داغان يصف نتنياهو بالأسوأ في الحكومات الإسرائيلية

دغان" يصف "نتنياهو" بـ"الأسوأ في رؤساء الحكومات الإسرائيلية
بنيامين نتنياهو "يمين" مع مائير داغان (الصحافة الإسرائيلية)
وصف رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي الجنرال مائير داغان -الراحل قبل أسابيع- رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بأنه "المدير الأسوأ الذي عرفه في حياته"، موجها انتقادات قاسية إليه قبل وفاته، لكن هذه المفردات الأكثر قسوة لم يسمعها الإسرائيليون من هذين الرجلين، مما يشير إلى عمق الفجوة بينهما.

وأضاف داغان في حوار أجراه معه الخبير الأمني الإسرائيلي في صحيفة "يديعوت أحرونوت" رونين بروغمان قبل وفاته أنه قرر الاستقالة من رئاسته لجهاز الموساد ليقوم بمهام أخرى، في ضوء ما سببه له نتنياهو من شرخ في علاقتهما.

وأوضح أنه عرف العديد من رؤساء الحكومات الإسرائيلية لم يكن أحد منهم طاهرا أو قديسا، بمن فيهم أريئيل شارون الذي عرفه جيدا، لكن كان لديهم قاسم مشترك بينهم جميعا، وهو أنه حين يصلون إلى نقطة الحسم في اتخاذ قرار مصيري وتتعارض مصلحتهم الشخصية مع المصلحة القومية لإسرائيل فإنهم يجعلون الأخيرة تتغلب على الأولى.

وأضاف داغان "لكني لا أستطيع تعميم هذه القاعدة على اثنين من رؤساء الحكومات الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو وإيهود باراك، ولذلك لجأت في النهاية لتقديم استقالتي من رئاسة جهاز الموساد بعد ولاية زادت على العشر سنوات".

وأشار بروغمان -الباحث الأمني وذو العلاقات العالية مع قادة المؤسسة الاستخبارية الإسرائيلية- إلى أنه حاول الحصول من داغان على تقييمه لبعض الأحداث الأمنية وعمليات اتخاذ القرارات المهمة في بعض الأطر الضيقة والأكثر سرية داخل إسرائيل، حيث تحدث قبل وفاته بكل أريحية، ووجه انتقادات قاسية في هذا الاتجاه.

وقال داغان إن نتنياهو أعطى الضوء الأخضر لبعض العمليات السرية التي نفذها جهاز الموساد، لكنه كان على علم بأنه سيبدي ندمه عليها إذا ظهرت أي نتائج غير متوقعة.

وفي جميع الحالات التي منح فيها موافقته على تنفيذ عمليات الموساد كان سرعان ما يتصل بداغان على الفور متخوفا، مما دفعه لوصف نتنياهو بأنه المدير الأسوأ الذي عرفه في حياته، وقد يكون رئيس الحكومة الوحيد الذي وصل إلى وضع يجعل كل أركان المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لا يقبلون موقفه.

المشروع النووي
وتطرق داغان إلى النقاش الحاد الذي دار بينه وبين نتنياهو بشأن مهاجمة إسرائيل المشروع النووي في إيران، فالأول أبدى رفضه مثل هذا الهجوم، لأنه يعتقد أن عملية عسكرية كفيلة بوقف المشروع النووي الإيراني فرضية غير صحيحة، فمثل هذه القدرات العسكرية غير متوفرة لدى إسرائيل، وما يمكن الأخيرة القيام به هو تأجيل إنجاز المشروع النووي الإيراني فقط إلى فترة زمنية محدودة.

وأوضح داغان أن معارضته قيام إسرائيل بمهاجمة إيران مردها إلى أن خامنئي -الزعيم الروحي الأعلى لإيران- سيقدم الشكر للرب، لأن مثل هذه الضربة الإسرائيلية سوف توحد الشعب الإيراني خلفه في تأييد المشروع النووي، وحينها ستجد إيران تبريرا لتحويل مشروعها النووي السلمي إلى مشروع عسكري لتدافع عن نفسها، ومن الناحية الاستخبارية فإن الإيرانيين بعيدون عن الحصول على قنبلة نووية.

وأشار داغان إلى أنه أوضح موقفه هذا أمام نتنياهو بكثير من الحدة "وفي بعض الأحيان رفعت الصوت أمامه، وقلت له إن إسرائيل مطالبة بأن تبحث عن تطوير إمكانياتها العسكرية لتكون قادرة على مهاجمة إيران، ولئن كان من المهم أن يكون لديها هذا الخيار لكن ليس بالضرورة أن تستخدمه فورا، لأن الأثمان التي ستدفعها إسرائيل في هذه الحالة ستكون أكبر كثيرا من المكاسب".

