراعية للإرهاب، وذلك عقب انطلاق محادثات المرحلة الثانية من الحوار الاستراتيجي بين الدولتين في العاصمة الأميركية الثلاثاء.

وأكدت مصادر في واشنطن للجزيرة نت، فضلت عدم ذكر اسمها، إقرار الإدارة الأميركية لخطوة شطب اسم السودان من "القائمة السوداء" ولا سيما بعد التعاون والتقدم الذي أحرزه في ملف مكافحة الإرهاب وملف السلام في دولة جنوب السودان.

وذكرت هذه المصادر أن إحالة قرار رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب الأميركية "بات بيد الحكومة السودانية"، ورهنا بتقيدها بتنفيذ التزام خاص بسن قانون لحماية حرية الأديان ووقف هدم الكنائس فضلا عن إجراء الخرطوم تسوية سياسية سلمية مع الحركات المسلحة في ولايات دارفور غربي البلاد وولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان في جنوبها في غضون ستة أشهر من الآن.

وأكدت المصادر أيضا أن واشنطن تضغط حاليا لإحداث اختراق في ملف السلام السوداني خلال الربع الأول من العام المقبل.

وأعلنت واشنطن الأربعاء استعدادها لإزالة اسم السودان من "القائمة السوداء" واشترطت لذلك قيام الخرطوم بمزيد من الإصلاحات والوفاء بالمعايير القانونية ذات الصلة.

وأكدت الخارجية السودانية الخميس جاهزية الحكومة للانخراط في مسارات المرحلة الثانية "وصولا للأهداف المرجوة"، وقالت في بيان "إن مرحلة الحوار الثانية صممت لتوسيع التعاون الثنائي بين الخرطوم وواشنطن وتحقيق مزيد من التقدم في عدد من المجالات ذات الاهتمام المشترك"، خاصة بعد نجاح المرحلة الأولى التي توجت برفع العقوبات الاقتصادية عن البلاد.

وكانت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية هيذر ناويرت رحبت في تصريحات الأربعاء بالتزام الخرطوم بإحراز تقدم في المجالات الرئيسية "الخاصة بتوسيع التعاون في مكافحة الإرهاب وتعزيز حماية حقوق الإنسان وممارساتها"، فضلا عن ايجاد بيئة ملائمة لتحقيق السلام في السودان، وتحسين إيصال المساعدات الإنسانية لمناطق المتضررين من الحرب في ولايات دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.

تحركات مكوكية وسلسلة مباحثات يجريها وزير الخارجية السوداني الدرديري محمد أحمد في واشنطن مع مسؤولين أميركيين ضمن المباحثات الثنائية التي انطلقت الثلاثاء الماضي.

ماذا يستفيد الشعب؟
من جانبها رحبت قوى سياسية بالخطوة ورأت أنها تصب في مصلحة المواطن، بينما شككت أخرى في الثمن الخفي الذي يمكن أن يدفعه نظام الخرطوم نظير شطب البلاد من قائمة الإرهاب.

ويرى رئيس حركة العدل والمساواة المتمردة في دارفور جبريل إبراهيم أن الإعلان الأميركي جاء لتشجيع الخرطوم للوفاء بشروط محددة وفق تقدم قابل للمعايرة في مجالات بعينها "بينها إنهاء الحرب الداخلية والسلام واحترام حقوق الإنسان وفق المعايير الدولية" بجانب إطلاق الحريات ومزيد من التعاون في محاربة الإرهاب وقطع العلاقات مع كوريا الشمالية وغيرها من الشروط المعلنة وغير المعلنة.

وقال للجزيرة نت "ما يهم المواطن السوداني هو إيقاف الحرب وإطلاق الحريات واحترام حقوق الإنسان والتحول الديمقراطي"، وأضاف "فإن كان الحوار بين الخرطوم وواشنطن سيؤدي إلى تحقيق تلك المطالب مقابل شطب اسم البلاد من قائمة الإرهاب، "فهذا يعني أن شعبنا اصطاد عصفورين بحجر واحد، وهذا غاية المبتغى".

أما النائب البرلماني عن حزب المؤتمر الشعبي كمال عمر عبد السلام فيرجح أن يكون هناك ثمن خفي نظير شطب اسم السودان من القائمة السوداء. وقال للجزيرة نت "الثمن سيكون غاليا جدا ويتصل بتوجه النظام وسياساته وفكره وأيديولوجيته"، ودلل على ذلك بتطويع واشنطن لبلدان قال إنها أفضل اقتصادا مقارنة بالسودان. ورأى عبد السلام أن نظام الخرطوم سيستجيب في تنفيذ اشتراطات واشنطن "بحذافيرها"، حسب قوله.

