أرامكو السعودية.. حين يشتبك المال بالسياسة

Oil tanks seen at the Saudi Aramco headquarters during a media tour at Damam city November 11, 2007. REUTERS/ Ali Jarekji/File Photo
أرامكو تسعى لطرح 5% من أسهمها في البورصة العام المقبل وهو ما يقدر بنحو مئة مليار دولار (رويترز)
محمود العدم-الجزيرة نت

ربما تتضح الصورة رغم الغموض الشديد الذي يلف تفاصيلها، ويظهر الاشتباك المعقد بين عالمي السياسة والاقتصاد في إحدى زواياها. يسيل لعاب السياسيين شرقا وغربا ويعيدون حساباتهم ألف مرة، حين تكون كلمة السر أرامكو.

ها هو الرئيس الأميركي دونالد ترمب يعرب في تغريدة عن ثقة كبيرة في الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان "فهما يعرفان بالضبط ما يفعلانه"، ويكرر القول إن "بعض أولئك الذين يعاملونهم بصرامة كانوا يحلبون بلدهم لسنوات".

كان هذا صباح الثلاثاء الماضي؛ ماذا لو عدنا إلى السبت الذي قبله إذ كان الرجل يعلن أنه تحدث مع ملك السعودية بشأن إدراج شركة النفط السعودية "أرامكو" في بورصة نيويورك، وأنه سيكون ممتنا إذا طرحت الرياض أسهم الشركة هناك، ويقول إن الملك السعودي رد بـ"أنهم سيدرسون استخدام البورصات الأميركية".

هل يتكشف هنا بعض ما خفي؟ ربما نعم، فها هي الباحثة في مجلس الأطلسي للأبحاث باربرا سلايفن تقول في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية إن ترمب "أعجب كثيرا" بالاستقبال الذي حظي به في الرياض، فضلا عن إصغائه إلى نصائح صهره مستشاره غاريد كوشنر الذي تربطه علاقة وثيقة بولي العهد السعودي.

وتابعت أن الرئيس الأميركي يهادن السعوديين ليختاروا وول ستريت حين يقررون طرح أسهم مجموعة أرامكو العملاقة في البورصة.

ترمب (يمين) نسج علاقات قوية مع القيادة السعودية (رويترز)
ترمب (يمين) نسج علاقات قوية مع القيادة السعودية (رويترز)

العرض البريطاني
الرئيس الأميركي لم يغرد وحيدا، بل كان له صدى على الضفة الأخرى للأطلسي، حين أعلنت الحكومة البريطانية أنها ستقدم لشركة أرامكو ضمانات ائتمان تبلغ قيمتها ملياري دولار، تتمكن من خلالها الشركة العملاقة من شراء سلع وخدمات من بريطانيا بسهولة أكبر.

ويسارع المتحدث باسم الحكومة في بيان إلى نفي ما يمكن أن يجول في الذهن ليقول إن ذلك يأتي بناء على دعم سابق لصادرات المملكة المتحدة في إطار مشاريع مشتركة لأرامكو السعودية.

لكن صحيفة فايننشال تايمز نشرت تقريرا في وقت سابق بشأن الخطة البريطانية التي تتزامن مع جهود بريطانيا الرامية لإقناع شركة الطاقة الحكومية السعودية بإدراج أسهمها في بورصة لندن في طرح عام أولي. وهو ما دفع متحدثا باسم وزارة المالية البريطانية إلى القول إن الضمان الائتماني ليس جزءا من مساعي الفوز بالطرح العام الأولي لأرامكو.

وتحت عنوان لأحد تقاريرها، تقول وكالة رويترز إن بورصات العالم تتنافس للفوز بأسهم أرامكو، وذكرت من بينها بورصة لندن وهونغ كونغ وطوكيو، وأضافت أن ترمب تدخل شخصيا في منافسة شرسة بين هذه البورصات للفوز بأسهم أرامكو.

وذكرت الوكالة أن الرياض تفضل بورصة نيويورك بوصفها أكبر سوق رأسمال في العالم، لكن بعض المستشارين الماليين والقانونيين أوصوا ببورصة لندن لكونها خيارا ينطوي على قدر أقل من المخاطر.

أحد حقول النفط التي تمتلكها شركة أرامكو في السعودية (رويترز)
أحد حقول النفط التي تمتلكها شركة أرامكو في السعودية (رويترز)

الرهان السعودي
الرياض بدورها تدرك مفعول ترياقها وهي تراهن عليه في خضم المعركة التي يخوضها ولي العهد الشاب، وهو ما أشارت إليه سلايفن حين قالت إن القرارات الأخيرة التي اتخذها محمد بن سلمان تهدد "بتأجيج عدم الاستقرار السياسي".

وأضافت أن القيادة السعودية نسجت علاقة وثيقة مع الإدارة الأميركية التي "تأمل بعقود رابحة للشركات الأميركية"، وهي تراهن على "دعم ترمب غير المشروط الذي يثير قلقا كبيرا".

وأكثر من ذلك، فإن السعودية تساوم على أسهم أرامكو لإحداث اختراق في قانون جاستا، إذا يقول محمد الصبان -الذي كان مستشارا لوزير النفط السعودي السابق علي النعيمي- إن تدخل ترمب لن يحل مشكلة القانون.

وأضاف الصبان -في حديث لوكالة رويترز- أن ترمب "يتناسى تماما أن مخاطر تطبيق قانون جاستا على الأصول السعودية ما زال قائما".

وتابع أنه ربما في ظل رئاسة ترمب فإن الأخير سيمنع أي قضية ضد الحكومة السعودية، لكن طالما ظل قانون جاستا جاهزا للتطبيق فإن ذهاب الرئيس ترمب يثير الخوف بعودة القضايا القانونية ضد الحكومة السعودية".

وتعاني السعودية -التي تعد أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم- في الوقت الراهن تراجعا حادا في إيراداتها المالية، ناتجا عن تراجع أسعار النفط الخام عما كانت عليه منتصف 2014.

وتعتمد السعودية في تمويل عجز الموازنة على الاقتراض وإصدارات أدوات الدين، حيث استدانت أكثر من 44 مليار دولار خلال العامين الجاري والماضي.

وتخطط في مواجهة هذه الضغوط لطرح 5% من أسهم شركة أرامكو العام المقبل للبيع، ويقول مسؤولون إن ذلك ستكون حصيلته نحو مئة مليار دولار مما يجعله أكبر طرح عام مبدئي على مستوى العالم حتى الآن.

المصدر : الجزيرة + وكالات