خرافة المناطق الآمنة

Internally displaced refugees from al-Bab town gather to receive food aid in Ekhtreen town, northern Aleppo countryside, Syria January 21, 2017. REUTERS/Khalil Ashawi
مدنيون سوريون يتجمعون في مركز لإيواء النازحين شمال حلب (رويترز)

قالت مجلة (فورين بوليسي) إن قراءة سريعة في تاريخ الصراعات الحديثة في العالم تُنبئ بأن الخطة الأميركية المقترحة لإقامة "مناطق استقرار مؤقتة" في سوريا لن تفلح في إنقاذ حياة المدنيين، وإنه مهما اختلفت المصطلحات التي تُطلق في هذا الاتجاه فإنها تبقى من قبيل الأساطير أو الخرافات.

وجاء الكشف عن الخطة الأميركية في تصريح لوزير خارجيتها ريكس تيلرسون في 22 مارس/آذار المنصرم أكد فيه أن الولايات المتحدة ستقيم "مناطق استقرار مؤقتة" في سوريا تنفيذا لوعد قطعه الرئيس دونالد ترمب قبل ذلك بشهرين، وهو تعهد اعتبره البعض "طريقة مريحة" لإبقاء اللاجئين بعيدا عن الولايات المتحدة.

وليست هذه هي المرة الأولى التي يُستخدم فيها مصطلح "المناطق الآمنة"، أو "المناطق المحمية"، أو "الممرات الإنسانية"، أو "الملاذات الآمنة" أو أي من التعابير الملطّفة الأخرى التي يُقصد منها حماية المدنيين أثناء الحروب.

وسردت المجلة الأميركية في مقال للصحفية لورين وولف أمثلة استخدمت فيها أحد تلك المصطلحات كما حدث في سربرينيتشا شرقي البوسنة والهرسك التي كانت واحدة من ست مناطق آمنة أُنشئت عقب المجزرة التي أودت بحياة الآلاف من المسلمين هناك صيف 1995.

نازحون من الموصل شمالي العراق بانتظار نقلهم بالحافلات إلى منطقة آمنة (رويترز)
نازحون من الموصل شمالي العراق بانتظار نقلهم بالحافلات إلى منطقة آمنة (رويترز)

وسبق أن استُخدم ذات المصطلح في العراق في عام 1991 ورواندا في 1994 وفي دول أخرى، لكن أحدا منها لم يصادف نجاحا كما يقول الخبراء، وقد بدأت إدارة ترمب تروج بشدة لفكرة إقامة مناطق آمنة، وهذه المرة في سوريا.

وليس من السهل تطبيق مثل هذه الفكرة، ذلك أن إقامة منطقة آمنة تتطلب توفير خدمات أساسية مثل المياه والغذاء والصرف الصحي والرعاية الصحية التي طالها الدمار في الحرب الطاحنة.

ومما يجعل إنفاذ مثل هذه المناطق أمرا عسيرا أن سوريا بلد تعطلت فيه قواعد الحرب كما يبدو للمراقب، فقد تعرضت سيارات الصليب الأحمر والمستشفيات إلى جانب الصحفيين للاستهداف، ومن العسير والحالة هذه تخيل أحدهم يعمل لإقامة منطقة "محظورة" من هذا النوع للنازحين.

وفي حال رفضت الحكومة السورية الترخيص لإقامة مثل هذه المناطق، فسيكون لزاما عندئذ استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يسمح بذلك مما يعني ضرورة موافقة روسيا والصين عليه. وهي فكرة أجهضتها أطراف في الأمم المتحدة من أساسها.

ونقلت (فورين بوليسي) عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش القول إن "تعقيدات الوضع في سوريا تجعل من العسير جدا إقامة منطقة تنعم بأمان تام بما يتناسب مع أهدافنا".

من جانبه، قال كريس بويان المتحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن حماية المدنيين -كما الحال في العراق- "يمكن أن يكون عائقا أمام السماح للناس بالمغادرة عند حاجتهم لذلك. عموما فإن المنطقة الآمنة في شمال العراق تتلقى وجهات نظر متباينة".

ويبدو أن الخبراء متفقون على أن إقامة مناطق آمنة فكرة لن يُكتب لها النجاح، ذلك أنها تحبس لاجئين لهم الحق في التنقل أو لأن هؤلاء اللاجئين لن يكونوا قادرين على الحيلولة دون وقوع مزيد من أعمال العنف في منطقة بعينها من بؤر الحرب الساخنة.

وخلصت الصحفية لورين لوف في مقالها إلى أن إقرار السلام هو التصرف المنطقي الوحيد لمد يد العون لأولئك العالقين في ساحات القتال.

المصدر : فورين بوليسي