خطاب أردوغان بشأن خاشقجي.. رسائل بلا تفاصيل

لم يرو الخطاب الذي ألقاه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ظهر اليوم الثلاثاء عن قضية قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، عطش من كانوا ينتظرون منه كشف تفاصيل الجريمة، إذ غلبت عليه الرسائل والإشارات السياسية الموجهة إلى أكثر من جهة، ولم يرد فيه من المعلومات إلا النزر اليسير.

وقد كان حجم التطلعات والتوقعات كبيرا لدى المتتبعين لهذا الخطاب باعتباره أول خطاب لمسؤول رسمي تركي وعد بكشف التفاصيل، والحديث عنها.

وقال أردوغان خلال كلمة ألقاها أول أمس الأحد بمناسبة افتتاح أحد المشروعات في إسطنبول إنه سيكشف اليوم الثلاثاء خلال خطابه أمام الكتلة البرلمانية لحزبه تفاصيل قضية خاشقجي.

وتساءل أردوغان الأحد "لماذا جاء 15 شخصا إلى هنا (إسطنبول)؟ ولماذا تم اعتقال 18 شخصا (في السعودية)؟ ينبغي الإفصاح عن جميع تفاصيل هذه الأمور". وأضاف "سأتحدث عنها بشكل مختلف جدا يوم الثلاثاء خلال خطابي أمام الكتلة البرلمانية، وسأخوض في التفاصيل حينها".

غير أن الرئيس التركي في حديثه اليوم لم يفصح عن تفاصيل، بل ذكر معلومتين أو ثلاثا فقط لم تكن كافية ليقال عنها تفاصيل، خصوصا في خضم السيل الكبير من التسريبات التي كشفت الكثير من المعلومات والأخبار بشأن القضية، مما بدا معه أن أردوغان لم يأت بجديد.

ولئن كان ما كشفه من معلومات جديدة قليلا، فإنه يحمل في طياته رسالة مفادها بأن أنقرة لا يزال لديها الكثير مما يمكن أن تفرج عنه في هذا الملف، لكنها لا تريد أن تقدم للسعودية معلومات مجانية ربما تبني عليها رواية أخرى، أو تعدّل بناء عليها روايتها الحالية.

وبدا وكأن الهدف الرئيسي من خطاب أردوغان هو أن يرسل رسائل سياسية لأكثر من جهة في هذه القضية، وعلى رأسها السلطات السعودية، التي خصص جزءا من كلمته ليدحض روايتها لما حدث لخاشقجي.

فقد حرص على تأكيد أن الجريمة كانت مدبرة ومخططا لها ولم تأت من تصرفات فردية لأشخاص "تجاوزوا دورهم" كما أوحت بذلك الرواية السعودية، بل ذهب أبعد من ذلك بأن طلب من السعودية أن تكشف كل المتورطين "من أسفل السلم إلى أعلاه"، وهو ما يعني أن السلطات التركية لديها قناعة -وربما دلائل- بأن هناك من هو أعلى ممن اتهمتهم السعودية متورط أيضا في هذه القضية.

خطاب أردوغان حرص فيه أيضا على أن يثني على الملك سلمان بن عبد العزيز وعلى "مصداقية خادم الحرمين الشريفين"، لكنه حرص أيضا على أن يُفهم السعوديين أنه غير مقتنع بروايتهم، وأن عليهم أن يكشفوا من أمر منفذي الجريمة، بدل "إلقاء اللوم على رجال الأمن والمخابرات".

وقد كان لافتا أيضا أنه لم يأت على ذكر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إلا أن يُستشف من الخطاب أنه ربما يقصده في من يقصد ضمن من هم في "أعلى السلم".

الرئيس التركي ترك الباب أيضا مواربا أمام السعودية كي تبادر بخطوات أخرى تجعلها تقترب أكثر مما تريده تركيا، واستخدم تعبير "أقترح" بدل "أطالب" عندما تحدث عن ضرورة تسليم المتهمين السعوديين لمحاكمتهم في إسطنبول، لأن "الجريمة وقعت على أراض سعودية، لكنها ضمن الحدود التركية".

وختم أردوغان رسالته للسلطات السعودية بشيء من الحزم حين قال "لا يظنن أحد أن هذا الملف سيتم طيه وإغلاقه دون الإجابة عن الأسئلة المطروحة فيه". وهي الأسئلة التي ذكّر السعوديين ببعضها في خطابه: من أمر منفذي القتل؟ من هو المتعهد الذي تقول الرواية السعودية إنه تسلّم جثة خاشقجي؟ أين الجثة نفسها؟ ولماذا تم استخدام القنصلية لتنفيذ هذه الجريمة؟

الرسالة الثانية التي حملها خطاب أردوغان كانت إلى الدول الغربية وإلى المؤسسات الدولية، والتي بدا وكأنه "ينذرها" بأن تركيا لن تخضع للضغوط باسم القانون الدولي واتفاقيات فيينا بشأن الحصانة الدبلوماسية، وأنها ستمضي بعيدا في الملف.

ويحمل الخطاب أيضا في طياته دعوة لتدويل القضية واستمرار الدعم الغربي لقضية خاشقجي، لأنها قضية "ضمير عالمي لن يهدأ إلا عندما يعاقب كل الذين لعبوا دورا (في العملية) من المنفذين إلى الذين أعطوا الأوامر"، مضيفا أن تركيا "باسم المجتمع الدولي ستتابع القضية ممثلة للضمير الإنساني".

وهو ما يمكن أن يفهم منه أن أردوغان ينادي باستمرار الضغط الدولي على الرئيس الأميركي دونالد ترامب وعلى أصحاب القرار في السعودية من أجل التخلي عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والسعي لعدم استبعاده من المساءلة.

وهي الإشارة التي قابلتها إشارة ورسالة أخرى من مجلس الوزراء السعودي الذي أكد اليوم عزم المملكة على "محاسبة المقصر كائنا من كان" في قضية مقتل خاشقجي، و"عزمها على ألا تقف الإجراءات التي اتخذتها في هذا الشأن عند محاسبة المقصرين والمسؤولين المباشرين لتشمل الإجراءات التصحيحية في ذلك"، وطبعا فتعبير الإجراءات التصحيحية يبقى مفتوحا على احتمالات عديدة، وليس بالضرورة ما ترمي إليه تركيا.

والخلاصة أن تطورات قضية مقتل خاشقجي بعد خطاب أردوغان ستستمر في حلقات طويلة من مسلسل "تركي سعودي" يبدو أن الكلمة الفصل فيه لا تزال للتسريبات والرسائل السياسية.

المصدر : الجزيرة