الصحفيون اليمنيون في بيئة خطرة.. 1400 انتهاك و45 قتيلا منذ بداية الحرب

صورة خاصة لوقفة تضامنية في نقابة الصحفيين اليمنين (الجزيرة)

غادر الصحفي علي عبد الله العاصمة اليمنية صنعاء صوب مدينة عدن هربا من المضايقات التي تعرض لها بالعاصمة، لكنه لم ينج من سياط العداء للصحافة في مقر إقامته الجديد.

توقع علي أنه سيكون في مأمن بعد أن غادر مناطق سيطرة الحوثيين، لكنه وجد نفسه محاطا بمخاطر جمة في مدينة عدن التي تسيطر عليها قوات المجلس الانتقالي.

كان علي وعشرات الصحفيين الهاربين من مناطق سيطرة الحوثيين تواجههم تهم جهوية كالانتماء المناطقي أو العمل لجماعة الحوثي، وأحيانا لحزب التجمع اليمني للإصلاح.

يقول علي للجزيرة نت إنه تعرض للاعتقال مطلع العام الماضي بتهمة الجاسوسية ضد المجلس الانتقالي وتعرض للاعتداء والتعذيب ولم يعرف أحد مكانه إلا بعد أيام، وقبل إطلاق سراحه التزم خطيا بعدم نشر ما تعرض له من انتهاكات.

ويوضح أن الجنود تعاملوا معه واثنين من زملائه بعدائية، وكانوا يوجهون ضربهم إلى كل أجزاء الجسد، مستخدمين العصي، إلى جانب الركل واللكمات.

الصمت مقابل الأمان

علي ليس وحده من تعرض للانتهاكات في عدن دون الإعلان عنها خوفا من أن يناله العقاب، فهناك العديد من الحالات التي تعرضت للانتهاكات وتفضل الصمت درءا للمخاطر والأذى.

لم تكن العاصمة صنعاء أحسن حالا من عدن، فالمدينة التي غادرها الصحفيون المناهضون لجماعة الحوثي، وأغلقت فيها وسائل الإعلام المختلفة، وزج بالعشرات من صحفييها في السجون تبقى من أخطر بيئات العمل الصحفي حسب متابعين.

وتجسد قصة الصحفي توفيق المنصوري مثالا على الوحشية التي تعرضت لها الصحافة هناك، فالمنصوري المحتجز في سجن المخابرات بصنعاء منذ يونيو/حزيران 2015 يواجه اليوم و3 من زملائه (عبد الخالق عمران، وأكرم الوليدي، وحارث حميد) حكما بالإعدام على خلفية عملهم الصحفي، ووصفت نقابة الصحفيين الحكم بالجائر.

تقول أسرة المنصوري إن توفيق يعاني من أمراض الربو وروماتيزم القلب والسكري والبروستات، ومؤخرا ظهرت أعراض الفشل الكلوي ولا يلقى الرعاية الصحية.

6 سنوات من الوجع يلخصها وضاح المنصوري شقيق توفيق بألم الفقد التي صاحبها وفاة والدهم قبل أن يرى ابنه حرا طليقا متأثرا بجلطة دماغية بعد تكبده معاناة المتابعة ولم يقو قلبه على أخبار تعرض ابنه للتعذيب وأنباء إصدار حكم قضائي بإعدامه.

يقول وضاح للجزيرة نت إن والدته تعيش ظرفا صحيا صعبا وتبقى قضية توفيق شغلها الشاغل فلا تمر مناسبة ولا يوم إلا وحاصرتهم بأسئلتها الحائرة عن موعد إطلاق سراحه، وما الجهود التي سيبذلونها لأجل ذلك.

ولا تزال زوجته وأطفاله الثلاثة (توكل 11 عاما، وثائر 9 أعوام، ونوران 6 أعوام) ينتظرون عودة توفيق ليروه ويشاهد نتائجهم المدرسية، ويتابع معهم دروسهم ويغمرهم بحنان الأب.

ويتهرب وضاح من أسئلة والدته وأطفال أخيه بعد أن نفذت كل حيله في طمأنتهم بقرب الإفراج عنه.

