فُتّحت أبوابها.. العراقيون تجولوا في جنة المسؤولين بالمنطقة الخضراء

Cars drive past over a suspension bridge in the Green Zone in Baghdad, Iraq December 10, 2018. REUTERS/Thaier al-Sudani
المنطقة الخضراء وسط بغداد تضم المقرات الرسمية ومنازل كبار المسؤولين العراقيين (رويترز)

مروان الجبوري-بغداد

في تمام الساعة الخامسة من مساء أمس الاثنين كانت بغداد على موعد مع حدث غير مسبوق منذ 15 عاما، حيث بات بإمكان سكانها الدخول والتجوال في المنطقة الخضراء بحرية، بعد أن كانت محرّمة عليهم وتحجبها عنهم أسوار عالية وأسلاك شائكة، جعلتها تبدو كقلعة حصينة وواحة استقرار وسط بحور من الفوضى عاشتها البلاد خلال السنوات الماضية.

لم يصدق كثير من العراقيين الخبر، فقرروا التوجه إلى هناك بأنفسهم للتأكد من صحته، فاصطفت أمام مداخل المنطقة عشرات السيارات بانتظار خضوعهم للتفتيش ثم الدخول إليها.

وبالفعل، أزالت القوات الأمنية الحواجز التي أقامها الغزاة الأميركيون في 2003 واحتجب خلفها المسؤولون العراقيون عن مواطنيهم لأكثر من 15 عاما.

حين تجتاز سيطرة الدخول تقابلك أخرى، وبعد تفتيش سريع تتحرك السيارة للتجوال في المنطقة، لتشاهد شوارع واسعة ومعبدة ونظيفة، لا تشبه تلك التي خارجها، وبيوتا ضخمة وأنيقة، ولافتات لهيئات حكومية ودبلوماسية.

ثمة مناطق أخرى بداخلها لم تفتح بعد، يتهامس العراقيون فيما بينهم أنها تضم مساكن لسياسيين وسفارات أجنبية، أحاطت بها القوات الأمنية العراقية لحمايتها.

قيادة عمليات بغداد أعلنت افتتاح المنطقة لخمس ساعات يوميا من الخامسة حتى العاشرة مساء، كإجراء تدريجي قبل أن يصبح الدخول إليها على مدار اليوم.

ويقول مدير إعلام وزارة الدفاع اللواء تحسين الخفاجي إن هذه الخطوة تمثل المرحلة الأولى من فتح المنطقة وستعقبها خطوات أخرى.

ويؤكد للجزيرة نت أنهم اتخذوا كافة التدابير الأمنية لحماية السفارات والبعثات الدبلوماسية داخل المنطقة، مشيرا إلى أن المناطق التي لم تفتح بعد تضم وزارات حكومية ومؤسسات سيادية وهيئات دبلوماسية، لا يحتاج المواطنون للمرور منها، بحسب تعبيره.

تحديات وشكوك
ومنذ ساعات الصباح الأولى، كانت الرافعات الضخمة تعمل على قدم وساق لرفع أكثر من 1700 حاجز إسمنتي، أحاطت لسنوات بالمنطقة لتحمي من بداخلها، لكنها كانت أيضا تخنق سكان العاصمة.

كثير من العراقيين عبروا عن ارتياحهم للخطوة، لكن آخرين أصروا على أن الشكوك ما زالت تساورهم حول دوافعها وجدواها، فحبل الثقة بين المواطن والمسؤول في العراق قصير جدا، سرعان ما ينصرم مع أول اختبار على أرض الواقع، كما يقولون.

الأكاديمي والمحلل السياسي ليث شبر اعتبر أن إغلاق هذه المنطقة في السنوات الماضية كان خرقا دستوريا مارسته الحكومات السابقة، لكنه انتهى اليوم، واصفا القرار بـ"الجريء والاستثنائي"، لأسباب عدة من بينها وجود عدد من السفارات الأجنبية بداخلها.

شبر لفت إلى أن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي سبق أن أعلن نقل مكتبه إلى خارج حدود هذه المنطقة، مما يشير إلى نهج جديد في تعامل السلطة في العراق مع مواطنيها، وانطباعات مختلفة بدأت تتشكل عنها مؤخرا، على حد تعبيره.

ويرى المحلل السياسي أن التحديات والتراكمات التي يعانيها العراق كبيرة جدا، وخطوة واحدة –على أهميتها- لا تكفي، خاصة أن التشكيلة الوزارية لم تستكمل حتى الآن، ولو اكتملت الحكومة وحظيت بتوافق سياسي "لكانت الخطوة أكثر أهمية".

العراقيون احتفلوا أمس الاثنين بفتح أبواب المنطقة الخضراء أمامهم (الأناضول)
العراقيون احتفلوا أمس الاثنين بفتح أبواب المنطقة الخضراء أمامهم (الأناضول)

كما أن من المهم أن تنهض الحكومة بالواقع الخدمي والمعاشي للبلاد بعد هذه الخطوة، لأنها تشكلت على أساس تطوير البنى التحتية ومحاربة الفساد والبيروقراطية، لذا فإنها ستبقى "خطوة واحدة ضمن ألف خطوة مطلوبة"، وفق ما يرى.

أبعاد سياسية
وقد اختارت الحكومة العراقية البدء بهذه الخطوة تزامنا مع احتفالاتها بذكرى إعلان انتصارها على تنظيم الدولة، واستعادة آخر المناطق التي كان يسيطر عليها.

ورغم الاختناقات المرورية التي عاشتها العاصمة اليوم، فإن الكثيرين يؤكدون أن افتتاح هذه المنطقة أمام المواطنين سيخفف من حدة الازدحام وصعوبة التنقل بين جانبي المدينة.

وقد بات بإمكان البغداديين أن يختصروا كثيرا من تنقلاتهم التي كانت تستغرق وقتا أطول، بسبب إغلاق المنطقة بشوارعها وطرقها الحيوية سابقا.

الخبير الأمني ضياء الوكيل اعتبر الخطوة إجراء رمزيا لكنها لا تخلو من أبعاد سياسية، وفيها خدمة لسكان بغداد وتخفيف للضغط والاحتقان عنهم، خاصة فيما يتعلق بالانتقال بين أحياء المدينة، التي كانت تعرقل هذه المنطقة حركتهم فيها، بسبب وقوعها وسط العاصمة وإغلاق كثير من الشوارع الحيوية التي تمر بها.

ويؤكد الوكيل أن الخطوة استغرقت فترة من الاستعداد والتجهيز، وكان اختيار افتتاحها في "يوم النصر" لما يحمل من رمزية مهمة، ورافق الافتتاح إجراءات أمنية على كافة الأصعدة، ومن دخلوا إلى المنطقة شعروا بذلك.

ويضيف أن بعض الأماكن لم تفتتح أمام الأهالي، وهي تلك التي تضم المنطقة الخاصة بالسفارات وعدد من المؤسسات الحكومية المهمة، باستثناء الذين يحملون هويات تخولهم الدخول إليها، وهو إجراء طبيعي موجود في الكثير من دول العالم، بحسب قوله.

المصدر : الجزيرة