عدلي ومنصور.. قصة تكامل صديقين

مدينة غزة/ شاطئ البحر/ فبراير 2016/ الصديقان يسيران في نزهة على شاطئ البحر.
عدلي ومنصور على شاطئ غزة (الجزيرة)

أيمن الجرجاوي-غزة

على دراجة نارية، وصل الصديقان عدلي عبيد ومنصور القرم إلى ميناء غزة، ليظفرا بلحظة صفاء قبالة البحر قلما يجدانها وسط صخب الحياة، جلسا على كرسي خشبي أمام الأمواج المتلاطمة ليستذكرا أحداث ست سنوات مضت، كانت مليئة بالتحديات.

كان ملفتا أنهما يلبسان زوج حذاء واحدا، فعدلي ينتعل فردة بقدمه اليمنى، والفردة الأخرى ينتعلها منصور باليسرى، لأن كل واحد منهما فقد قدما معاكسة للآخر، وإلى جانبيهما عكازات تساعدهما على المشي.

روح في جسدين
"هل تذكر حينما رفضت إتمام حفل زفافي إلا بعد عودتك من العلاج في مصر؟"، يقول منصور، فيرد عدلي "إنها أيام لا تنسى، فقد اشتريت بدلتَي عريس من القاهرة لي ولك، وزُففنا معا حتى إن الحضور لم يعرفوا من منّا العريس". ويضيف منصور (23 عاما) أصبحت "زوجتي نداء تغار منك لأني أقضي معك أوقاتا أطول مما أقضيه معها، إنها تعتبرك ضرتها".

نداء الشابة المتعلمة تزوجت منصور منذ ستة أشهر، وأحبته كما هو، لكنه يصر دائما على إثبات قدرته على مساعدتها في ترتيب غرفتهما وقضاء احتياجات المنزل.

الاتفاق بين عدلي عبيد ومنصور مبهرٌ، فهما يحبان أصنافا الطعام نفسها ويتقاسمان النقود ويسوقان دراجتهما النارية معا، إذ يتحكم أحدهما بالمقود، في وقت يغيّر الآخر السرعة، ويسكنان معا حي الشجاعية.

‪‬ عدلي ومنصور يتحكم أحدهما بالمقود والآخر يغيّر السرعة(الجزيرة)
‪‬ عدلي ومنصور يتحكم أحدهما بالمقود والآخر يغيّر السرعة(الجزيرة)

ظنوه شهيدا
حكاية الصديقين بدأت عام 2010، حينما تعارفا في ورشة لكهرباء السيارات، فانسجما ووجد كل منهما في الآخر ضالته وباتا شقيقين أو أكثر. وفي اليوم الثالث والعشرين من مارس/آذار 2011 أصيب عدلي إصابة بالغة جراء صاروخ إسرائيلي حين كان يسعف طفلا جرح بقصف سبقه، فوضع على أثرها في ثلاجة الموتى مع أشلاء الطفل الذي كان يحمله ظنا أنه استشهد هو الآخر.

منظر عدلي كان مرعبا، أحشاؤه مندلقة من بطنه، وقدمه مبتورة موضوعة فوق جسده، ووجهه مليء بالدماء، ويشعر ببرودة الثلاجة، ويستمع إلى بكاء أصدقائه دون قدرة على الحراك، ووسط ذلك المشهد تقدم الوالد المكلوم بحذر ليلقي نظرة الوداع على نجله، فأمسك يده وقبّلها وهو يذرف الدموع، وهمّ بأخذ الخاتم والساعة من يد ابنه ليحتفظ بهما كما فعل مع ولده الشهيد علي قبله.

لكن عدلي استجمع قواه، وحرك أصبعه معلنا إصراره على الحياة، فصرخ الوالد على الأطباء، فنقلوه على عجل لغرفة العناية المركزة. بعد استفاقته، تحسس عدلي جسده فلم يجد قدمه، فقال له أحد المقربين "لقد سبقتك إلى الجنة" فرد بقوله "الحمد لله، هذا فخر لي".

تكرار المشهد
كان منصور يزور صديقه خلال وجوده في المستشفى، وتمنى في يوم من الأيام أن يهديه قدمه أو أن تبتر ليصبح كما هي حال صديقه. لم تمض سوى خمسة أشهر على إصابة عدلي، حتى أصيب منصور بصاروخ إسرائيلي مفاجئ قرب منزله القريب من المنطقة الحدودية شرق مدينة غزة. ومكث عشرة أيام في العناية المركزة، وقال الأطباء إن حالته ميؤوس منها، بترت قدمه وأصبعان من يده اليسرى، وهناك شظية مستقرة في رأسه.

الصديقان يشتريان زوج حذاء واحدا (الجزيرة)
الصديقان يشتريان زوج حذاء واحدا (الجزيرة)

وعاش منصور نفس تجربة صديقه عدلي، فقد استيقظ دون أن يجد قدمه، فقال له أحد الممرضين ما قيل لصديقه "لقد سبقتك إلى الجنة"، فحمد الله كما فعل صديقه. وعلى مدار خمس سنوات أجرى الصديقان عمليات جراحية عديدة داخل غزة وخارجها ليتخلصا من آلامهما، لكن منصور ما زال بحاجة لعملية رقع لجمجمته بعد أن فقد جزءا منها إثر الإصابة.

ويحتاج الصديقان لطرفيين صناعيين، كما يحتاجان لتحسين ظروفهما المعيشية، لاسيما وأنهما يسددان ديونا بآلاف الدولارات على أثر أعمال بناء بمنازل عائلتيهما، وهو الأمر الذي يحول دون تحقيق أمنية عدلي بالزواج، في حين ينتظر منصور طفلته بعد خمسة أشهر.

لكن ذلك لم ينل من عزمهما وإرادتهما القوية والإصرار على الحياة، فعدلي يلعب كرة السلة على الكرسي، بينما يمارس منصور رياضة رمي القرص قدر استطاعته، ويحادثان آلاف الأصدقاء والمعجبين عبر موقع فيسبوك، ويقول منصور "نحن نحب الحياة. نعيشها ببساطة وسعادة، ونكون في ارتياح عندما نكون معا".

المصدر : الجزيرة