جينات الألم.. لماذا يتفاوت شعورنا بالأوجاع؟

تكلس الكتف يتسبب في الشعور بالألم عند القيام بأبسط الحركات
لا يختلف الناس في القدرة على الشعور بالألم واحتماله والتفاعل معه فقط، بل أيضا في كيفية وصفهم له (الألمانية)

تُطرح العديد من التساؤلات عن جينات الألم، والعوامل التي تجعل أشخاصا يشعرون بالأوجاع أكثر من غيرهم، وإمكانيات تسخير هذه الفوارق من أجل مساعدة الأشخاص الحساسين على الشعور بأقل قدر من المعاناة.

وفي هذا المقال الذي نشره موقع "ذي كونفرسايشن"، أوضحت الكاتبة إيرين يونغ أن الألم هو أكثر الأعراض التي يشتكي منها المرضى عندما يبحثون عن المساعدة الطبية.

ففي الظروف العادية، يشير الشعور بالأوجاع إلى وجود إصابة، وبالتالي تكون ردة الفعل الطبيعية للإنسان هي حماية نفسه إلى أن يشفى ويتلاشى الألم.

ولكن لسوء الحظ، لا يختلف الناس فيما بينهم في القدرة على الشعور بالألم واحتماله والتفاعل معه فقط، بل أيضا في كيفية وصفهم لهذا الشعور وتفاعلهم مع مختلف العلاجات، مما يجعل من الصعب على الأطباء تقديم العلاج الفعال لكل حالة. وفي هذا الإطار لسائل أن يسأل لماذا لا نشعر جميعا بالألم نفسه؟

بيّنت الكاتبة أن الفوارق الفردية في الظواهر الصحية تنتج غالبا عن تفاعلات معقدة بين العوامل النفسية والاجتماعية والبيئية والجينية.

فرغم أن الألم لا يسجل بوصفه مرضا تقليديا على غرار أمراض القلب والسكري، فإنه مرتبط بالعوامل نفسها. فضلا عن ذلك، تتأثر التجارب المؤلمة التي نعيشها في حياتنا بجيناتنا التي تجعلنا أقل أو أكثر حساسية للألم. كما أن حالتنا الجسدية والذهنية، والتجارب المؤلمة والقاسية السابقة، والمحيط الذي نعيش فيه، تعتبر من العوامل التي تساهم في تشكيل تفاعلنا مع الألم.

‪في الظروف العادية، يشير الشعور بالأوجاع إلى وجود إصابة‬ (بيكسابي)
‪في الظروف العادية، يشير الشعور بالأوجاع إلى وجود إصابة‬ (بيكسابي)

حساسية الألم
وأكدت الكاتبة أنه إذا ما توصل العلماء لفهم أفضل للعوامل التي تجعل البشر أقل أو أكثر حساسية لأنواع الألم، سنكون أقرب من أي وقت مضى لتخفيف معاناة الإنسان من خلال تطوير علاجات مسكنة مشخصة لكل فرد، مع التقليص من احتمالات سوء الاستخدام والإدمان التي تترافق مع العلاجات الحالية.

وذكرت الكاتبة أنه من خلال الكشف عن تسلسل الجينات البشرية، أصبح العلماء يعلمون الكثير عن عدد وأماكن الجينات التي تكوّن شفرة حمضنا النووي (دي أن أي).

والجدير بالذكر أنه تم تحديد الملايين من الاختلافات الصغيرة في هذه الجينات، إذ إن لبعضها تأثيرات معروفة، في حين أن بعضها الآخر لا يزال مجهولا. وعموما، هناك أدلة متزايدة عن وجود العشرات من الجينات والخصائص التي تحدد حساسيتنا للألم، ومدى تفاعل الجسم مع المسكنات، واحتمالات إصابتنا بالآلام المزمنة.

