فورين أفيرز: كبح السيسي باستقلال القضاء المصري

دار القضاء العالي بوسط القاهرة حيث يوجد مكتب النائب العام
دار القضاء العالي وسط القاهرة (الجزيرة)

في مقال بمجلة فورين أفيرز كتب بروس رذرفورد أن مصر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي تعد مكانا خطيرا للمعارضين منذ صيف 2013 عندما استخدمت قوات الأمن والجيش عنفا مفرطا لتعزيز سلطتها مما أودى بحياة الآلاف واعتقال وسجن عشرات الآلاف.

وقد ازدادت أوضاع حقوق الإنسان تدهورا خلال السنوات التالية بممارسة الشرطة سياسة الإخفاء القسري للمواطنين. أما البرلمان فقد أقر عامي 2017 و2018 قوانين عززت سلطة الحكومة في مراقبة منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام، وأغلقت تلك التي لم تتسق نشاطاتها مع مصالحها.

وقال رذرفورد -وهو أستاذ للعلوم السياسية بجامعة كولغيت الأميركية- إن الاستبداد الجديد في مصر ليس مجرد استمرار لحكم الرئيس السابق حسني مبارك الذي أدت ميوله الدكتاتورية إلى الإطاحة به، بل هو أكثر قمعا ووحشية.

وأشار إلى مطالبة المجموعات الحقوقية وغيرها للسيسي بالسماح بانتخابات تنافسية، لكنه رجح عدم موافقة نظامه على مثل هذه المطالب، ورأى أن النشطاء والحكومات سيكونون أكثر حكمة إذا وجهوا طاقاتهم لاستعادة سيادة القانون وتعزيز السلطة القضائية التي دأبت على كبح السلطة التنفيذية في الماضي. واليوم، تسمح المؤسسات القانونية الهشة بالفساد المتفشي ووحشية الشرطة التي لا تهدد الشعب فحسب بل النظام أيضا.

انتقال ديمقراطي
وأضاف رذرفورد: وجود قضاء أكثر استقلالية ومهنية وكفاءة يعد لزاما ليس من أجل سلامة وحرية المصريين فحسب، بل أيضا من أجل أي انتقال ديمقراطي بالمستقبل، والأهم أن هذا الأمر قد يكون قابلا للتحقق في ظل الظروف الحالية.

وشكك في آفاق الديمقراطية بسبب قانون 2017 المنظم لأنشطة المنظمات غير الحكومية الذي أرهب بشكل تام مجموعات المجتمع المدني وجعل الأحزاب السياسية عاجزة عن تنظيم نفسها بفاعلية. كما أن معظم الإسلاميين يشعرون بخيبة أمل عميقة إزاء العملية الديمقراطية بعد أن شاركوا بالانتخابات الحرة عامي 2011 و2012 لتتم إزاحتهم فيما بعد من مناصبهم بانقلاب عسكري. واعتبر المؤسسة العسكرية العقبة الأكبر على الإطلاق بسبب انغماس القوات المسلحة في السياسة مما يجعلها مناهضة للديمقراطية.

ومع ذلك، يرى الكاتب أن هناك وسائل أخرى لكبح سلطة السيسي وحماية حقوق المصريين ومنها إيجاد إستراتيجية تركز على تعزيز المؤسسات القانونية، وأن هذه الخطوة ليست عملية في ظل الظروف الحالية فحسب بل من المرجح أيضا أن تجعل أي مسعى ديمقراطي مستقبلي أكثر نجاحا. ومن ناحية أخرى يمكن بناء هذه الإستراتيجية من أساس قوي في التاريخ المصري.

وأضاف أنه لكي يستعيد القضاء سمعته لابد له من تعزيز استقلاليته عن السلطات الأخرى للحكومة، وهذا ما كان القضاة يضغطون من أجله منذ عقود. والمحاكم بحاجة للمزيد من الكفاءة والمهنية حيث إنها تكدح تحت عدد هائل من القضايا غير المنجزة التي تبطئ حركة عملية التقاضي. كما تعاني السلطة القضائية من تدن مستمر في جودة التعليم القانوني منذ عقود.

دكتاتورية وحشية
ويمكن للحكومات والمنظمات الدولية تقديم العون للمحاكم المصرية فيما يتعلق بتراكم القضايا التي تثقل كاهلها، وذلك من خلال التبرع ببرامج لإدارة القضايا ومساعدتها على مراجعة الإجراءات المعتمدة داخل قاعة المحكمة وتثمين الوساطة القضائية والتحكيم، وغيرها من الوسائل المعتمدة لحل النزاعات القانونية خارج المحكمة.

وستتطلب هذه الجهود تعاونا كاملا من القادة الحاليين بالنظام المصري الذين سيحجمون عن تقوية المؤسسات التي من شأنها تهديد سلطتهم. ويمكن للنشطاء والمستشارين الحكوميين الذين يدعمون مبدأ سيادة القانون أن يقدموا العديد من الحجج التي بإمكانها إقناع قادة مصر بقبول هذه الإصلاحات. فمثلا يمكن لتعزيز سيادة القانون معالجة الفساد ووضع حد للتقارير التي تفيد بوحشية الشرطة التي سبق للسيسي إبداء قلقه إزاءها. ويمكن لإصلاح سيادة القانون المساعدة على علاج الاحباط العام المتنامي من الوضع الراهن.

وختم الكاتب مقاله بأن القادة السياسيين بمصر سيترددون لأسباب مفهومة في دعم المؤسسات التي من شأنها تقييد سلطتهم، ويجب على الناشطين والحكومات إقناع هؤلاء القادة بأنهم سيستفيدون من التدابير ذاتها التي ستجعل أيضا الشعب أكثر أمنا وحرية، وذلك في حالة نادرة تتوافق فيها مصالح الشعب مع مصالح النظام. ومن ثم فإن تعزيز سيادة القانون قد يكون الطريقة السلمية الوحيدة لتحسين حياة المصريين العاديين الذين يئنون تحت دكتاتورية وحشية متنامية.

المصدر : فورين أفيرز