الوجه المظلم للصناعة الغذائية.. أرباح خيالية على حساب صحة المستهلك

أعرف شخصيتك من شكل أنفك !
هل تكذب علينا شركات الأغذية وتتلاعب بنا؟ (دويتشه فيله)
تعد الأطعمة الطازجة والغنية بالمغذيات -عموما- متاحة بنسبة أقل مقارنة بالأطعمة المصنعة. وخلال العقود الأخيرة، تغيرت الأنظمة الغذائية بشكل يعزز استهلاك اللحوم وزيت النخيل والسكر بنسب أكبر، فمن وراء ذلك؟

كما شهدنا تحولا غذائيا نحو استهلاك أغذية ذات معدلات منخفضة من المغذيات، لكنها اقتصادية أكثر ومتاحة للأشخاص ذوي الدخل الضعيف.

أما بالنسبة للجهات التي دعمت وعززت هذا التحول الغذائي -بشكل مباشر أو غير مباشر- من أجل تعزيز استهلاك اللحوم، والأطعمة المصنعة، وذات السعرات الحرارية العالية، والأخرى ذات مستويات العالية من الدهون والسكر والملح؛ فتتمثل أساسا في الشركات الكبرى المتخصصة في الصناعات الغذائية الزراعية، والتي تعد المستفيد الوحيد من هذه الصناعة وأرباحها.    

في هذا السياق، أكدت منظمة الصحة العالمية في سنة 2015 أن استهلاك نحو مئة غرام من اللحوم الحمراء بشكل يومي أو خمسين غراما من اللحوم المصنعة يزيد خطر الإصابة بسرطان القولون. لكن لم تذكر المنظمة الكمية المنصوح بها من اللحوم لتفادي هذه المخاطر.

وحتى ذلك الوقت، كانت الزيادة في الاستهلاك أمرا ثابتا، خاصة في البلدان والمناطق التي في طور النمو، وذلك بسبب النمو السكاني وازدهار ظاهرة "اتباع أنظمة غذائية ذات طابع غربي".

ومن أسباب هذه الظاهرة، نذكر الجهود المبذولة من أجل تجانس المواد المستهلكة في جميع أنحاء العالم؛ حيث يمكننا العثور على المشروبات الغازية الأكثر شهرة في قلب الصحراء أو سلاسل مطاعم الأكلات الخفيفة في أكثر البلدان المعارضة للنموذج الرأسمالي الأميركي.

‪استهلاك اللحوم يزداد‬ (بيكسابي)
‪استهلاك اللحوم يزداد‬ (بيكسابي)

استهلاك اللحوم
بالطريقة نفسها، يسلط عامل زيادة استهلاك اللحوم في بلدان يعتبر النظام الغذائي التقليدي فيها نباتيا، على غرار الهند؛ الضوء على هذه الظاهرة نحو جعل الأنظمة الغذائية غربية بامتياز.

وانطلاقا من العلاقة بين إنتاج اللحوم والزراعة، يمكن فهم أحد أكبر المستفيدين من هذا التحول الغذائي: ألا وهي الشركات التي تقوم بتسويق البذور والمنتجات ذات الصلة بالاستغلال الزراعي، مثل مونسانتو.

وتعرف هذه الشركة متعددة الجنسيات الأميركية، التي استحوذت عليها شركة باير الألمانية مؤخرا، نفسها على أنها تكرس إنتاجها من أجل توفير منتجات وخدمات تساعد المنتج على إنتاج منتجات مستدامة أكثر، والعيش بشكل أفضل. ومن بين هذه المنتجات نذكر محاصيل الذرة، وفول الصويا المعدلة وراثيا لزيادة إنتاجية المحاصيل وضمان تغذية الأبقار، أو هرمون النمو البقري، الذي يتم حقنه للأبقار من أجل إنتاج معدلات أكبر من الحليب.

لكن، تسبب هذه الوسائل التهاب الثدي والآلام التي تتطلب استخدام المضادات الحيوية.

وعلى هذا النحو، تغذي مونسانتو خزائنها عن طريق مصدرين: الأول زيادة الطلب على اللحوم؛ مما يزيد الحاجة إلى إنتاج أكبر للأعلاف. ونتيجة لهذا الوضع، يختار العديد من المنتجين استخدام البذور والأسمدة التي توفرها الشركة متعددة الجنسيات. وثانيا يؤدي الطلب المتزايد على الحليب إلى زيادة مبيعات هرمون النمو البقري. في المقابل، تسهم هذه المواد في تلويث التربة وتضر إنتاج الأغذية، حيث يعتمد المنتجون على بذور لا يمكنهم استنساخها بشكل قانوني.   

