ليس سهلا التخلص منه.. محمد بن سلمان يحيط نفسه بشبكة أمنية قوية

MADRID, SPAIN - APRIL 12: King Felipe VI of Spain (C) and Queen Letizia of Spain (R) receive Crown Prince Mohammad bin Salman bin Abdulaziz Al Saud of Saudi Arabia (L) for an official lunch at the Royal Palace on April 12, 2018 in Madrid, Spain. (Photo by Jose Luis Cuesta - Pool/Getty Images)
محمد بن سلمان يتفرد بإدارة كل الأجهزة الأمنية والعسكرية في السعودية (غيتي)
تتواصل التكهنات بأن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد يُجبر على ترك منصبه، أو يتضاءل نفوذه بشدة، نتيجة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول في وقت سابق من هذا الشهر.
 
لكن هذه النتيجة تبدو مستبعدة وفق تقرير نشره موقع ميدل إيست آي، يتناول شبكة أمنية تحيط بولي العهد السعودي، مما يمكنه من تعزيز نفوذه على مختلف أجهزة الدولة.
 
ووفق التقرير فإن محمد بن سلمان سيواصل الهيمنة على السلطة على الرغم من مطالب بعض الحكومات الغربية بإجراء تحقيق سليم حول مقتل خاشقجي، وقرار بعض كبار المسؤولين الماليين العالميين والشركات العالمية مقاطعة مؤتمر الاستثمار الدولي الذي عقد في الرياض في 23-25 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
 
وحتى لو أدى هذا الموقف القوي جدا لفرض عقوبات أشد في حال ثبوت مسؤولية الأمير عن الجريمة، فإنه لن ينجو فحسب بل سيستخدم رد الفعل العكسي لترسيخ نفسه على الصعيد المحلي.

وفي العادة، فإن الضغط لا يجبر الحكام المستبدين على التخلي عن السلطة، بل يقودهم لتعزيز هيمنتهم على الوضع بغض النظر عن التكلفة، وولي العهد السعودي في وضع أفضل من معظمهم.

لقد سيطر محمد بن سلمان على السلطة منذ أن أصبح وليا للعهد في يونيو/حزيران 2017، مما أثار العديد من التعليقات.

غير أن الكثير من التحليلات لم تلحظ أنه في موازاة دوره وزير دفاع، شدد قبضته على الأجهزة الأمنية في المملكة العربية السعودية.

كانت هذه المؤسسات تعمل إلى حد كبير كإقطاعيات منفصلة يرأسها أفراد العائلة المالكة، بالإضافة إلى الحفاظ على حصصهم الفردية في النظام السياسي، وسمح النظام لهم بالحصول على ثروات كبيرة من عقود البناء والتوريد.

ومن حيث تحسين القدرات والأداء التشغيلي، لا يزال إصلاح وإعادة هيكلة وكالات الدفاع والأمن في المملكة قيد العمل، ولكنه مكّن ولي العهد من إزاحة جميع المنافسين الرئيسيين.

دمج الأجهزة
وقد جاء المؤشر الأكثر وضوحا لهذا في منتصف 2017، عندما عزل الملك سلمان وزير الداخلية ولي العهد آنذاك الأمير محمد بن نايف، ودمج جميع وكالات عمليات مكافحة الإرهاب والاستخبارات المحلية تحت هيئة جديدة واحدة سميت رئاسة أمن الدولة، والتي باتت تقدم تقاريرها إلى ولي العهد الجديد محمد بن سلمان.

هذه الخطوة اعتبرها جمال خاشقجي في أحد مقالاته في موقع ميدل إيست آي بالفعل "إصلاحا متأخرا"، مشيرا إلى أن ابن سلمان فاز بالفعل في صراعه على السلطة مع ابن عمه محمد بن نايف.

ومن بين الوكالات التي تم نقلها دائرة التحقيقات العامة القوية. وبالإضافة إلى هذه الأدوار الجديدة أصبحت رئاسة أمن الدولة والوكالات الفرعية نقطة جذب ومركزا للاستثمارات الكبرى في مجال الأمن الإلكتروني، وقد نقل إليها مركز المعلومات الوطني الذي كان تابعا للداخلية.

هذا التحول جرى توظيفه في التجسس الرقمي على المعارضين، كما جاء في تقرير نشرته شركة "سيتزن لاب"، ومقرها تورونتو.

وقد رافق إعادة التنظيم هذه تغيير الحرس في قادة الحرس العسكري والأمني.

الملك سلمان استبدل قائد الحرس الملكي في يوليو/تموز 2017، وفي فبراير/شباط 2018 تم تعيين رئيس هيئة أركان جديد للقوات المسلحة السعودية، بالإضافة إلى قادة جدد للقوات البرية والدفاع الجوي. جنبا إلى جنب مع قادة القوات الجوية وقوات البحرية، الذين يرسلون تقاريرهم مباشرة إلى محمد بن سلمان.

