لماذا لم تنتصر مصر لرهبانها أمام الاعتداءات الإسرائيلية؟

جنود من الشرطة الإسرائيلية يعتدون على أحد رهبان دير السلطان في القدس المحتلة
جنود من الشرطة الإسرائيلية يعتدون على أحد رهبان دير السلطان في القدس المحتلة (الصحافة الفلسطينية)

عبد الرحمن محمد-القاهرة

لم يتجاوز رد فعل النظام المصري على اعتداء جنود الاحتلال الإسرائيلي على رهبان دير السلطان التابع للكنيسة القبطية المصرية بمدينة القدس المحتلة، حد استنكار مقتضب صدر على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، فضلا عن إعلان النجاح في إطلاق راهب احتجز أثناء عملية الاعتداء.
 
ورغم تأكيد أحمد حافظ المتحدث باسم الخارجية المصرية على أن وزارته "ستستمر في متابعة الموقف" فإنه وبعد مرور قرابة أسبوع على الحدث لم تتمخض هذه المتابعة عن أي موقف يتناسب مع حجم وطبيعة الاعتداء الذي لحق برهبان يتبعون الكنيسة المصرية، حسب مراقبين.
 
وكان رهبان دير السلطان التابعين لبطريركية الأقباط الأرثوذكس ورجال دين فلسطينيين ومسيحيين من أهالي مدينة القدس نظموا وقفة دعت إليها البطريركية الأرثوذكسية في ساحة كنيسة القيامة الثلاثاء الماضي، احتجاجا على قيام السلطات الإسرائيلية بأعمال ترميم داخله دون موافقة الكنيسة الأرثوذكسية بحجة أن الدير يتبع المسيحيين الأحباش وليس المصريين.
 
وقامت سلطات الاحتلال بالاعتداء على الرهبان وسحل عدد منهم، كما اعتقلت الراهب مكاريوس الأورشليمي، قبل إطلاقه ظهر الأربعاء، طبقا لتصريحات الأنبا أنطونيوس مطران القدس والكرسي الأورشليمي لوكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية.
 
وإضافة إلى انحسار رد الفعل السياسي للحادثة في استنكار المتحدث باسم الخارجية المصرية للحدث لم يتجاوز تعاطي وسائل الإعلام المصري للحادثة أكثر من نقل الخبر والإشارة لاستنكار المتحدث باسم الخارجية له والاحتفاء بنجاح الوزارة في الوساطة لإطلاق الراهب المحتجز.
 
وبينما حاولت السلطة التشريعية سد هذه الفجوة بإبداء موقف يكتسي بمظهر الحزم، من خلال إدانة لجنة الشؤون الدينية والأوقاف لاعتداء الجنود الإسرائيليين على الرهبان، ودعوتها لاتخاذ موقف ضد هذه الاعتداءات، فإن هذه الدعوة لم توجه للسلطات المصرية المعنية بمراعاة مصالح كنيستها، وإنما وجهت للمجتمع الدولي ومنظماته الحقوقية.
وفود من المسيحيين الأحباش في طريقها لكنيسة القيامة ودير السلطان للأقباط بالقدس المحتلة الذي أقيم في عهد صلاح الدين الأيوبي (الجزيرة)
وفود من المسيحيين الأحباش في طريقها لكنيسة القيامة ودير السلطان للأقباط بالقدس المحتلة الذي أقيم في عهد صلاح الدين الأيوبي (الجزيرة)

التطبيع هو السبب
المفكر القبطي جمال أسعد وصف الواقعة بـ"الحقيرة" التي تعكس "غوغائية دولة الاحتلال" وتكذب ادعاءاتها المتكررة بمراعاتها لحقوق الإنسان، وتأتي كاستمرار لنهجها المتبع في التعامل مع الفلسطينيين أصحاب الأرض والحق.