واضطرت أسرة توفيق للانتقال إلى مأرب قبل 3 سنوات بعد تعرض والدهم للملاحقة في صنعاء، والاعتداء على توفيق أمامه أثناء الزيارة في سجن الأمن السياسي.

نبيل الأسيدي (وسط) اثناء إدارته لدورة للصحفيات في صنعاء (الجزيرة)

 112 انتهاكا خلال 2020

ولتسليط الضوء على وضع الحريات الصحفية في اليمن بلغة الأرقام، فإنها تعرضت لـ112 حالة انتهاك خلال العام 2020 حسب تقرير حديث لنقابة الصحفيين اليمنيين.

وقالت النقابة في تقريرها السنوي الذي صدر اليوم الثلاثاء إن الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا ارتكبت 50 حالة انتهاك بنسبة 44.6% من إجمالي الانتهاكات، وجماعة الحوثي 33 حالة بنسبة 29.5%، في حين ارتكب مجهولون 13 حالة بنسبة 11.6%.

وأرتكب المجلس الانتقالي الجنوبي 12 حالة بنسبة 10.7%، ونسبت 3 حالات لوسيلة إعلامية خاصة بنسبة 2.7%، وحالة واحدة ارتكبها فصيل في المقاومة بنسبة 0.9%.

وتنوعت الانتهاكات بين الاختطافات والاعتقالات (33 حالة)، يلي ذلك التهديد والتحريض على الصحفيين (22 حالة)، والمنع والمصادرة (13 حالة)، يلي ذلك المحاكمات والتحقيقات (10 حالات)، والإيقاف عن العمل (10 حالات)، والتعذيب (7 حالات)، و6 حالات اعتداءات، و3 حالات قتل.

وحسب التقرير، لا يزال هناك 13 صحفيا مختطفا، منهم 11 صحفيا لدى جماعة الحوثي بعضهم اعتقل منذ أكثر من 5 سنوات، وصحفي لدى تنظيم القاعدة، ومصور صحفي لدى السلطات العسكرية بحضرموت.

مجزرة غير مسبوقة

يقول نبيل الأسيدي عضو مجلس نقابة الصحفيين اليمنيين إن الحريات الصحفية تعرضت منذ اندلاع الحرب لمجزرة بشعة ليس لها مثيل منذ عقود طويلة.

ويوضح الأسيدي للجزيرة نت أن هناك قرابة 1400 انتهاك طالت الحريات الإعلامية منذ بداية الحرب، منها مقتل 45 صحفيا، بينهم زملاء وضعوا دروعا بشرية في أماكن قصف الطيران.

ويرى أن كل طرف يمارس الانتهاكات بنسب متفاوتة بحق الصحفيين ووسائل الإعلام غير المعبرة عنه، كما حدث في عدن من مداهمة وإحراق لصحيفة أخبار اليوم.

ويدين الأسيدي هذا التعامل الذي يريد من خلاله كل طرف تحويل الصحفيين لأبواق معبرة عنهم دون احترام الحريات الصحفية مستغلين حالة الإفلات من العقاب، والتعويل على أية تسوية ستأتي لمحو الانتهاكات بحق الصحفيين والمدنيين.

ولتوضيح البيئة الخطرة للصحافة، يشير الأسيدي إلى نزوح قرابة 700 صحفي من مناطق سيطرة الحوثيين، في الوقت الذي تشهد فيه بقية المناطق نزوحا مماثلا للصحفيين المصنفين من قبل السلطات المتعددة كخصوم.

وعن دور نقابة الصحفيين في مواجهة هذه الانتهاكات، يقول الأسيدي إن دورها الحالي يقتصر على رصد وتوثيق الانتهاكات ونقل معاناة الصحفيين إلى المنظمات الدولية والعالم.

ويشير إلى أن النقابة نفسها لم تسلم من الانتهاكات، حيث تعرض أعضاء مجلسها للمطاردة والتهديد والتشريد بين الداخل والخارج، ناهيك عن إغلاق مقرها بصنعاء والاستيلاء على مقرها بعدن لفترة من الوقت وإغلاق بقية الفروع بالمحافظات.

المصدر : الجزيرة