الاقتصاد السري المصري.. هل حان وقت الخروج للعلن؟
عبد الله حامد-القاهرة
ويقدر مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية حجم الاقتصاد غير الرسمي بما بين 1.2 تريليون جنيه و1.5 تريليون جنيه (ما بين 65 و75 مليار دولار) بما لا يقل عن ثلثي حجم الاقتصاد المصري.
وخاطب السيسي الوازع الديني لأصحاب النشاط الاقتصادي غير الرسمي بالقول إن "الدين ليس فقط صلاة وصوما، لكنه كذلك إصلاح للناس وأحوالهم والحفاظ على حياتهم"، وذلك في معرض حفزه لهم على منح مظلة تأمينية للعاملين لدى أصحاب الأعمال غير الرسمية.
فخ
وتلقى صابر -وهو اسم مستعار لصاحب مصنع صغير للحلويات- دعوة السيسي باعتبارها فخاً لجر أقدام أصحاب الأنشطة غير الرسمية، لساحة الحكومة، وهناك سيذوقون ويلاتها المعروفة.
والحكومة برأيه تريد حلب ضرع أصحاب الأنشطة كافة، لجلب أي موارد للخزانة الخاوية، وما يهمها هو مصلحتها كحكومة جباية لا مصلحة أصحاب الأنشطة.
ويقول صابر الذي لم يسجل ورقة لدى الحكومة باسم مصنعه أنه يدفع رشاوى كبيرة لموظفي الحكومة لكي يتركوه يعمل، وانضمامه لمظلة الأعمال الرسمية لن يمنعهم عنه، ولن يعدموا ثغرة في نشاطه لابتزازه.
ويعد صابر أن المعضلة لا تكمن في الضرائب فقط، التي تشملها مبادرة السيسي، ولكن المشكلة في باقي الإجراءات المطلوبة لأي نشاط اقتصادي، كالأمن الصناعي وهيئة الرقابة على الأغذية، وغيرها مما يتوزع على عدة هيئات رسمية لكل منها أعباؤها.
ويؤكد صابر أن عماله أنفسهم يفضلون مرتبات أعلى على توافر مظلة تأمينية، فالعامل لديه يحصل على 1200 جنيه شهريا ( نحو 65 دولارا)، وإدخالهم في المظلة التأمينية يعني اقتطاع نحو ربع راتبه للتأمينات.
ويعمل عم مندي -هكذا يدعى- على عربة لبيع الفول، وهي من الأنشطة التي شملتها حوافز حكومية مؤخراً بدفع رسوم بعشرة آلاف جنيه، ويشملها كذلك الإعفاء الضريبي لخمس سنوات.
ويثمّن مندي الإعفاءات الجديدة للدخول تحت مظلة الأنشطة الرسمية، رغم إدراكه أنه سيستمر في دفع إتاوات لموظفي الحكومة كما يفعل دائما، لكن "معدلات الابتزاز ستكون أقل بالتأكيد بعد الانضمام للمظلة الرسمية".
تمييز
واعتبر رئيس شركة إكوايجيبت حاتم زهران أن المبادرة كارثة على الاقتصاد عموماً ورجال الأعمال خصوصاً، وقال إن في الأمر "تمييزاً استثنائياً لمن ظلوا يعملون في السر على من يعملون في العلن، وكأنما تتم مكافأة هؤلاء دون رجال الأعمال الملتزمين طوال سنوات".
وعدّ زهران هذا الاتجاه غير دستوري، فهي سياسة "تفضل مواطنين غير ملتزمين على آخرين ظلوا ملتزمين دوماً"، ما يجعل أنشطتهم التي كانت سرية ذات ميزة تنافسية وسعرية عن تلك التي ظلت طويلا ملتزمة بضوابط وقواعد رسمية.
وسيؤدي هذا الوضع برأي زهران إلى أن كل رجل أعمال سيلجأ للعمل في منظومة الاقتصاد غير الرسمي، ثم يعلن عن توبته، وينضم لمنظومة الدولة الرسمية، ليتمتع بامتيازاتهم ويحصل على إعفاءات من الضرائب والرسوم والتأمينات وغيرها لمدة خمس سنوات قادمة.
ويرصد الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي محمد علي استمرار الاقتصاد غير الرسمي ملاذاً ومنقذاً للمواطن المصري في كل عثرات مصر الاقتصادية منذ عام 2011، مع انخفاض قيمة عملتها وتردي أحوالها الاقتصادية.
ويؤكد أن الاقتصاد غير الرسمي لن يتحول رسميا "بالتراضي بين الرئيس والشعب، فالأمر أكبر من ذلك"، إذ أن الأرقام الضخمة للاقتصاد السري يستحيل أن تندمج بطرق ودية أو لمجرد تصريحات طيبة من رئيس لشعبه.
وأبرز أسباب استبعاد اندماج الاقتصاد غير الرسمي في الرسمي بحسب محمد علي هي أن غالبية العاملين به، لا يأخذون شيئا من الحكومة، وبالتالي فهم خارج إطار الالتزام بأي شيء تجاهها.