ويرى أسعد أن اجتراء الكيان الصهيوني على القيام بهذه الاعتداءات بحق الرهبان يأتي نتاجا طبيعيا للتسابق في ساحة التطبيع من قبل الدول العربية المختلفة مع إسرائيل الذي وصل مداه خلال هذه الأيام (حسب رأيه) بما قامت به دول خليجية في قطاعات مختلفة.

ويشدد المفكر القبطي على أن هذه الحادثة لا تستلزم موقفا مصريا منفردا، وإنما لا بد أن يكون الموقف جماعيا يشترك فيه كل العرب ومناصري الحقوق في العالم، لافتا إلى أن القصور في اتخاذ هذا الموقف لا يتوقف على السلطات المصرية فقط وإنما يتجاوزها لجميع الحكومات العربية.

وعلى خلفية الحادثة، أصدر الأنبا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية بيانا أكد فيه أن الدير يتبع الكنيسة المصرية وأن الكنيسة حصلت على خمسة أحكام نهائية من القضاء الإسرائيلي بأحقيتها في ملكية الدير، كما استعرض المراحل المتعلقة بالنزاع حول الدير.

وكانت إسرائيل قد اتخذت قرارا بعد احتلال القدس الشريف عام 1967 بتسليم الدير وملحقاته الكنسية للرهبان الأحباش، وفي عام 1980 أصدر المجمع المقدس برئاسة البابا الراحل شنودة الثالث قرارا بعدم التصريح لرعايا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالسفر للقدس طالما ظل الدير تحت الرعاية الإثيوبية.

البابا تواضروس الثاني زار القدس في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 (وكالات)
البابا تواضروس الثاني زار القدس في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 (وكالات)

أمر متوقع
ومع تقديره للموقف الرسمي للسلطات المصرية تجاه الحادث بأنه ضعف وتجاهل متعمد، يرى رئيس الأكاديمية الدولية للدراسات والتنمية ممدوح المنير هذا الموقف "متوقعا وغير مستغرب"، وأن خلاف ذلك هو المدعاة للتحليل والاستغراب، على حد وصفه.

وذكر في حديثه للجزيرة نت أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يتعامل مع الأقباط باعتبارهم "مجموعة وظيفية" يقتصر دورها على دعمه خارجيا بالتظاهرات كما حدث في أميركا مؤخرا، أو دعمه داخليا من خلال تأييده في الانتخابات ودعم قراراته، ومن ثم لن ينتصر لهم على حساب مصالحه مع الكيان الصهيوني.

كما يجد المنير تعقيب الكنيسة المصرية "دون المستوى" ويعكس حرصها على عدم إحراج السيسي والتأثير على علاقاته مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، معتبرا ذلك نتاج حرص كل طرف على تقدير احتياجات الآخر، ومراعاة للمصالح المتبادلة بينهما.

كما يرى رئيس المرصد العربي لحرية الإعلام الأمين العام المساعد السابق للمجلس الأعلى للصحافة قطب العربي أن التغطية الإعلامية للحدث "خافتة وهزيلة" وأن ذلك ناتج عن رضوخ الإعلام المصري وخضوعه الكامل لأجهزة الدولة، مضيفا أنه لو كان هناك إعلام حر لشهد انتفاضة عارمة دفاعا عن هؤلاء الرهبان بدوافع وطنية.

في المقابل، يرى رئيس تحرير صحيفة المشهد مجدي شندي أن عدم الاهتمام الإعلامي لا يعني بالضرورة عدم الاهتمام الرسمي، حيث تلجأ السلطة -حسب رأيه- لحل القضايا الكبيرة عبر الاتصالات الرسمية في سرية، وليس عبر المنابر الإعلامية.

وفي حديثه للجزيرة نت اعتبر شندي أن بيان الخارجية المصرية كان "شديد اللهجة"، وأن تدخل البعثة الدبلوماسية لدى تل أبيب الذي أدى إلى الإفراج عن الراهب المحتجز كان على قدر الحدث، وأضاف أن العبرة بالنتائج وليس بالضجيج الإعلامي، على حد قوله.

المصدر : الجزيرة