ما التأثيرات الصحية الإيجابية للواقع الافتراضي؟

يدرس العلماء في جامعة ميريلاند القيمة العلاجية لتجربة مشاهدة عرض "حوارات الراهبات الكرمليات" للفنان الفرنسي فرانسيس بولنك عبر الواقع الافتراضي. ويأمل العلماء أن تسهم هذه التجربة الافتراضية في تخفيف الألم دون الحاجة إلى اللجوء للمسكّنات الأفيونية.

وفي هذا الصدد، أدلى عالم الكمبيوتر أميتاب فارشني الأسبوع الماضي بتصريح للصحفيين -أثناء جولته في مركز ميريلاند بليند- وقال فيه إن "المسارات التي نتلقى من خلالها الألم هي المسارات نفسها التي ينبثق منها الشعور بالإلهاء".

وللتأكد من صحة هذه الفكرة، سجل فريق البحث عرض "حوارات الراهبات الكرمليات" عبر الواقع الافتراضي من ثلاث زوايا مختلفة، من خلال عرض العمل الفني بكاميرا 360 درجة مثبتة في المسرح.

وعموما، يمكن للمشاهدين الذين يرتدون نظارات الواقع الافتراضي تغيير زوايا المشاهدة، بهدف مشاهدة عرض الأوبرا كما لو كانوا داخل حفرة الأوركسترا أو يقفون وسط المسرح.

وتُعتبر هذه التجربة أفضل من مجرد الاستماع إلى الصوت أو مشاهدة الفيديو على شاشات التلفاز. وفي هذا السياق، قال فارشني "نحن نقوّم هذه التجارب حتى نتبين مدى تأثيرها في عقول الناس".

لا تمثل تجربة "الأوبرا مقابل الأفيون" سوى واحدة من عدة تجارب تهدف إلى رؤية إذا كان الانغماس في العالم الافتراضي ثلاثي الأبعاد من شأنه أن يساعد على تحسين الأمور في بعض المواقف التي يعيشها الفرد في العالم الحقيقي.

واستنادًا إلى نتائج تجارب أخرى، تم التوصل إلى أن الإجابة المبدئية أن ذلك يعد صحيحا؛ فقد عمل باحثون من جامعة واشنطن -عبر عقدين- على تطوير نموذج بيئة افتراضية أطلقوا عليه اسم "عالم الثلج"، بهدف مساعدة الأشخاص المصابين بحروق على نسيان آلامهم من خلال إلقاء كرات ثلج افتراضية على رجال ثلج افتراضيين وعلى شخصيات كرتونية أخرى.

 تخفيف الألم
علاوة على ذلك، توصلت دراسة أخرى، أجريت في مركز سيدارز سايناي الطبي في لوس أنجلوس، إلى أن تجارب مشاهدة مقاطع فيديو في الواقع الافتراضي قد خففت آلام المرضى بشكل أكثر فعالية، مقارنة بمشاهدة مقاطع فيديو مماثلة لها على شاشات التلفزيون عالية الوضوح. وفي الوقت الراهن، يواصل العلماء دراساتهم لمعرفة مدى قدرة الواقع الافتراضي على تخفيف الألم الذي يشعر به العمال المصابون.

من جانب آخر، لا تقتصر مزايا الواقع الافتراضي في العالم الحقيقي على التخفيف من الألم؛ ففي دراسة نشرت في مجلة "الواقع الافتراضي" (Virtual Reality)، توصل باحثون من جامعة ماريلاند إلى أن عرض 22 صورة لوجوه مجموعة من المشاهير عبر بيئة افتراضية منظمة، ساعد الأشخاص الذين خضعوا للتجربة على تذكر الشخصيات والأماكن التي تواجدوا فيها في بيئة الواقع الافتراضي، في الوقت الذي تم فيه اختبار ذاكرتهم.

من جانبه، أوضح فارشني أن "قدرة التذكر عند مشاهدة الصور عبر الواقع الافتراضي كانت أفضل بنسبة 8.8% مقارنة بعرض الصور عبر شاشة الحاسوب". وأشار فارشني إلى أن "هذه التقنيات يمكن أن تجعل الحفظ أسهل في نظم التعليم المستقبلية".

