النكبة.. جحيم ومرارة بذكريات الفلسطينيات

نساء فلسطينيات: صورة توضيحية(من الأرشيف)
الفلسطينيات لعبن أدوارا ريادية في تجربتي اللجوء والنضال (الجزيرة-أرشيف)

وديع عواودة-حيفا

في غربتهم القاسية، ذاق الفلسطينيون شتى صنوف العذاب، لكن نصيب نسائهم كان أكثر مرارة كما ينعكس في شهادات ثلاث منهن روين للجزيرة نت بعض ما مررن به.

الحاجة شمسة ذياب عباس (83 عاما) من كفركنا كبقية زميلاتها الفلسطينيات تزوجت وقتها مبكرا، وفي نكبة 1948 صارت أما للطفلة صبحية وهي دون السابعة عشرة من عمرها.

تستذكر الحاجة شمسة بداية الرحيل عن الوطن عقب تزايد أزيز الرصاص من حول قريتها وتواتر الأنباء عن المجازر، حيث رافقت أهلها سيرا على الأقدام وهي تحمل الرضيعة صبحية (15 يوما).

كانت العائلة تواصل السير نهارا وتبيت تحت الأشجار ليلا، ومعها جارتها أم السعيد وهي حامل في شهرها الخامس بابنها سعيد.

ومن حرفيش في لبنان انتقلت معهم إلى بلدة عنجر، لكنهم لم يحتملوا كثرة البعوض فانتقلوا إلى بعلبك وبقوا فيها شهرا قبل الرحيل إلى بلدة المعظمية بجوار دمشق.

وهناك مكثت الحاجة شمسة وأقاربها نحو السنة، أنفقت خلالها ما ادخرته من ذهب، لكن ذلك لم يخفف عنها قسوة الحياة في الحر والبرد.

وتتابع قائلة "لا يوجد أغلى من الوطن.. هناك شعرتُ بالغربة وكنت حزينة رغم المعاملة الإيجابية لأهل الشام.. حتى اليوم أبكي كلما أرى لاجئين سوريين فهم يذكرونني بتجربتي المرّة".

عليا سارت في الطرق الوعرة وسقطت في مياه الأودية هربا من بطش اليهود (الجزيرة نت)
عليا سارت في الطرق الوعرة وسقطت في مياه الأودية هربا من بطش اليهود (الجزيرة نت)

وما تزال تذكر الرحلة الجبلية الصعبة في العودة إلى فلسطين عندما طلب المهربون المرافقون منهم التريث حتى تغيب الشمس، وعندها أجبروهم على السير حفاة كي لا تكتشفهم الدوريات الإسرائيلية.

رحلة جبلية
وتضيف الحاجة شمسة بانفعال وذاكرة نادرة وكأن الرحلة الجبلية انتهت العام الماضي، "صعدت معهم جبل الجرمق وابنتي صبحية بين يدي كما كان في طريق الذهاب إلى لبنان حتى خارت قوانا".

وبعد استراحة في قرية عرابة البطوف واصلوا المسير إلى كفركنا، وهناك فشلت الحاجة شمسة في مداواة طفلتها فماتت متأثرة بمرض ألمّ بها خلال الترحال.

ومثل الحاجة شمسة، خاضت عليا زريق (77 عاما) -من قرية عيلبون- تجربة قاسية بعدما رافقت أهلها في هجرتهم إلى لبنان عقب سماع أنباء المجازر في قرى لوبية وحطين وعيلوط والسجرة وغيرها.

رحلت عليا طفلة مع والدتها نايفة وخمسة من إخوتها. أما والدها فريد زريق فقد اعتقله الجيش الإسرائيلي بعد ارتكاب مجزرتين في نوفمبر/تشرين الثاني 1948.

وتنقلت برفقة ذويها بين بيروت ومخيم "المية مية"، وعانت هي الأخرى من ازدحام شديد. وتقول إن نحو 70 شخصا أقاموا داخل بيت واحد وكانوا ينامون ملتصقين لشدة الخوف والبرد.

عودة وسجن
ولم تتم فرحتها كطفلة رافقت أقرباءها في العودة بعد ستة شهور إلى ديارها في فلسطين، فقد اعتقلتهم دورية إسرائيلية عند الحدود وتم إيداعهم في سجن المسكوبية بمدينة الناصرة قبل طردهم إلى الضفة الغربية، فظلوا يمشون وسط العتمة والمطر والأرض الموحلة في مرج ابن عامر.

منيرة:
بين ليلة وضحاها تحولت من طفلة مدللة إلى لاجئة داخل غرفة في برج البراجنة وسط الفقر والازدحام

وأكثر ما روّعها في تلك الرحلة السوداء أن خالها معين زريق لم يعد يقوى على حمل شقيقتها الطفلة سهام (ثلاثة أعوام) وهم يسيرون ليلا في أرض موحلة نحو جنين فتركها على الأرض، لكنه ما لبث أن عاد بعد خمسين مترا وحملها.

أما هي فقد سقطت في مياه أحد الأودية وتم إنقاذها بصعوبة. وفي جنين افترقت طريق المجموعة وظل أفرادها يبحثون عن بعضهم البعض لمدة يومين.

وبعد عدة أيام من الجوع والبرد في جنين أكملت العائلة طريقها إلى لبنان مرورا بالأردن وسوريا، فمكثت في بيروت مجددا طيلة شهرين حتى نجحت في العودة إلى عيلبون تسللا.

وتختلف معاناة الحاجة منيرة أبو حميد (76 عاما) من عكا عن السيدتين المذكورتين فهي ابنة لعائلة ميسورة الحال، لكن أحداث النكبة روعتها وتركت آثارا نفسية لم تتخلص منها حتى اليوم، أهمها الخوف من الصهاينة.

ومن صدمات النكبة مشاهدتها سيدة قدمت من حيفا إلى عكا وما لبثت أن بدأت تلطم وجهها وهي باكية حينما اكتشفت أنها حملت مخدة بدلا من رضيعتها وهي هاربة من البيت فور تفجيره من قبل منظمة صهيونية.

ورحلت عائلة أبو حميد -عدا الوالد الذي بقي ليحرس البيت في عكا- بواسطة شاحنة محملة بالراحلين وبعض المتاع.

وبين ليلة وضحاها وجدت نفسها تتحول من طفلة مدللة إلى لاجئة داخل غرفة في برج البراجنة وسط ازدحام وفقر غير مألوفين.

المصدر : الجزيرة