هل رهنت مصر سيادتها لصندوق النقد الدولي؟

International Monetary Fund (IMF) headquarters building is seen during the IMF/World Bank annual meetings in Washington, U.S., October 14, 2017. REUTERS/Yuri Gripas
صندوق النقد الدولي أجبر الحكومة المصرية على رفع أسعار الطاقة وأخضع سياساتها الاقتصادية للرقابة مقابل منحها قروضا مالية (رويترز)

عبد الرحمن محمد-القاهرة

تدور تساؤلات بمصر حول دلالات تعيين صندوق النقد الدولي مندوبا دائما له بالبلاد، رغم مرور نحو عام على اتفاق بين الطرفين يتيح للقاهرة الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار على ثلاث سنوات، مقابل تنفيذها برنامجا للإصلاح الاقتصادي.

وكشفت إحدى الصحف المحلية عن خبر تعيين رضا باقر ممثلا مقيما للصندوق بمصر بعد لقاء عقده مع وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي.

ولاحقا، أكد المتحدث باسم الصندوق الخبر، مشيرا إلى أن المندوب بدأ عمله في القاهرة منذ نحو شهرين دون أن تكشف الحكومة أو البنك المركزي عن هذه الخطوة.

ويرى مراقبون اقتصاديون أن هذا التعيين يعكس وجود خلاف بين الطرفين حول أداء الحكومة في تنفيذها برنامج الإصلاح الاقتصادي، مما دفع الصندوق لتعيين مندوب ليكون على مقربة من دوائر صنع القرار.

وظهرت مؤشرات الخلاف من خلال تصريحات متناقضة من الطرفين بشأن موعد رفع الدعم عن الوقود ومعدلات النمو والتضخم والاستثمارات الأجنبية المستهدفة وقيمة الجنيه المصري مقابل العملة الأجنبية وغيرها.

وكانت لمصر تجربة سابقة مع تعيين ممثل مقيم لصندوق النقد الدولي استمرت ست سنوات متواصلة في الفترة من 1991 وحتى 1997.

وشهدت البلاد خلال هذه الحقبة موجة إجراءات تقشفية قاسية، وزيادة في الأسعار، وفرض ضرائب مرتفعة، وتطبيق برنامج الخصخصة، وبيع شركات بالقطاع العام، وتطبيق نظام المعاش المبكر، وبيع بنك الإسكندرية.

سلطة خارجية
ويقول الخبير الاقتصادي محمد كمال عقدة إن تعيين ممثل مقيم لصندوق النقد الدولي بمصر يعني وجود سلطة خارجية مؤثرة في توجيه القرارات الاقتصادية والضريبية الخاصة بمصالح المواطنين، معتبرا ذلك نتاجا طبيعيا لاحتياج النظام للحصول على القروض.

واعتبر في حديث للجزيرة نت أن هذا الإجراء يعد تنازلا واضحا عن السيادة الوطنية نتيجة العجز عن إصلاح المسار الاقتصادي بشكل حقيقي، وهو ما جعل صندوق النقد في موقع قوة يخوله تعيين ممثل له في القاهرة لمراقبة أداء السلطة.

ويرى عقدة أن الإصلاحات الاقتصادية مطلوبة رغم قسوتها، إلا أنها تفتقد إلى الشفافية والمحاسبة وسيادة القانون ومظلة لحماية حقوق الفقراء.

البنك المركزي المصري يخضع لرقابة دورية من بعثة تابعة لصندوق النقد الدولي (رويترز)
البنك المركزي المصري يخضع لرقابة دورية من بعثة تابعة لصندوق النقد الدولي (رويترز)

من جانبه، أبدى أستاذ الاقتصاد بأكاديمية أوكلاند الأميركية مصطفى شاهين استغرابه من اتخاذ صندوق النقد الدولي هذا القرار، ما دام يبعث وفدا كل ثلاثة أشهر إلى مصر لمراجعة إجراءات الإصلاح الاقتصادي المطلوبة وتقديم ما يلزم من ملاحظات وتصويبات.

ورأى هو الآخر أن تعيين ممثل دائم لصندوق النقد بمصر ينتهك السيادة الوطنية، وقال إن من ضمن أدوار المندوب تقديم الاستشارات الفنية اللازمة بصفة دائمة وتوجيه القائمين على ملف الإصلاح الاقتصادي للأسلوب الأمثل.

إجراء مريب
وقال إن هذا الإجراء يبدو مريبا حيث لا تفتقر مصر للكفاءات والخبرات القادرة على القيام بهذا الدور، الأمر الذي يلقي ظلالا من الشك حول حقيقة الدور المنوط بهذا المندوب.

في المقابل، يرى وكيل وزارة التجارة والصناعة للبحوث الاقتصادية عبد النبي عبد المطلب أن هذا الإجراء ليس جديدا على سياسات صندوق النقد الدولي.

وأشار إلى وجود بعثة للصندوق في البنك المركزي المصري تصدر تقارير دورية عن حالة الاقتصاد ضمن تقريرها السنوي عن اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

واستبعد في حديث للجزيرة نت أن يكون تعيين المندوب انعكاسا لخلاف الحكومة والصندوق، لافتا إلى أن هذا الخلاف كان موجودا قبل يوليو/تموز الماضي، وكان متعلقا بتطبيق المرحلة الثانية من رفع أسعار الطاقة وتقليص الدعم.

ولفت إلى أن الحكومة رضخت لشروط الصندوق في النهاية، وحصلت على الدفعة الثانية من قرض الصندوق الدولي.

ورأى أن التخوف من هذا التعيين مبرره استنتاج البعض عدم قدرة الحكومة الحالية على التفاوض والحوار مع خبراء الصندوق كما حدث في حقبة التسعينيات.

المصدر : الجزيرة