تأثير فوز الديمقراطيين
ورأى محللون أن فوز الديمقراطيين بالأغلبية في انتخابات الكونغرس من شأنه أن يشكل تحديا أمام الحكومة الأميركية فيما يتصل بشطب اسم السودان من القائمة السوداء "ورأوا أن إقرار الكونغرس للخطوة يتصل بدائرة الصراع الداخلي الأميركي" مما يتطلب من الحكومة السودانية بذل مجهودات لإقناع الكونغرس بالخطوة ولا سيما أن بين الديمقراطيين من يتهم إدارة الرئيس دونالد ترامب بالتركيز على المصالح فقط عند رسم السياسة الخارجية وتجاهل قضايا الحريات وحقوق الإنسان.

وذهب المحللون إلى أن أي اختراق في ملف السلام السوداني وتحسين سجل حقوق الإنسان وتعزيز الحريات يمكن أن يسهل إقرار الخطوة.

فالمحلل السياسي محجوب محمد صالح قال للجزيرة نت "إنه لا يتوقع أن تتخذ واشنطن قرار شطب اسم السودان من القائمة السوداء قبل منتصف العام المقبل بالنظر لتقديراتها الأولية التي حددتها بستة أشهر إلي أربعة أعوام"، ورأى أن الإدارة الأميركية ستطرح حزمة مطالبات تأتي في مقدمتها حقوق الإنسان والحريات الدينية باعتبارها ملفات مهمة للحد من عرقلة القرار داخل الكونغرس، وتوقع أن تستمر المرحلة الجديدة من الحوار الاستراتيجي في مناقشة المسارات الخمسة التي توجت برفع العقوبات الاقتصادية إضافة لمسار سادس يتصل بحقوق الإنسان والحريات الدينية.

أما رئيس تحرير صحيفة إيلاف خالد التيجاني فيرى أن استصدار القرار مرتبط بمدى استجابة الحكومة السودانية لتنفيذ ما ينتج من نقاش بشأن المسارات الخمسة، ورأى أن الأمر برمته قابل للشد والجذب، ولا سيما في ظل سيطرة الديمقراطيين على أغلبية الكونغرس.

صدى الحدث بمواقع التواصل
سيطر الإعلان الأميركي السوداني عن انطلاقة المرحلة الثانية من الحوار الاستراتيجي بين البلدين واستعداد واشنطن لشطب اسم السودان من قائمة الإرهاب على حديث السودانيين بمواقع التواصل الاجتماعي، وعد البعض الخطوة نتاجا طبيعيا لتحركات الحكومة السودانية في ملفات الإرهاب وتسوية النزاعات بدولتي جنوب السودان وأفريقيا الوسطى، فضلا عن اتخاذ موقف الحياد تجاه الأزمة الخليجية، وإعلانها خطوات في ما يتصل بقطع العلاقات مع كوريا الشمالية بطرد رجال أعمال وشركات من ذلك البلد.

وتوقع آخرون أن يعرقل الكونغرس مع تكوينه الجديد بسيطرة الديمقراطيين على أغلبيته قرار شطب البلاد من القائمة السوداء، باعتبار أن بينهم مجموعات متعاطفة مع ملفات الحرب في ولايات دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان وينظرون بعين الشك تجاه ممارسات الحكومة السودانية في ملف حقوق الإنسان.

تأتي المباحثات السودانية الأميركية قبيل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب تمديد حالة الطوارئ الوطنية ضد السودان "بسبب سياسات حكومته" ومصادقة مجلس الوزراء السوداني على مذكرة تفاهم بين وزارة الداخلية في الخرطوم ومكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي حول مكافحة الإرهاب والجريمة وتطوير التعاون الشرطي بينهما.

ربع قرن من العقوبات
25 عاما هو عمر القرار الخاص بوضع اسم السودان ضمن قائمة الإرهاب التي أقرت عقب استضافة الخرطوم مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن و"مجموعات متطرفة أخرى من عدة دول" في السنوات الأولى من عمر النظام الحالي.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2017 رفعت العقوبات الاقتصادية الأميركية عن السودان بعد جولات من التفاوض بين الخرطوم وواشنطن، عملت خلالها الأولى على تنفيذ خمسة مسارات، تتصل بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدولتي جنوب السودان وليبيا، بجانب محاربة جيش الرب، ومكافحة الإرهاب، وإيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين بمناطق النزاع في دارفور ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.

ولم يستفد السودان اقتصاديا من قرار رفع العقوبات بسبب استمرار اسمه ضمن "القائمة السوداء".

مطبات كثيرة عرقلت انطلاقة المرحلة الثانية للحوار الأميركي السوداني، بدءا بزيارة جون سلفيان نائب وزير الخارجية الأميركي للخرطوم في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي وما أحدثته الزيارة من لغط وتوترات بعد ما رشح عن طلبه من البشير عدم الترشح لولاية رئاسية جديدة، وصولا للانتقادات التي وجهها الرئيس البشير لواشنطن أثناء زيارته لموسكو التي طلب الحماية منها وبطء انطلاقة المرحلة الثانية للحوار، جميعها عوامل تجعل الباب مواربا للعودة لنقطة البداية، ولا سيما في ظل وجود تيارات داخل البلدين تقف ضد التقارب.

المصدر : الجزيرة