نتنياهو المحبط وأوروبا الباحثة عن دور
أحبط رد الاتحاد الأوروبي مساعي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتسويق قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب حول القدس؛ إذ وجدا صدا أوروبيا يشي بتمايز واضح بين بروكسل وواشنطن، يضاف إلى الشرخ الذي أحدثه ترمب في العلاقات مع أوروبا، الطامحة إلى دور أكبر في قضايا منطقة الشرق الأوسط.
ورفض وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي خلال اجتماعهم مع نتنياهو في بروكسل منح ترمب "شيكا على بياض" في مسألة القدس، وفق تعبير وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان، بما يؤكد فشل نتنياهو في تسويق قرار ترمب أوروبيا.
وشددت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني على أن الاتحاد سيواصل الالتزام بحل الدولتين، وسيضاعف جهود التعاون مع الأطراف الدولية والشركاء في المنطقة، وفي مقدمتهم مصر والأردن، من أجل إحياء مسيرة السلام.
وفي وقت يقترح فيه الاتحاد الأوروبي توسيع اللجنة الرباعية الدولية، كي تشمل السعودية ومصر والأردن وبعض الأطراف الدولية الأخرى الفاعلة، يستبعد نتنياهو الحديث عن دور أوروبي في إحياء مسيرة السلام، متشبثا بالدور الأميركي ومبادرة السلام الجديدة التي تعكف عليها الإدارة الأميركية.
صعود أوروبي
وكان نتنياهو التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي رفض بدوره قرار الرئيس الأميركي، واعتبره خطوة خطيرة ومنافية للقانون الدولي، وطالب نتنياهو بتجميد الاستيطان.
ويأتي هذا الموقف الأوروبي في سياق التجاذبات والاختلافات التي أحدثها وصول ترمب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية، كما يأتي ضمن رغبة فرنسية خاصة في لعب دور أكبر في مسائل الشرق الأوسط، مستفيدا من التراجعات والأخطاء الأميركية والفشل في تمرير أجندتها وتحويل المنطقة إلى بؤر صراع متعددة.
ويلحظ الدور الفرنسي في تبني الرئيس ماكرون دورا أكثر توازنا ووضوحا في الشرق الأوسط، ويضم عدة أطراف، في وقت يتخذ فيه الرئيس ترمب إسرائيل والرياض مرجعية له في الشرق الأوسط، وهو ما سبب مشاكل كثيرة لحضور واشنطن.
وفي وقت كادت أن تعصف التوجهات الأميركية بلبنان، وربما بالمنطقة بعد احتجاز رئيس الوزراء سعد الحريري في السعودية، استطاعت الدبلوماسية الأوروبية والفرنسية التدخل وإنقاذ الوضع.
وعلى عكس ترمب، تقف الدول الأوروبية، خاصة فرنسا وألمانيا، موقفا إيجابيا من الأزمة الخليجية، ورفضت منطق الحصار على دولة قطر، كما رفضت توجهات ترمب حول الملف النووي الإيراني والتهديد بإلغائه، وذلك بوصفه قرارا دوليا.
ومقارنة بالتخبط في السياسة الأميركية في عهد ترمب، التي أوجدت عوامل فرقة كثيرة في منطقة الشرق الأوسط،، وآخرها قرار ترمب حول القدس، يقف الاتحاد الأوروبي على دعائم أقوى في المنطقة، ترشحه للعب دور أكبر في قضاياه الكبرى، خاصة في القضية الفلسطينية، كما يقول مراقبون.
وخلافا لأن أوروبا وإمبراطورياتها القديمة (بريطانيا وفرنسا خاصة) هي أول من رعى المشروع الصهيوني في فلسطين ودعمته، لكنها أيضا دعت للاعتراف بالحقوق المشروعة للفلسطينيين، وحقهم في تقرير مصيرهم، وأكدت عدم مشروعية الاحتلال الإسرائيلي، وعدم الاعتراف بالمبادرات الإسرائيلية الأحادية في مدينة القدس، في اختلاف عن السياسة الأميركية المنحازة كليا لإسرائيل.
وإذا كان هذا الطرح يكتسب مشروعيته من زخم التطورات السياسية والميدانية حول القدس في فلسطين والعالم العربي، ومن مواقف تبدو أكثر حدة من قرارات الإدارة الأميركية -بما فيها رفض السلطة الفلسطينية استقبال نائب الرئيس الأميركي مايكل بنس- ومن المواقف الأوروبية ذاتها، إلا أن تحديات كثيرة تواجه هذا الدور.
فإضافة إلى المعارضة الأميركية والإسرائيلية لهذا الدور -وهو ما أسهم في تحجيم دور أوروبا في القضية الفلسطينية تاريخيا- يبرز إصرار دول عربية وأطراف فلسطينية على ترك كامل أوراق اللعبة بيد الولايات المتحدة، في استمرار للنظرية التي رسمها وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر.
كما يبرز الخلاف بين دول أعضاء الاتحاد الأوروبي -وبعضها مرتبط بشكل وثيق مع إسرائيل- تجاه نتائج هذا الصراع، وهو ما قد يحول دون لعب دور قوي ناجم عن سياسة خارجية موحدة، وفق ما يشير إليه محللون.
ويرى محللون أن تفاعلات القضية الفلسطينية بعد قرار ترمب بشأن القدس، والهبة الشعبية الواسعة الرافضة له في فلسطين ومختلف أنحاء العالم، والحراك السياسي الذي ما زال قائما؛ تفتح مجالات أخرى للحل وللوساطة وفق مقاربات جديدة، ولن تكون الولايات المتحدة الطرف الأوحد فيها.