القطب يحمل البشر مسؤولية الانحباس

القطب الشمالي يذوب أسرع من المتوقع



مازن النجار

قدمت دراسة أميركية للسجل الجيولوجي المناخي في القارة القطبية الشمالية دليلا جديدا قويا على أن ما أحدثه البشر من انحباس حراري قد يتجاوز دورات التسخين والتبريد الطبيعية لكوكب الأرض، بحسب لوس أنجلوس تايمز.

أجرى الدراسة فريق من علماء المناخ بجامعة شمال أريزونا، بقيادة داريل كوفمن، ونشرت حصيلتها بمجلة ساينس العلمية.

أظهرت دراسة الرواسب الجيولوجية الناجمة عن مختلف الحقب الماضية أنّ ازدياد ذوبان الجليد يتزامن مع ميلاد العصر الصناعي، مما يمثل دليلا قويا على أن ظاهرة الانحباس الحراري من عمل البشر.

قبل أكثر من ألفي سنة، أدى تأرجح طبيعي في محور الأرض (الرأسي) إلى ابتعاد القطب الشمالي أكثر عن الشمس خلال فصل الصيف، مما تسبب في انخفاض كمية أشعة الشمس التي يتلقاها.


التضخيم القطبي
وكان من المتوقع أن ابتعاد القطب الشمالي عن الشمس بمسافة ستمائة ألف ميل (مليون كيلومترا) منذ ألفي سنة، سيخفض درجة حرارته بأكثر من درجة فهرنهايت واحدة قليلاً (0.6 مئوية)، إلا أن درجة حرارة القطب ارتفعت، خلافا للمتوقع.

وقد بدأ هذا الارتفاع منذ عام 1900 فقط، وكان بمقدار 2.2 درجة فهرنهايت (1.222 مئوية)، إلا أن الفترة بين 1998 و2008 كانت الأكثر دفئا خلال ألفي سنة.

"
يعتقد الباحثون أن المنطقة القطبية الشمالية قد ارتفعت درجات حرارتها بمقدار ثلاثة أضعاف عن باقي الأرض
"

وتدحض هذه النتائج -كما يبدو للباحثين- الحجة الذائعة والقائلة إن الانحباس الحراري الراهن هو مجرد تغير أو تباين طبيعي.

ويعتقد الباحثون أن المنطقة القطبية الشمالية قد ارتفعت درجات حرارتها بمقدار ثلاثة أضعاف عن باقي الأرض، من خلال تأثير معروف جيدا يسمى "التضخيم القطبي".

ولدى ذوبان الثلوج والجليد العاكس لأشعة الشمس، يحل محلهما مياه معتمة (داكنة) وغطاء نباتي يمتص المزيد من أشعة الشمس، وتُطلق السخونة المحتجزة في الغلاف الجوي.

يسبب امتصاص أشعة الشمس دفئاً في الطبقة العميقة دائمة التجمد (permafrost)، وهو ما يطلق الغازات المسببة للانحباس، كغاز الميثان في الغلاف الجوي، مما يفاقم حالة الانحباس الحراري.


مصادر السجل
استطاع الباحثون إنتاج سجل مناخي للإقليم من حلقات جذوع الأشجار، وعينات طبقات الجليد المأخوذة من 14 بحيرة بالقطب الشمالي.

ودلّت الطبقات المترسبة على درجات الحرارة، إذ تشير الطبقات الرقيقة إلى ذوبان ودرجات حرارة أقل، بينما تشير الطبقات الأكثر سمكا إلى درجات حرارة أعلى، حين دفعت مياه الجليد الذائبة بالطين إلى البحيرات.

اتفقت نتائج مصادر السجل المناخي الثلاث على بدء ارتفاع حرارة القطب الشمالي مع بداية العصر الصناعي، في منتصف القرن التاسع عشر، عندما شرع البشر بإطلاق كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون (المسبب للانحباس الحراري) إلى الغلاف الجوي.

هذا القول بارتفاع درجات الحرارة يجد دعما من بيانات أعلنت مؤخرا، تظهر انحسار الأنهار والكتل الجليدية بوتيرة أسرع مما كان يلاحظ سابقا، مما يهدد سواحل العالم بالغرق لرفعه منسوب المحيطات.

ويعتقد بعض العلماء أن زيادة منسوب المحيطات ستتراوح بين مترين وثلاثة أمتار إذا استمر إطلاق غازات الانحباس الحراري بالمستويات الراهنة.

يشار إلى أن دورة التذبذب الراهنة في محور الأرض الرأسي تستغرق 21 ألف سنة، وقد مر عليها سبعة آلاف سنة، ولن يعود القطب الشمالي إلى أقرب نقطة له من الشمس قبل 14 ألف سنة أخرى.

المصدر : الجزيرة