واشنطن والرياض.. رهان المصالح والحقوق

U.S. President Donald Trump holds a chart of military hardware sales as he welcomes Saudi Arabia's Crown Prince Mohammed bin Salman in the Oval Office at the White House in Washington, U.S. March 20, 2018. REUTERS/Jonathan Ernst
دونالد ترامب يستعرض بفخر أمام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عقودا أبرمها مع الرياض (رويترز)

محمد غلام-الدوحة

بين داعي المصالح ومراعاة حقوق الإنسان، تدور علاقة واشنطن الملتبسة مع الرياض وفق نسق غير ثابت ينضبط -بشكل كبير- مع إيقاع الأول لا الثاني.

ومن المفارقات، وفق حقوقيين، أن أشد سنوات الجدب الحقوقي في السعودية، أي منذ تصعيد الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد وتبوئه الصدارة في الفعل السياسي والأمني السعودي، واكبتها أوثق عرى الصداقة مع الحليف الأميركي، الذي يعتبر نفسه المسؤول الأول عن حماية الحريات وحقوق الإنسان في العالم.

لا تغض واشنطن الطرف عن سوءة الحليف السعودي، ولا تؤدبه على سوء صنيعه، بل تترك له الحبل على الغارب، وتعطي لنفسها الحق في اللوم، في معادلة يبدو أنها مقبولة من الطرفين.

وتتفق تلك المعادلة مع أخرى انطبعت بها سياسات الولايات المتحدة بمنطقة الشرق الأوسط وظلت مرتكزها على الدوام، وهي أن كل ما عدى أمن إسرائيل وبقاء تدفق إمدادات النفط يبقى مسألة قابلة للنقاش، حتى لو سالت فيها أنهار من الدماء أو استخدمت فيها المناشير لجز الرقاب، كما يقول البعض.

على أن مسألة حقوق الإنسان ذاتها قد تراجعت كثيرا على سلم أولويات الإدارة الأميركية -في إطار رسم علاقاتها الخارجية- منذ مجيء الرئيس دونالد ترامب إلى السلطة مطلع العام الماضي.

ويصف كثير من المعلقين والنقاد ترامب بأنه عاشق الطغاة، ويشيرون إلى إعرابه المتكرر عن إعجابه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقوله مؤخرا إنه بدأ يقع في غرام الرئيس الكوري الشمالي كيم يونغ أون. هذا فضلا عن علاقاته الخاصة بولي العهد السعودي والرئيس المصري.

اختفاء خاشقجي بقنصلية بلاده في إسطنبول يمثل إحراجا كبيرا لواشنطن المرتبطة بعلاقات مصالح كبيرة مع الرياض (رويترز)
اختفاء خاشقجي بقنصلية بلاده في إسطنبول يمثل إحراجا كبيرا لواشنطن المرتبطة بعلاقات مصالح كبيرة مع الرياض (رويترز)

تقارير حقوقية
غير أنه في دولة مؤسسات كالولايات المتحدة يبقى لأجهزة الدولة رأيها. وفي آخر تقرير للخارجية الأميركية في أبريل/نيسان الماضي عن حالة حقوق الإنسان في العالم، اتهمت واشنطن الرياض بارتكاب مجموعة واسعة من انتهاكات حقوق الإنسان، منها القتل خارج نطاق القانون والتعذيب واعتقالات تعسفية لمعارضين وحقوقيين، وإعدامات من دون الالتزام بالإجراءات القانونية اللازمة، والتسبب بمقتل مدنيين في اليمن.

كما عاب التقرير على السعودية تدخلها التعسفي في الحياة الشخصية، وتقييد حرية التعبير عن الرأي، بما في ذلك في الإنترنت، وتقييد التجمع السلمي والتجمهر، وتقييد حرية المعتقد.

وفي تقرير آخر عن الحريات الدينية مطلع يناير/كانون الثاني الماضي، أدرجت الخارجية الأميركية المملكة العربية السعودية ضمن قائمة "بلدان تشكل قلقا خاصا" بسبب انتهاكاتها لحرية المعتقد.

وفي تقرير آخر صدر في مارس/آذار من العام الماضي تحدثت الخارجية الأميركية عن "عمليات قتل غير قانوني وعمليات إعدام في غير الجرائم الأكثر خطورة ودون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، والتعذيب، والاعتقال والاحتجاز التعسفي للمحامين ونشطاء حقوق الإنسان والإصلاحيين المناهضين للحكومة، والتدخل التعسفي في الخصوصية".

بيد أن معطى جديدا هو قتل الصحفي السعودي المقيم في الولايات المتحدة جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في إسطنبول لمجرد تعبيره الحر عن رأيه، قد يغيّر كل تلك المعادلة، وفق حقوقيين.

ويرى محللون أن تلك الحادثة المروعة لا يمكن أن تمر دون ردّ كأي انتهاك عابر لحق من حقوق الإنسان، ولو أنه يأتي في أعلى مراتب الحقوق وهو الحق في الحياة.

فالظروف التي تمت فيها، والشخص الذي استهدفته، وهو صحفي مرموق يظهر بعدد من الفضائيات ويكتب في واشطن بوست، والمكان الذي نفذت فيه وهو مرفق رسمي، والضغط الإعلامي الذي يرافقها، والجهات التي أمرت بها -ولا يمكن إلا أن تكون أشخاصا بأعلى سلم الجهاز الإداري في البلاط السعودي كما يقول هؤلاء-، كل ذلك يجعل منها جريمة سياسية بامتياز لا يمكن بحال للولايات المتحدة أن تغض الطرف عنها، ولو أن طبيعة ذلك الرد تبقى مجهولة.

ويرى آخرون أنها لن تكون إلا وسيلة بيد الرئيس الأميركي للضغط والابتزاز واستدرار الضرع السعودي المدرار. 

المصدر : الجزيرة