فضلا عن ذلك، يعد التدريب الطبي أحد المجالات التي يمكن أن تستفيد من أدوات الواقع الافتراضي؛ فعلى سبيل المثال، طورت إحدى الشركات الناشئة -التي تتلقى دعما من مختبرات "إل إيه كوموشن" في جامعة واشنطن والمعروفة باسم "أناتومي نيكست"- مجموعة من الكتب وبرامج الواقع الافتراضي والتطبيقات بهدف مساعدة الطلاب على فهم علم التشريح البشري.

واستخدم الطلاب نظارات الواقع الافتراضي لفحص نموذج جسم بشري افتراضي، ولإجراء عمليات تشريح افتراضية، بالإضافة إلى تحديد الميزات التشريحية من خلال إجراء اختبار موحد.

من جهة أخرى، يعمل باحثون من جامعة ميريلاند على تطوير أدوات مشابهة، بما في ذلك تصميم نظام افتراضي تستخدم خلاله نظارات مايكروسوفت ثلاثية الأبعاد، تُعرف باسم "هولولينس" (Hololens)، لعرض بيانات التشخيص الشعاعي للمريض المستلقي على طاولة العمليات مباشرة أمام الجراح. وتجدر الإشارة إلى أن هذا النظام لا يزال محل اختبار في مركز ماريلاند في مدينة بالتيمور.

وفي هذا الصدد، قال فارشني "في الوقت الراهن، يمتلك الجراح نحو عشرين شاشة عرض حوله، تعرض معايير فسيولوجية مختلفة حول المريض. وعلى العموم، من الصعب على أي جراح أن ينظر إلى الأعلى والأسفل والوراء، في الوقت الذي يقوم فيه بمهامه، لكن بالاعتماد على تكنولوجيا الواقع المعزز، يمكننا تحسين طريقة عرض هذه الشاشات للجراح، إذ إن هناك العديد من الوسائط التي يمكن توظيفها لتحقيق هذا الغرض".

وأضاف فارشني قائلا إنه "يعمل مع زملائه في مختبر "أوغمينتيريم" التابع لمركز "ميريلاند بليندد رياليتي" على التوصل لحلول لتخفيف الأعراض الجانبية التي ترتبط باستعمال أدوات الواقع الافتراضي".

في الأثناء، اعتبر فارشني أن نحو ثلث المستخدمين لأدوات الواقع الافتراضي قد يشعرون بالغثيان بسبب استعمال هذه الأدوات. في المقابل، يستطيع ثلث ثان من المستخدمين التعامل مع هذه الأدوات دون الشعور بأي أعراض، في حين تتغير هذه الأعراض من شخص لآخر لدى الثلث الأخير من المستخدمين.

 خلل كبير
وتعد هذه المشاكل المرتبطة باستعمال أدوات الواقع الافتراضي بمثابة خلل كبير، نظرا لأن المحللين أشاروا إلى أن سوق تطبيقات الواقع المعزز والواقع الافتراضي لديها القدرة على تحقيق أرباح تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات بحلول سنة 2022.

وفي الحقيقة، توصل الباحثون إلى العديد من الإستراتيجيات للحد من الآثار الجانبية لاستعمال نظارات الواقع الافتراضي، على غرار تحيين "معدل التحديث" لنظارات الواقع الافتراضي، الذي يبلغ تسعين هرتزا بهدف الحد من حركات الكاميرا التي قد تؤدي بدورها إلى اضطرابات في الأذن الداخلية.

من جهته، أشار فارشني إلى أنه تلقى تشجيعا من قبل شركة "ماجك ليب" لتطوير نظام يعرض الواقع الافتراضي بطبقات عرض متعددة، ما من شأنه أن يمنح مستخدمي الواقع الافتراضي دقة عرض أفضل، ويساعدهم على تفادي المشاكل المتعلقة بالإدراك البصري.

كما قال فارشني "لم أواجه أي مشاكل عندما استعملت نظارات الواقع الافتراضي لمشاهدة عرض "حوارات الراهبات الكرمليات" من ثلاث زوايا مختلفة". في المقابل، إذا كان الباحثون يتطلعون إلى مساعدة المرضى على التخفيف من آلامهم بالاعتماد على الواقع الافتراضي، فأعتقد أنهم قد يرغبون في مشاهدة عرض أوبرا مختلفا".

المصدر : مواقع إلكترونية