ووفقا لوثيقة غير منشورة أوردها المحلل الدفاعي نيل بارتريك، من المقرر تعيين ثمانمئة ضابط جديد بحلول نهاية عام 2019، مما يعني صعود جيل كامل من الضباط الأصغر سنا الموالين بالفعل لولي العهد أو يستفيدون من المجالات التي فتحت لهم، مما يعزز انفتاحا متسارعا وذي مغزى سيزيد من تكريس نفوذه.

وهذا يشمل إجراءات مثل: ترقية رئيس جهاز الأمن الوقائي ونائبه إلى رتب وزارية، وتعزيز ذلك عن طريق استبدال ضباط وزارة الداخلية والمسؤولين المرتبطين بمحمد بن نايف بآخرين موالين للأمير محمد بن سلمان.

وحتى عندما لا يدين الضباط بتعييناتهم بالكامل لمحمد بن سلمان، كما هو الحال في الحرس الوطني السعودي، فإن الاحتفاظ بوزارات الحرس الوطني والدفاع منفصلة يمنع التهديدات من أي منهما.

ويشير بارتريك إلى أن ابن سلمان ليس لديه منصب نائب وزير دفاع، ولكنه في طور توسيع الهيكل التنظيمي للوزارة بخمسة وزراء مساعدين وثلاثة وكلاء.

شركات وقطاعات
وبالتوازي مع ذلك، أعاد محمد بن سلمان بشكل هائل تشكيل وتوسيع المصالح الاقتصادية والتجارية لقطاعات الدفاع والأمن. وتم تأسيس الشركة السعودية للصناعات العسكرية (SAMI) في مايو/أيار 2017 كشركة دفاعية تابعة لصندوق الاستثمار العام (PIF)، وهو صندوق الثروة السيادية للمملكة الذي يقدم تقارير حصرية إلى محمد بن سلمان.

وكذلك، تم تأسيس الهيئة العامة للصناعات العسكرية (GAMI) في أغسطس/آب 2017 للتعامل مع مشتريات وزارتي الدفاع والداخلية، وكذلك الوكالات الأخرى مثل رئاسة أمن الدولة (PSS).

وتخضع كل من الشركة السعودية للصناعات العسكرية والهيئة العامة للصناعات العسكرية، لرئاسة لجنة وزارية مشتركة برئاسة محمد بن سلمان.

وفي حين تهدف هذه الخطوات على ما يبدو للحد من الفساد والعمولات المفرطة، فهي في الوقت ذاته ساعدت في نقل الأصول والاختصاصات من المنافسين المحتملين إلى رئاسة أمن الدولة، مثل ما حصل مع جهاز الأمن الإلكتروني.

إلى جانب ذلك، فقد زودت ولي العهد بأصول مالية إضافية، حتى عندما يكون أداء هيئات -مثل الشركة السعودية للصناعات العسكرية- دون المستوى المطلوب، فإنه قادر على توجيه الاستثمارات والمشروعات الممولة من صندوق الاستثمار إلى وكالات الدفاع والأمن التي يفضلها.

وقد عزز الأمير محمد هذا الاتجاه عندما طلب مراجعة عقود الدفاع الموجودة في يوليو/تموز 2018. وهذا أتاح له مراجعة أو إلغاء عقود الإنشاءات المدنية الضخمة منذ 2016، وذلك باستخدام سلطته الموازية كرئيس لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.

ليس من المؤكد -على سبيل المثال- أن يتم إنشاء قيادة العمليات العسكرية المشتركة المزمعة للجيش، التي هي جزء من خريطة طريق لتطوير وزارة الدفاع أقرها الملك سلمان في يوليو/تموز 2017، لكن الأثر التراكمي هو الذي سيخلق التحول حيث يتم هدم إطار الدفاع والأمن المقسم سابقا إلى نموذج أكثر وحدة، يعكس اتجاها مماثلا في الدولة السعودية.

ما يفعله الأمير محمد ليس مجرد تغييرات غير تقليدية، إنما إستراتيجية مرتبطة بقوة بالتغيرات الداخلية في المجالات الاقتصادية والمؤسسية التي كانت في طور التكوين منذ سنوات، لكن هذه التحركات وضعته في مركز شبكة لن تكون هناك أي أدنى رغبة في تفكيكها.

ومهما كانت تداعيات مقتل خاشقجي، فإن محمد بن سلمان يتمتع بمكانة جيدة لمقاومة أي محاولة داخلية للتخلص منه.

وبالنظر للروابط الاقتصادية بين الغرب والمملكة، فإن الأمر يتطلب مستوى من العقوبات الدولية التي لا يمكن تخيلها كليا لإضعاف موقفه المحلي.

وحتى لو حصل ذلك، سيكون على الحكومات الغربية أن تهدد قطاع الدفاع والأمن السعوديين وتصيبه بالعجز الكامل قبل أن يتم تثبيط الاتجاه الذي كان يسعى إليه محمد بن سلمان.

المصدر : ميدل إيست آي