حواجز جديدة بين المصريين وبطاقة التموين

صورة للسلع التموينية التي يستحقها أصحاب بطاقات التموين
الحكومة توزع عددا من السلع الأساسية على ملايين المواطنين الذين يحملون بطاقة التموين (الجزيرة)

عبد الرحمن محمد-القاهرة

لم يكن محمد عبد الخالق يعلم أن إنهاء عمله بالسعودية وفقده مصدر دخله المريح واضطراره للعودة إلى بلده مصر والعمل بإحدى شركات قطاعها الخاص لن يكون آخر أحزانه، إذ فوجئ بقرارات وزارة التموين الجديدة التي تحول دون استحقاقه لاستخراج بطاقة الدعم التمويني التي كان يعول عليها كثيرا.

وبحسب القرار الذي أصدرته الوزارة مؤخرا، فإن من يسعى لإصدار بطاقة تموين جديدة يجب ألا يزيد دخله شهريا عن 1500 جنيه (84 دولارا) إن كان من العاملين في الحكومة والقطاع الخاص، أو عن 1200 جنيه (67.5 دولارا) إن كان من ذوي المعاشات، أو عن 800 جنيه (45 دولارا) إن كان من المهنيين والحرفيين.

تملّك الحزن والحيرة عبد الخالق الذي ما زال يلملم أوراقه بعد عودته من الغربة، فمرتبه الشهري الذي يبلغ 2500 جنيه (140.7 دولار) لا يكاد يفي بشطر من أساسيات احتياجاته، حيث يذهب ثلثه كإيجار لمسكنه، بينما لا يكفي باقيه تكاليف مواصلاته وحاجاته الضرورية، فضلا عن حاجات أسرته المكونة من زوجته وابنه الرضيع.

معدلات التضخم في مصر تجاوزت مؤخرا 35%
معدلات التضخم في مصر تجاوزت مؤخرا 35%

ويقول الشاب الثلاثيني للجزيرة نت والذي بدأ عمله موزعا بإحدى شركات الألبان الشهيرة، إنه رغم تواضع الفائدة المتحققة من الدعم الذي توفره بطاقة التموين، فإنه كان يعوّل عليها بشكل أساسي في حساباته المعيشية التي سيضطر آسفا لإعادتها مرة أخرى بعد هذا القرار، وسيدفعه ذلك إلى الاقتراض شهريا.

وإضافة إلى تحديد الحد الأقصى لدخل مستحقي التموين، تضمن القرار فرض حد أقصى لعدد المستحقين بواقع أربعة أفراد للأسرة الواحدة عند استخراج بطاقة جديدة، وهو الأمر الذي لم يكن معمولا به في السابق.

تقليص مستهدف
ويخالف ذلك ما حرصت الحكومة المصرية على تأكيده خلال الأشهر الماضية، من أنها لن تقر أي قواعد جديدة تؤثر على المستفيدين من الدعم، إلا أنها نشرت قرارها الجديد في الجريدة الرسمية الذي يستهدف تقليص أعداد المستحقين للدعم تحقيقا لشروط صندوق النقد الدولي.

وحاول المتحدث باسم وزارة التموين ممدوح رمضان في تصريحات تلفزيونية التهوين من تأثير هذه القرارات بتأكيده أنها متعلقة بمن يريدون إصدار بطاقات جديدة، ولن تؤثر على من يملكون البطاقات في الوقت الراهن والذين قدر عددهم بسبعين مليون مواطن.

وقال حسن حمدي مدير التموين بإحدى المدن التابعة لمحافظة الجيزة للجزيرة نت إن القرارات الأخيرة لن يكون لها تأثير فعلي على المستفيدين من التموين وأسرهم، كون عدد المقبلين على التقديم لاستخراج بطاقات تموين جديدة ليس كبيرا بالنسبة لمن سبق لهم استخراج تلك البطاقات.

الحكومة تعمل حاليا على وضع محددات جديدة لمستحقي الدعم
الحكومة تعمل حاليا على وضع محددات جديدة لمستحقي الدعم

غير أنه في الوقت الراهن، تقوم لجنة حكومية سميت "لجنة العدالة الاجتماعية" وتتألف من رئيس الحكومة وبعض الوزراء بوضع "محددات جديدة لمستحقي الدعم" ستؤدي إلى استبعاد من لا تنطبق عليهم تلك المحددات، وهو ما دفع مراقبين إلى التكهن بأن قرارات وزارة التموين هي تمهيد لإلغاء الدعم بشكل نهائي بعد تقليص أعداد مستحقيه.

ومعلقا على ذلك، يرى الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام أنه ليس من حق الحكومة اتخاذ مثل هذه الخطوة في هذا التوقيت، لما تشهده الأسعار من ارتفاعات قياسية ومتواصلة وتجاوز معدل التضخم 35%‏ ولغياب برامج حماية اجتماعية كافية للمصريين وعدم تقديم برامج صحية وتأمينية وتعليمية.

وقال في حديثه للجزيرة نت إن هذه القرارات ستدعم معدلات الفقر داخل المجتمع وتزيد أعباء المصريين، وستدفع غالبيتهم إلى توجيه الجزء الأكبر من دخولهم لبند الغذاء وشراء السلع التموينية من القطاع الخاص، وهو ما يزيد من حالة ركود الأسواق وتراجع إنتاجية المصانع وتعثر الشركات بسبب ضعف الإقبال على منتجاتها.

رؤية الحكومة للدعم
ويرى عبد السلام أن الحكومة تُطبق خطة تستهدف حذف ملايين المصريين من البطاقات التموينية بزعم أنهم لا يستحقون الدعم، رغم أنه وحسب المعايير العالمية والبنك الدولي فإن المستحقين للبطاقات التموينية تتسع رقعتهم ويزداد عددهم مع قيام الحكومة برفع أسعار الوقود والغاز والكهرباء والمياه أكثر من مرة.

من جانب آخر، قال رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام مصطفى خضري إن عدد المستفيدين من الدعم التمويني -حسب إحصائيات مركزه- انخفض خلال أربع سنوات من 51 مليون مصري إلى 39 مليونا مطلع العام الجاري، مشيرا إلى أن المركز يتنبأ في ظل إجراءات الحكومة بإنهاء الدعم نهائيا عام 2020.

ورأى في حديثه للجزيرة نت أن منظومة الدعم الحالية مفرغة من أهدافها في ظل تحرير أسعار السلع التموينية، مشيرا إلى وجود طبقة اجتماعية معدمة يقدرها مركزه بـ 24 مليون مصري تعتمد على السلع التموينية بشكل تام، وفي حال حرمانها من الدعم فإن رد فعلها لن يكون متوقعا.

المصدر : الجزيرة