التعذيب بالأردن.. ممنهج أم حالات فردية؟

مركز عدالة كشف عن ارتفاع أعداد ضحايا التعذيب في المراكز الأمنية والسجون لتصل 88 حالة خالا آخر خمس سنوات -
مركز عدالة كشف عن ارتفاع أعداد ضحايا التعذيب بالمراكز الأمنية والسجون لتبلغ 88 حالة خلال آخر خمس سنوات (الجزيرة نت)

محمود الشرعان-عمان

"المصيبة أننا لا نستطيع محاسبة قتلة أخي الأكبر.. لا يوجد شيء يسمى عدالة"، بصوت مرتجف تتحدث شقيقة معتقل قضى نحبه تحت التعذيب لدى أحد مراكز التوقيف في الأردن.

شقيقة المغدور كانت ترى أثر التعذيب على جسد شقيقها خلال مدة شهرين قضاهما داخل المركز، وتؤكد أنه "أفاد قبل قتله بتعرضه للضرب المبرح من قبل أفراد منتسبين للأمن العام"، حيث كان متهما بقضية ترويج مواد طبية مخدرة.

لم تكتف شقيقة المغدور بالحديث أمام الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني، بل قدمت شكوى بتعرض شقيقها "للتعذيب المستمر الذي أدى لوفاته"، بيد أن النيابية العامة رفضت الشكوى.

رواية الشقيقة وغيرها من قصص التعذيب داخل السجون في المملكة، جاءت خلال مؤتمر مركز عدالة لدراسات حقوق الإنسان في العاصمة عمان، والذي كشف عن ارتفاع أعداد قضايا التعذيب المسجلة في سجل النيابة العامة.

المؤتمر الذي حمل عنوان "التعذيب من الإنكار للوقاية.. كيف نبدأ؟"، أكد أن التعذيب يمارس بشكل منهجي، وأن الحكومات الأردنية أخفقت في الالتزام في واجبها الخاص بمنعه، رغم مرور ما يزيد عن ربع قرن على انضمام الأردن إلى اتفاقية مناهضة التعذيب، حسب تقرير المركز السنوي.

وكشف التقرير عن ارتفاع أعداد ضحايا التعذيب في المراكز الأمنية والسجون الأردنية، ليصل رقم شكاوى التعذيب بحق السجناء والموقوفين إلى 80 قضية منظورة أمام الادعاء العام في المحاكم النظامية منذ عام 2016 لغاية أبريل/نيسان من العام الحالي، من ضمنهم قضايا خمسة موقوفين توفوا بسبب التعذيب أثناء التوقيف.

ولفت التقرير إلى تجاهل الحكومة لحالات التعذيب وإساءة المعاملة، إضافة إلى الاستخدام المفرط وغير المبرر للقوة خلال المداهمات الأمنية، دون مراعاة للمبادئ المنظمة لاستخدام القوة من قبل موظفي إنفاذ القانون.

بدورها، غابت الحكومة عن حضور المؤتمر رغم الدعوات التي وجهت لها، ولم يتلق المركز أي اعتذارٍ عن عدم الحضور، بحسب ما صرح به رئيس المركز المحامي عاصم الربابعة.

لكن الرد الأمني لم يتأخر على تقرير المركز، إذ استغربت مديرية الأمن العام الأردنية ما ورد بشأن أن "التعذيب في الأردن يمارس بشكل منهجي"، خاصة أن مسؤوليتها التي أقرتها التشريعات النافذة توجب عليها الالتزام التام بدورها في حماية الأرواح والأعراض والممتلكات، وأن هناك وحدات شرطية متخصصة لمراقبة مدى التزام مرتبات المديرية بالضوابط القانونية في التعامل مع الأشخاص.

من المؤتمر السنوي لمركز عدالة لدراسات حقوق الانسان (الجزيرة)
من المؤتمر السنوي لمركز عدالة لدراسات حقوق الانسان (الجزيرة)

العدد أكبر
من جانبه، توقع عضو لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان النيابية النائب تامر بينو أن عدد ضحايا التعذيب داخل السجون يفوق الأعداد المنشورة في تقرير المركز، في ظل عدم اعتراف الحكومة والأجهزة الأمنية.

ويتفق النائب بينو مع تقرير المركز إذ يعتقد أن ثمة تعذيبا ممنهجا في بعض الوحدات الأمنية، أبرزها وحدة مكافحة المخدرات، ووحدة البحث الجنائي، حيث توجد قضايا منظورة أمام القضاء تثبت في مثل هذه التجاوزات.

في حين يشير النائب خلال حديثه للجزيرة نت إلى أن هناك تحركا نيابيا لتشكيل لجنة لمتابعة الشكايات الواردة من بعض ذوي الضحايا في السجون.

من جهتها اعتذرت الناطقة الرسمية باسم الحكومة وزيرة الدولة لشؤون الإعلام جمانة غنيمات للجزيرة نت عن التعليق على ما ورد من معلومات في تقرير المركز.

اعتقالات غير قانونية
ويتزامن الحديث عن ضحايا التعذيب بالسجون الأردنية مع اتساع القبضة الأمنية من خلال الاعتقالات وملاحقة النشطاء السياسيين والحزبيين، وكان آخر المعتقلين الناشط السياسي سعد العلاوين والناشط صبري المشاعلة من الحراك الشعبي.

ويأتي اعتقال النشطاء على خلفية مشاركتهم السابقة في الاحتجاجات الشعبية دون وجود تهمة أو قضية حديثة، حسب ما يؤكد المحامي طاهر نصار للجزيرة نت.

وتبرز تهمتا "تقويض نظام الحكم" و"إطالة اللسان" في محاكمة النشطاء، وفقا للمحامي، واصفا إياها بـ"السيف المسلط" على رقاب المعارضين لسياسة السلطة التنفيذية من خلال تشكيل محكمة أمن الدولة.

ويكشف نصار للجزيرة عن ارتفاع عدد معتقلي الرأي في المملكة إلى العشرات، حيث يتم تكييف القضايا لتصفية الحسابات مع المعارضة.

وإثر الاعتقالات السابقة، أعيد بناء خيمة احتجاجية وسط بلدة ذيبان بمحافظة مأدبا للمطالبة بالإفراج عن موقوفين بعد ما هدمتها قوات الأمن، وأقيمت خيمة احتجاجية أخرى في لواء الهاشمية بمحافظة الزرقاء للمطالبة بإصلاحات سياسية والإفراج عن معتقلي الرأي.

المصدر : الجزيرة