يوني بن مناحيم الكاتب الإسرائيلي في موقع "نيوز ون" والضابط الإسرائيلي الأسبق في سلاح الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية قال إن انتقادات داغان -التي صرح بها للصحفي بروغمان قبل وفاته- الموجهة ضد نتنياهو ليست مفاجئة، لأن الأخير يواصل التصرف بكامل الغطرسة، ويتجاهل توصيات قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في القضايا المصيرية.

وأوضح أن داغان -الذي عرفه الكاتب جيدا بصورة شخصية- تمكن من تشخيص أخطاء نتنياهو، واصفا إياه بأنه "الملك العاري"، لأنه الرجل الذي يقف على رأس دولة إسرائيل حاليا، ويتخذ قرارات مصيرية تؤثر مباشرة على حياة الإسرائيليين في المجالات السياسية، والأمنية، والاقتصادية، والاجتماعية، وأي إسرائيلي يستمع لتوصيف داغان عن سلوك وإدارة نتنياهو يجب أن يكون قلقا تجاه مصيره ومصير الدولة، لأن كلمات داغان ليست لسياسي يريد المزايدة على نتنياهو، بل لرجل ذي مكانة مرموقة في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية معروف بنزاهته.

مصالح شخصية
ومما يجعل الصحفيين الإسرائيليين المنخرطين بتغطية الشؤون الحزبية والسلطوية في الدولة غير متفاجئين مما ذكره داغان عن نتنياهو أنهم كلهم تقريبا يعرفون ذلك، وهو أنه يفضل مصلحته الشخصية، ورغبته بالبقاء في السلطة على القضايا القومية المهمة، مما جعل داغان يكشف كيفية تنصل نتنياهو من مسؤوليته الشخصية عن بعض العمليات التي نفذها جهاز الموساد، خشية أن يحصل أي خطأ خلال التنفيذ كما حصل في محاولة الاغتيال الفاشلة لزعيم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) خالد مشعل في الأردن عام 1997.

وبعد اتضاح فشل محاولة الاغتيال -يشير بن مناحيم- إلى أن نتنياهو كان هو المسؤول عن فشل الموساد، فقد اضطر لإطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين من السجن الإسرائيلي، وتوفير المصل الواقي من السم الذي حقن به مشعل، وتم إنقاذه من الموت، لكن من اضطر لدفع ثمن هذه العملية الفاشلة هو رئيس الموساد الأسبق داني ياتوم الذي اضطر للاستقالة.

وزير البنى التحتية آنذاك أريئيل شارون هو من وفر لنتنياهو المخرج الآمن في هذه العملية، ومنع حدوث تدهور في علاقة إسرائيل مع الأردن عبر إخراج "الكستناء من النار"، ومنع انفجار الموقف مع الملك حسين، وكل ذلك يشير إلى أن نتنياهو معتاد على عدم تحمل المسؤولية عن أي قرار أو عملية قد تزعزع بقاءه على الكرسي، بل يضع مساعديه في الواجهة، ويبتعد كما لو كان غير متورط في القضية، ويحافظ على مسافة آمنة، فإذا وقعت أي مشكلة فلسان حاله أنه غير موجود في الصورة: لا يعرف، ولا يرى، ولا يسمع.

وأوضح أن نتنياهو قوي بالكلمات، لكنه سرعان ما يختفي، ويبدو كـ"اللص في الليل" حتى أن مساعديه باتوا يتقصمون شخصيته يوزعون الوعود المخيبة للآمال، وسرعان ما يختفون، ولذلك صدق داغان في مخاوفه، لأنه عرف عن قرب طريقة عمله، ولم يكن مستعدا للمغامرة بحياة مقاتلي الموساد من دون وجود الغطاء المطلوب من صناع القرار الإسرائيلي، على اعتبار أن رئيس الحكومة الإسرائيلية هو المسؤول المباشر عن الموساد، ويجب أن يتحمل المسؤولية عن قراراته.

بن مناحيم ختم مقاله بأن داغان ليس الوحيد الذي يوجه انتقادات لأداء عمل نتنياهو، فقد سبقه في ذلك رئيس جهاز الأمن الإسرائيلي العام (الشاباك) السابق يوفال ديسكين، ورئيس هيئة الأركان الإسرائيلي الأسبق غابي أشكنازي، لكن حديث داغان قد يشجع مسؤولين أمنيين آخرين على البوح عن مواقفهم من نتنياهو، مثل الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي البروفيسور عوزي آراد، وبإمكانه أن يسلط الضوء على كيفية إدارة نتنياهو شؤون الدولة.

المصدر : الصحافة الإسرائيلية