هل تعيد الجزائر صياغة اتفاقية الشراكة مع أوروبا؟

صورة لميناء بجاية تصوير ياسين بودهان الجزيرة نت مارس 2018
الصين تحتل المرتبة الأولى من بين الدول المصدرة للجزائر (الجزيرة نت)

ياسين بودهان-الجزائر

في الوقت الذي اتهمت فيه مفوضة التجارة بالاتحاد الأوروبي الجزائر بعدم احترام اتفاقية الشراكة مع أوروبا، وتفضيل المنتجات الصينية، دعا خبراء وسياسيون جزائريون إلى إعادة النظر في هذه الاتفاقية بحجة الإضرار بمصلحة الجزائر.

وخلال جلسة استماع أمام لجنة الشؤون الخارجية والاقتصادية بالجمعية الفرنسية عقدت قبل يومين، اتهمت مفوضة التجارة الأوروبية سيسيليا مالمستروم الجزائر بعدم احترام اتفاقية التبادل الحر مع أوروبا بشكل ساهم في تفضيل المنتجات الصينية.

وكشفت أن "الاتحاد الأوروبي أبلغ الطرف الجزائري بهذه الوضعية، وأن هناك مفاوضات لحل المسألة".

ويأتي الانزعاج الأوروبي بعد قرار وزارة التجارة الجزائرية بمنع استيراد تسعمئة منتج بداية من العام الماضي بهدف التقليل من فاتورة الواردات والتحكم في عجز الميزان التجاري، بعد التراجع الحاد لمداخيلها إثر تهاوي أسعار النفط بالأسواق العالمية بداية منتصف 2014.

السيارات ضمن المنتجات الأولى التي تم منع استيرادها للجزائر
السيارات ضمن المنتجات الأولى التي تم منع استيرادها للجزائر

وفي الثالث من أبريل/نيسان الجاري، دعا الوزير الأول (رئيس الوزراء) أحمد أويحيى أثناء منتدى الأعمال الجزائري الإسباني "مموّني الجزائر التقليديين" ويقصد بذلك الأوروبيين بضرورة تفهم إجراءات الحماية التجارية التي اتخذتها بلاده من أجل إعادة التوازن لميزانها التجاري.

ورغم اعترافه بتأثر الطرف الأوروبي بهذه القرارات، فإنه أكد أن "المرحلة المالية الصعبة التي تمر بها الجزائر تتطلب التفهم في إطار التضامن".

وتشير أرقام الديوان الوطني للإحصاء (حكومي) إلى أن الصين تحتل المرتبة الأولى من بين الدول المصدرة للجزائر، حيث بلغت واردات الأخيرة منها خلال النصف الأول من العام الماضي 4.59 مليارات دولار، أي ما يمثل 20% من إجمالي الواردات، متبوعة بفرنسا 1.95 مليار ثم إيطاليا 1.64 مليار.

لكن بالنظر للتوزيع الجغرافي لشركاء الجزائر التجاريين، يعد الاتحاد الأوروبي شريكها الأول حيث بلغت وارداتها من هذه المنطقة 44% من إجمالي الواردات عام 2017 بنسبة تراجع 8.7% مقارنة بعام 2016.

مناصرة: اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي غلب عليه الطابع السياسي
مناصرة: اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي غلب عليه الطابع السياسي

الشريك الآسيوي
بالمقابل، لا تزال آسيا ثاني أكبر مورد للجزائر بنسبة 27.9% عام 2017 بزيادة تقدر بنحو 6.4% مقارنة بعام 2016 حسب مؤشرات الديوان الوطني للإحصاء.

وأوضح وزير الصناعة الأسبق عبد المجيد مناصرة -الذي شغل أيضا منصب رئيس حركة مجتمع السلم (حزب إسلامي معارض)- أن اتفاق الشراكة الجزائري الأوروبي الموقع عام 2002 ودخل حيز التنفيذ عام 2005 غلب عليه الطابع السياسي، وكان الهدف منه وقف القطيعة المفروضة على الجزائر سنوات "الإرهاب" لذلك لم يحرص الطرف الجزائري على البنود الاقتصادية، لكن بعد سنوات وجد نفسه في مأزق بسبب الأزمة المالية التي تعصف بالبلاد مما يفسر عدم الالتزام الحرفي ببنود الاتفاق.

ولأن الاتفاق يتضمن وسائل للشكوى وهيئات للتشاور في المسائل الخلافية فإن الحكومة الجزائرية -حسب حديث مناصرة للجزيرة نت- "مطالبة بالدفاع عن اقتصاد البلاد لكن دون الإخلال بالاتفاقية لأنها ملزمة بها".

واعتبر أن اللجوء للقرارات الإدارية لمواجهة الأزمة من خلال إصدار قرار بمنع منتجات من الاستيراد أمر قد يفيد لعام أو عامين، لكن لا يمكن برأيه بناء اقتصاد بقرارات عشوائية تتجلى في المراجعة المتكررة لقائمة المواد الممنوعة من الاستيراد، وفي التغييرات التي تطال وزارة التجارة لأن الوزير لا يستمر عادة في منصبه أكثر من عام.

مسدور طالب بمراجعة الاتفاقية لأنها غير متوازنة
مسدور طالب بمراجعة الاتفاقية لأنها غير متوازنة

اتفاقية غير متوازنة
وقبل الحديث عن إخلال الجزائر ببنود الاتفاقية من عدمه، أكد أستاذ الاقتصاد بجامعة البليدة فارس مسدور ضرورة النظر لحجم المبادلات التجارية بين الطرفين، حيث يظهر أن حجم الواردات الأوروبية إلى الجزائر تبلغ أضعاف حجم الصادرات الجزائرية نحو أوروبا مما يدل برأيه على أن "الشريك الأوروبي هو الذي أخل بالاتفاقية".

وكشف مسدور عن مطالب قدمت سابقا لإجراء مراجعة جذرية لهذه الاتفاقية لأنها غير متوازنة، وأوضح للجزيرة نت أن القدرة التنافسية للجزائر ضعيفة ولا يمكنها اختراق السوق الأوربية.

وبشأن انفتاح الجزائر على الشريك الصيني، أكد أن هذا التوجه لا يمثل خيار الحكومة بل توجه المستوردين الجزائريين الذين أغرقوا السوق بسلع رخيصة ورديئة جدا.

لكنه من جانب آخر أوضح أن الجزائر فضلت الشركات الصينية في مجال إنجاز المشاريع الداخلية لأسباب سياسية واقتصادية تتعلق بالأسعار التنافسية والسرعة في الإنجاز دون النظر إلى نوعيته.

المصدر : الجزيرة