‪السكر يؤدي إلى تسوس الأسنان‬ (بيكسابي)
‪السكر يؤدي إلى تسوس الأسنان‬ (بيكسابي)

كابوس السكر الحلو
عاد التحول الغذائي نحو نظام غذائي يعتمد على وفرة المواد المصنعة، التي تحتوي على كميات كبيرة من السكر؛ بالفائدة على الجهات الفاعلة، أي المصنعة، ولكنه أضر صحة المستهلكين بشكل حاد.

وخلال سنة 1965، تمت الإشارة إلى أن الدهون الموجودة في الأجبان أو في اللحوم -على سبيل المثال- هي العدو الرئيسي لصحة الإنسان، لكن يقف وراء هذه الدراسة شركات السكر الكبرى في الولايات المتحدة الأميركية، التي تدعمها منذ عقود الجمعية الأميركية للسكر، التي استأجرت مجموعة من العلماء لنشر تقرير يخفي الأضرار التي يلحقها السكر بصحة الإنسان.

على الرغم من افتقار هذا التقرير إلى الكثير من الشفافية، فقد أسهم في تطوير دراسات علمية أخرى في الولايات المتحدة الأميركية وإلى حد اليوم، لا زلنا نربط السمنة بتناول الأغذية المشبعة بالدهون، ونرى أن الحل يكمن في تناول الأغذية الخفيفة قليلة الدهون أو السعرات الحرارية.

ولكن، هل تعد هذه الأغذية فعلا بديلا صحيا؟ صحيح أن هذه الأغذية تحتوي على صفر في المائة من الدهون، إلا أن كمية السكريات المضافة والملح أو النشا، والتي تعد أكثر ضررا من الدهون، أصبحت بديلا لذيذ المذاق في الأطعمة.
 
خلال سنة 2015، أوصت منظمة الصحة العالمية بألا يتجاوز استهلاك السكر اليومي ست ملاعق صغيرة، علما بأن المستهلكين يتناولون ضعف هذه الكمية ثلاث مرات في الدول الغربية.

وعلى سبيل المثال، يحتوي مشروب الكوكاكولا على تسع ملاعق من السكر، ولكن يبقى العدو الحقيقي للنظام الغذائي الصحي متمثلا في مادة السكر المضاف غير المرئي للعين. وتتواجد هذه المادة عمليا في جميع الأطعمة على غرار الصلصات، وشرائح الخبز، فضلا عن العصائر غير الطبيعية، والزبادي، والخل البلسمي المصنّع في مودينا، والجبن، والقهوة التي تعد من السلاسل الغذائية الأكثر شيوعا، والمنتجات قليلة الدسم.
 
ومع ذلك، تشير التوقعات إلى أن استهلاك السكر في البلدان المتقدمة سينخفض تدريجيًّا بسبب وعي السكان، في حين أنه سيزداد استهلاكه في الدول النامية. وعلى الرغم من المعدلات التي بدأت تُفرض على الأطعمة التي تحتوي على السكريات المضافة، لا يزال إنتاج السكر مربحًا للغاية.

‪زيت النخيل رخيص‬ (رويترز)
‪زيت النخيل رخيص‬ (رويترز)

زيت النخيل
يعد زيت النخيل من بين المكونات التقليدية في نظامنا الغذائي المسؤولة عن سوء التغذية بسبب كمية الدهون المشبعة الكبيرة التي يحتوي عليها. وعلى الرغم من مخلفات هذا الزيت على الصحة، وتسببه في أضرار بيئية واجتماعية في البلدان التي يتم إنتاجه فيها، فإنه لا يزال أكثر أنواع الزيوت استخداما في العالم، حيث يمثل 66% من التجارة العالمية من منتجات الزيت النباتي، و40% من إنتاجه واستهلاكه العالمي.
 
عموما، من الصعب التخلي عن إنتاج مادة زيت النخيل لأنه موجود في الكثير من المنتجات على غرار الأطعمة مثل شوكولاتة النوتيلا، والبسكويت، ورقائق البطاطس، فضلا عن مستحضرات التجميل، ومنتجات التنظيف، والوقود الحيوي. بالإضافة إلى ذلك، سيظل زيت النخيل حاضرا بقوة بفضل الفوائد التي يجلبها إلى الصناعات الغذائية. وعلى سبيل المثال، أكد قطاع الأغذية الزراعية الإسباني سنة 2016 أن خصائص زيت النخيل تسمح بتمديد صلاحية المنتجات، وأنه مكون آمن.
 