وأوضحت الكاتبة أن أولى الدراسات عن جينات الألم أجريت على عائلات مصابة بحالات نادرة من انعدام الشعور بالآلام. وفي الستينيات، ظهرت تقارير علمية تشير إلى أن وجود روابط جينية بين العائلات التي أنجبت أطفالا أعطى تلك العائلات قدرة أكبر على تحمل الألم.

آنذاك، لم يكن العلماء قد توصلوا إلى تكنولوجيا من شأنها أن تحدد سبب هذه الاضطرابات. ولكن انطلاقا من تلك العائلات المحدودة، أصبحنا نعلم أن انعدام الشعور منذ الولادة هو نتيجة لوجود طفرات وفراغات في جينات محددة، مسؤولة عن انتقال إشارات الألم. ويحتوي أكثر جين مسؤول عن هذه الحالة على قناة بروتينية ضرورية لإرسال الإشارات العصبية المتعلقة بالألم.

وأشارت الكاتبة إلى أن هذه الحالات تظل نادرة، إذ إن عددها في الولايات المتحدة محدود للغاية. وبينما قد يعتقد البعض أن العيش من دون ألم نعمة، تحتاج تلك العائلات في الواقع إلى اليقظة الدائمة خوفا من التعرض لإصابة بليغة أو لطارئ صحي من شأنه أن يهدد حياة الإنسان.

‪هناك العديد من مسكنات الألم‬ (دويتشه فيلله)
‪هناك العديد من مسكنات الألم‬ (دويتشه فيلله)

بكاء
وعلى سبيل المثال، عادة ما ينفجر الأطفال بالبكاء عند سقوطهم على الأرض. ولكن في هذه الحالات النادرة، لا يشعر الشخص بألم بسبب وجود إصابة على مستوى الركبة أو بسبب وجود كسر في عظامه.

كما أن غياب الألم يعني عدم الشعور بعلامات التحذير من الإصابة بنوبة قلبية أو بنوبة ألم الحاد بسبب التهاب الزائدة الدودية، إذ من الممكن أن تؤدي هذه الحالات إلى وفاة المصاب قبل أن ملاحظة هذه العلامات.

وتوقعت الكاتبة أنه في ظل تنامي إقبال الناس على العلاج المعتمد على الجينات، وفي ظل الدعوات لابتكار أساليب للرعاية الصحية تراعي خصوصيات كل فرد، يعكف الباحثون على ترجمة هذه الاكتشافات العلمية إلى علاجات فردية، تناسب الخصائص الجينية لكل إنسان.

وأوضحت الكاتبة أن العلماء بصدد اكتشاف المزيد من الجينات المهمة في الشعور بالألم، ومن أبرزها جين "SCN9A"، الذي يلعب دورا أساسيا في التحكم في تفاعل الجسم مع الأوجاع، من خلال تنشيط أو تثبيط قناة الصوديوم.

وتشير التقديرات إلى أن نحو 60% من الاختلافات في الشعور بالألم بين الناس هي نتيجة لخصائص جينية وراثية، مما يعني أن الحساسية تجاه الأوجاع متوارثة داخل العائلات من خلال وراثة الخصائص الجينية بينها، تماما مثل مواصفات أخرى على غرار الطول ولون الشعر والبشرة.

وأشارت الكاتبة إلى أن الأطباء على مدى أكثر من قرن من الزمان كانوا يعتمدون على مثبطات الألم، على غرار مادة ليدوكايين لعلاج الأوجاع، من أجل عرقلة إرسال الإشارات العصبية المتعلقة بالألم.

وفي الوقت الراهن، بدأ الباحثون يدرسون استخدام مادة "تيترودوتوكسين"، وهي سم الأسماك الرباعية الأسنان، والسائل العصبي القوي الذي تفرزه بعض الكائنات البحرية على غرار السمكة المنتفخة والأخطبوط، من أجل شل حركة فريستها. وقد أثبتت هذه المادة فعاليتها سابقا في علاج آلام السرطان والصداع النصفي.

المصدر : مواقع إلكترونية