سن الرشد.. هاجس نزلاء دور الرعاية بالمغرب

يجد نزلاء دور الرعاية صعوبات في الاندماج في المجتمع بعد مغادرتها بمجرد بلوغهم سِن الرشد
يجد نزلاء دور الرعاية صعوبات في الاندماج بالمجتمع بعد مغادرتها بمجرد بلوغهم سِن الرشد (الجزيرة)
سناء القويطي-الرباط

بعد يوم دراسي حافل، يعود عبد المنعم إلى دار الأطفال في أحد الأحياء الهادئة بمدينة تمارة في ضواحي الرباط، هي داره التي تحتضنه وتسعين طفلا قادهم اليتم أو الإهمال أو العوز للعيش في أسرة كبيرة مختلفة.

وبعد نهاية هذا العام الدراسي وحصوله على الباكالوريا (الثانوية العامة) سيكون على هذا الفتى -الذي أطفأ الشمعة الـ 18 من عمره منذ أيام- مفارقة هذه الأسرة ومغادرة دار الرعاية كما ينص على ذلك القانون.

رغم الابتسامة العريضة التي يرسمها على شفتيه والتماسك الذي يبديه، فإن عبد المنعم غارق حتى النخاع في التفكير في قادم الأيام، وتكاد الهواجس تغرز فيه أظافرها اليابسة.

فهذه الدار التي رعته مُذ جاء إليها طفلا مضرجا بأوجاع الحياة، ستتخلى عنه بدورها "لا أدري كيف سأواجه المجتمع وحدي" يقول عبد المنعم بحَيْرة بينما يوزع نظراته على زملائه الذين تَشَارك معهم لسنوات غرفة النوم وقاعة الأكل ولحظات الحلم والألم.

‪مرتاجي: أزمة المطرودات تنعكس على الفتيات الأصغر سنا‬ مرتاجي: أزمة المطرودات تنعكس على الفتيات الأصغر سنا (الجزيرة)
‪مرتاجي: أزمة المطرودات تنعكس على الفتيات الأصغر سنا‬ مرتاجي: أزمة المطرودات تنعكس على الفتيات الأصغر سنا (الجزيرة)
الفطام الصعب
عبد المنعم الذي ذاق اليتم وهو طفل هش المشاعر، سيكون عليه مجابهة فطام صعب من مؤسسة الرعاية وهو لا زال فتى غرا، هذا المصير ينتظره وحوالي 39 ألفا من نزلاء دور الرعاية في المغرب.

فبمجرد بلوغهم سِن الرشد سيجدون أنفسهم وحيدين في بحر الحياة تتقاذفهم أمواجه المتلاطمة، بدون مهارات حياتية تساعدهم على العيش باستقلالية ولا استعداد نفسي واجتماعي، منهم من ينجح في الوصول إلى مرفئ آمن ومنهم من يغرق في القاع.

ويوضح مصطفى أُعتاب مدير دار الأطفال بمدينة تمارة أن الطلاب منهم ينتقلون إلى "دار الطالب" (مؤسسة لإيواء الطلاب المعوزين) أو السكن الجامعي، أما الذين توقفوا عن الدراسة فلا توجد آليات قانونية لمواكبتهم وإدماجهم في المجتمع، ومع ذلك يبذل كوادر دار الرعاية جهودا شخصية ومحدودة لمساندة هؤلاء الشباب وتوجيههم ليعتمدوا على أنفسهم.

أيام عصيبة
وإلى جانب قضية عبد المنعم، عاشت فتيات إحدى دور الرعاية في الدار البيضاء العام الماضي أوقاتا عصيبة بعدما تلقيهن رسائل من مديرهن يخبرهن فيها بأوان المغادرة.

لم يكن أمامهن سوى الشارع وحياة التشرد، عشن أياما قاسية وصعبة، وانعكست أزمتهن على باقي الفتيات الأصغر سنا، حتى أن نتائج هؤلاء الدراسية كانت متدنية جدا.

ويقول سعيد مرتاجي -أحد قدماء دار الأطفال عين الشق بالدار البيضاء ومنسق لجنة دعم الفتيات المطرودات- إن الفتيات الأصغر سنا "كن يرين في الفتيات المطرودات مستقبلهن الذي سيأتي يوما ما، ولم يعد للدراسة معنى في وجود هذه المخاوف". 

ويشير مرتاجي -الذي عاين ملفات بعض النزلاء- إلى أن بعض الفتيات اضطررن للزواج برجال كبار في السن أو مرضى نفسيين وعقليين أو بذوي سوابق عدلية حتى لا يجدن أنفسهن في الشارع، وبعضهن وجدن سريرا في إحدى دور المسنين.

الأخصائي أحمد لمطيلي يقول إنه رغم أن بلوغ الـ 18 السن القانونية لمغادرة دور الرعاية، فإنه لا يتطابق بالضرورة مع استعداد النزيل للاعتماد على نفسه في معترك الحياة، كما يحصل في معظم الأسر بالنسبة للأبناء والبنات.

لذلك من الضروري -وفق لمطيلي- وضع برنامج تدريبي يتولى فيه المربون بإشراف الأخصائي النفسي إعداد النزلاء نفسيا عبر برامج متخصصة لمرحلة ما بعد المغادرة.

‪لمطيلي يدعو إلى إعداد النزلاء نفسيا عبر برامج متخصصة قبل مغادرتهم‬ 
لمطيلي يدعو إلى إعداد النزلاء نفسيا عبر برامج متخصصة قبل مغادرتهم (الجزيرة)
‪لمطيلي يدعو إلى إعداد النزلاء نفسيا عبر برامج متخصصة قبل مغادرتهم‬
لمطيلي يدعو إلى إعداد النزلاء نفسيا عبر برامج متخصصة قبل مغادرتهم (الجزيرة)
"مواكبة" حكومية
وهم على وشك "فطام" قسري سيزج بهم بقسوة في مجتمع لا يرحم الضعفاء، تحاول وزارة الأسرة والتضامن توفير أجوبة لمخاوف نزلاء دور الرعاية وهواجسهم، هذه الأجوبة لا زالت مجرد أفكار أثمرتها ورشات تشاورية جمعت قطاعات حكومية وجمعيات متخصصة بمجال الطفولة.

وتمخضت تلك الورشات برنامجا أطلق عليه "مواكبة" يدرج هذا البُعد في مسار التكفل ما قبل سن الرشد، بالإضافة إلى المواكبة الاجتماعية والمهنية ما بعدها، بإعداد الأدوات الكفيلة بمواكبة الأطفال بعد مرحلة حياة المؤسسة. 

تشاور الفاعلين في الموضوع متواصل كما الهواجس التي تقض مضجع لاء دور الرعاية، ومل هؤلاء في مستقبل يصبح فيه سن الرشد القانونية يوم فرح وبهجة كما هو الشأن بالنسبة لأترابهم، عِوَض أن يكون كابوسا يجثم على أنفاسهم ويقضم أحلامهم.

المصدر : الجزيرة