أم حسن.. حامية الجبل من الاستيطان

عاطف دغلس-نابلس

بالكاد عثرنا على مركبة تقلنا لعزبة أبو البصل، حيث تقطن الحاجة أسماء بلاسمة (أم حسن) فوق إحدى قمم جبال مدينة سلفيت شمال الضفة الغربية، وحتى هذه المركبة لم تنقلنا للمكان عينه إذ كان علينا المشي مئات الأمتار للوصول إليها.

على الرغم من المعاناة من وعورة الطريق، فإنها كانت هينة أمام صمود أم حسن (72 عاما) في أرضها التي طالما تفطرت قدماها بفلاحتها وحراثتها، ونقل الماء من أسفل "وادي المطوي" مشيا تارة، وأخرى عبر الدواب للشرب وسقاية مزروعاتها.

منذ 55 عاما شاء الله لأم حسن أن تتزوج أحد أبناء قريتها المهجرة من داخل فلسطين المحتلة عام 1948، وأن يعيشا حياة التهجير، ليستقر بهما المقام في عزبة أبو البصل -مثل الكثيرين- لكنها وحدها من تجذرت وصمدت.

لم تكلّ أم حسن أو تملّ، وهي تنتقل بنا من مكان لآخر لترينا ما كانت عليه العزبة وما حل بها، حيث أضحت محاطة بالمستوطنات الإسرائيلية، لا سيما الصناعية مثل أرائيل التي تصادر الأرض وتلوثها.

‪أم حسن تجوب أرضها وعزبتها باستمرار لمنع أي اعتداء عليها‬ (الجزيرة نت)
‪أم حسن تجوب أرضها وعزبتها باستمرار لمنع أي اعتداء عليها‬ (الجزيرة نت)

دائرة الاستهداف
روت أم حسن حكايتها، فقالت إنها تملك أكثر من عشرين دونما في العزبة، لكنها تحمي جبلا كاملا، وأن بقاءها يعني الحيلولة دون غرس الاستيطان أنيابه في ما تبقى من تلك المنطقة المقدرة بآلاف الدونمات وافتراسها.

وأضافت "قضيت أكثر من نصف قرن هنا، وزوجت بناتي العشر وأحد أبنائي، ولم يغرني رهف الحياة بالمدينة عن العيش بين وعورة الجبال، وعشت ولا زلت على الفتات".

وبعد زواج بناتها، فقدت أم حسن نجلها محمد بلاسمة شهيدا في الأرض دفاعا عنها بعد مطاردة استمرت أربع سنوات، ومن وقت قريب توفي زوجها، وبقيت وحدها تصارع ما تصفه بـ"غول الاستيطان" الذي ينتظر لحظة ضعف بها لينقض عليها.

وبين الفينة والأخرى، تتعرض أم حسن لهجوم المستوطنين بحماية من جيش الاحتلال الذي شرع في ترسيم نقاط ووضع علامات جديدة حول أراضي المواطنين وتجريفها تمهيدا لمصادرتها، وتقول "إنهم ينتهزون الفرص التي يغيب فيها المواطن عن أرضه فتتم مصادرتها".

وتتابع إنهم لا يضعون سياجا حديديا أو فاصلا بين مستوطناتهم وأرضها، وإن غيابها سيحول العزبة "لبؤرة استيطانية" بأي وقت.

‪مصانع أرائيل واحدة من 23 مستوطنة تجثم فوق أراضي سلفيت‬ (الجزيرة)
‪مصانع أرائيل واحدة من 23 مستوطنة تجثم فوق أراضي سلفيت‬ (الجزيرة)

مستوطنات صناعية
وحيث تسكن أم حسن غدت مستوطنتي أرائيل وبركان -كبرى مستوطنات شمال الضفة الغربية- اللتان تضمان مئات المصانع التي تلوث الشجر والحجر عوضا عن أنها اقتلعت البشر أيضا.

وتجثم فوق أراضي محافظة سلفيت 23 مستوطنة، يقابلها 18 تجمعا سكانيا للفلسطينيين فقط، وتصادر المستوطنات أكثر من 35% من أراضيها المقدرة بنحو 204 كيلومترات مربعة.

وأكثر ما يؤذي أم حسن -إضافة إلى الملاحقة اليومية- هو ضجيج المصانع ومخلفاتها السامة، في حين يمارس المستوطنون اعتداءاتهم بتسميم المواشي وسرقتها وإطلاق الخنازير البرية التي تدمر المحاصيل.

وترفض أم حسن كل أساليب الاحتلال لتهجيرها من أرضها، ولهذا السبب أطلقت نداءات استغاثة للجهات المختلفة -وخاصة الرسمية- لدعمها وتعزيز صمودها في ما يتعلق بتوفير الماء وشق الطريق واستصلاح الأرض، لكنها لم تلمس تحركا جديا رسميا وشعبيا، كما قالت.

‪أم حسن متشبثة بأرضها رغم غياب الدعم الرسمي لها ولصمودها‬ (الجزيرة نت)
‪أم حسن متشبثة بأرضها رغم غياب الدعم الرسمي لها ولصمودها‬ (الجزيرة نت)

دون دعم
ولم يصل أي دعم إلى عزبة أبو البصل منذ قيامها إلا من وقت قريب، حين قامت مؤسسة مجتمعية يديرها رئيس الوزراء السابق سلام فياض بترميم منزل أم حسن، وزودتها بشبكة كهرباء تعمل بالطاقة الشمسية.

ويوضح منسق لجنة الدفاع عن الأراضي بمحافظة سلفيت جمال الأحمد أن قلة المال، واشتراطات المانحين، من الأسباب التي تتذرع بها الجهات الرسمية للحيلولة دون تقديم أية مساعدات لأم حسن.

وقال للجزيرة نت إن وجود أم حسن "يُعد شوكة في حلق الاحتلال، الذي يُخطط لضم كل هذه الأراضي، ويفرض سيطرته عليها بهدف تحويلها إلى مناطق صناعية ضخمة، تمتد من الأغوار شرقا وحتى حدود المدن الإسرائيلية غربا".

المصدر : الجزيرة