في الفترة الراهنة، تنتج الدول النامية 85% من مادة زيت النخيل تماما مثل سكر القصب، خاصة أندونيسيا وماليزيا. ومرة أخرى، نجد منتجا ذا تكاليف إنتاج منخفضة، مما يسمح بتقديم أسعار معقولة جدًا لتوسيع استهلاك الأطعمة المصنعة. مثلا، يكلف طن من زيت النخيل 650 يوروا، في حين أن نفس هذه الكمية من زيت الزيتون تصل إلى 3500 يورو.

بناء على ذلك، يمكننا أن نتخيل التكلفة الحقيقية لمنتج النوتيلا إذا استخدم زيت الزيتون بدل زيت النخيل. من ناحية أخرى، تنتج هذه المادة على حساب ظروف العمل الضارة، بما في ذلك تشغيل الأطفال، بالإضافة إلى إلحاق الضرر بالمحيط البيئي عن طريق إزالة الغابات من أجل الاستجابة للطلب على زيت النخيل. ومثل المعتاد، تبقى الأضرار حكرا على أراضي البلدان المنتجة.
 
الحلفاء الحقيقيون
تتسبب الأنظمة الغذائية الغنية باللحوم الحمراء في 50 ألف حالة وفاة بالسرطان سنوياً في جميع أنحاء العالم، كما يسبب استهلاك السكر تدهور تجاويف الأسنان، والإصابة بمرض السكري، والسمنة، فضلا عن سوء التغذية، وأمراض القلب والأوعية الدموية.

والجدير بالذكر أن كيلوغراما واحدا من زيت النخيل يسبب 68 حالة وفاة لكل مئة ألف نسمة في بعض البلدان النامية، كما يسبب أيضا مرض السرطان. على الرغم من كل هذه البيانات والتقارير التي نشرتها منظمات مرموقة مثل منظمة الصحة العالمية، لا تعد التوقعات مشجعة للغاية. ويفسر ذلك أن صناعات الأغذية الزراعية تتمتع بالسلطة والنفوذ باعتبارها مجموعة ضغط اقتصاديا. فضلا عن ذلك، تمكنت من تعزيز استهلاك المنتجات التي غالباً تكون غير صحية بدعم من بعض المؤسسات.

من جانب آخر، يعد الكثير من هذه المنتجات الحاضرة بقوة في نظامنا الغذائي متاحا لجميع المستهلكين، بغض النظر عن قدرتهم الشرائية، على غرار كريمات الطلي، والمنتجات المطبوخة مسبقا أو المصنعة، والمعجنات الصناعية.

‪اللحوم المعالجة ترتبط بزيادة خطر السرطان‬ (بيكسابي)
‪اللحوم المعالجة ترتبط بزيادة خطر السرطان‬ (بيكسابي)

 في الأثناء، تمكنت صناعة الأغذية الزراعية من تحفيز التحول الغذائي وتركيز الإنتاج في البلدان النامية من أجل الحفاظ على أسعار البيع وزيادة أرباحها، مع التأثير على صحة المستهلكين.

في النهاية، ترتبط السمنة والوزن الزائد -مثل بقية أشكال سوء التغذية- ارتباطاً وثيقاً بالظروف الاجتماعية والاقتصادية، وغيرها من الجوانب الأخرى.

ومن المفارقات أنه يمكن أن تجد عائلة حضرية صعوبة في شراء كيلوغرام من التفاح على عكس اقتناء مشروبين غازيين وكيس من رقائق البطاطس؛ الأمر الذي يدفع الأشخاص ذوي القدرة الشرائية المنخفضة إلى شراء هذه المنتجات، والتي تعرضهم للإصابة بسوء التغذية، بجميع تكاليفها على الفرد والمجتمع.

ولضمان التمتع بالحق في اتباع نظام غذائي صحي، من الضروري ضمان الوصول إلى الأطعمة الغنية والصحية، ودعم التعليم الغذائي، وتجنب الإفراط في استخدام المواد الكيميائية الضارة في الزراعة.

والجدير بالذكر أنه في حال لم تع صناعة الأغذية الزراعية دورها الأساسي، فلن يوضع حد لمشاكل مثل السمنة إلى الأبد.
_______________
* منشور بتصرف من مقال للكاتبة في موقع الأردن مونديال.

المصدر : مواقع إلكترونية