ترقب لرفع الأسعار في تونس
خميس بن بريك-تونس
يسود توجس كبير لدى التونسيين -الذين يعانون من تدهور قوّتهم الشرائية- من احتمال رفع الحكومة أسعار العديد من السلع الأساسية كالمحروقات والمواد الغذائية، في خطوة لإنقاذ الاقتصاد الوطني. وهو ما يرفضه النقابيون ويعتبرونه خطا أحمر.
ومنذ تسلمها الحكم قبل أربعة أشهر في إطار توافق وطني، لم تتوقف تصريحات بعض الوزراء في وسائل الإعلام محذرة من تأزم الأوضاع الاقتصادية، وتفاقم عجز الموازنة في ظل ارتفاع مصاريف الدولة وتزايد حجم الدعم الحكومي للسلع.
وفي آخر مؤتمر صحفي له قال رئيس الحكومة مهدي جمعة إن تونس تمر بأزمة خانقة بسبب تفاقم عجز الميزان التجاري، وارتفاع حاجة البلاد لتمويل بنحو 615 مليون دولار شهريا، كاشفا أن حكومته تسعى هذا العام لخفض النفقات بنحو مليار دولار.
وبعد ذلك تهافتت تصريحات بعض وزرائه خلال هذا الأسبوع، معلنين رفع سعر المحروقات والنقل العام والسكر، وإلغاء الدعم على مادة الإسمنت. وهذا الأمر إن تمّ فسيلقي بثقل كبير على كاهل التونسيين الذين تراجعت قوّتهم الشرائية بسبب ارتفاع التضخم.
توقعات الشارع
وردا على اعتزامها رفع الأسعار يقول المواطن زهير نصري (ممرّض) للجزيرة نت إن الحكومة بصدد تطبيق إملاءات صندوق النقد الدولي الذي وضع "شروطا مجحفة" لمنح تونس بعض القروض، مؤكدا أن رفع الأسعار أمر يرفضه المواطنون وسيدفعهم إلى الخروج للشارع.
وكان صندوق النقد وافق العام الماضي على منح تونس قرضا بـ1.74 مليار دولار ضمن اتفاق لمساعدة البلاد على تمويل موازنتها وتنفيذ بعض الإصلاحات الاقتصادية، وقد حصلت تونس على خمسمائة مليون دولار وفي انتظار صرف المبالغ المتبقية خلال العامين القادمين.
لكن نصري يقول إنه يرفض ارتهان تونس في ظل الحكومة الحالية لإصلاحات صندوق النقد التي تستهدف -حسب رأيه- إلغاء الدعم الحكومي تدريجيا، معيبا على الحكومة استعدادها لرفع الأسعار بدلا من مكافحة التهرب الضريبي ودفع القطاع الخاص للاستثمار.
ولكونه يعمل في مستشفى حكومي يرى نصري أن أغلب الموظفين الحكوميين يعانون من ضائقة مالية، لافتا إلى أنه يتقاضى أجرا يعادل 450 دولارا يقول إنه لا يكفيه لتغطية الاحتياجات اليومية لزوجته العاطلة عن العمل وابنيه اللذين يدرسان في التعليم العالي.
خط أحمر
وحول موقف الاتحاد العام التونسي للشغل -أكبر منظمة نقابية- من توجه الحكومة لرفع الأسعار، يقول الأمين العام المساعد في الاتحاد المولدي الجندوبي للجزيرة نت إن رفع الأسعار "خط أحمر" لا يمكن تجاوزه في وقت صعب يعيشه التونسيون بعد الثورة.
ويقول "نعتبر أن تصريحات بعض الوزراء بشأن رفع الأسعار متسرعة"، مذكرا بأنّ العديد من الأطراف السياسية والاجتماعية ستجلس في إطار الحوار الاقتصادي -المرتقب عقده يوم 28 مايو/أيار الحالي- لدراسة الوضع والتوافق على حلول تتلاءم مع وضعية البلاد والمواطنين.
وأضاف أن اتحاد الشغل الذي يعمل على رفع أجور الموظفين بالقطاع الخاص والعام "سيعمل على إقناع الحكومة بالتخلّي عن رفع الأسعار"، متوقعا الوصول إلى حلول توافقية تجنب البلاد عودة الاحتجاجات، في وقت تستعد فيه البلاد إلى تنظيم ثاني انتخابات عقب الثورة.
ويرى هذا المسؤول النقابي أنه بإمكان الحكومة إيجاد حلول أخرى دون الاتكاء على "ضعاف الحال" باتخاذ إجراءات تقشفية أو التشجيع على الاكتتاب الوطني، أو القضاء على التهرب الضريبي لتمويل الموازنة وخفض عجزها الذي يصل إلى 8%.
نفي حكومي
ولدى سؤال وزير الاقتصاد حكيم بن حمودة حول حقيقة رفع الأسعار، نفى الأخير اتخاذ أي إجراء رسمي في هذا الاتجاه، مع أنه كان أول من أعلن عن الزيادة في المحروقات، ومضى قائلا "نحن بصدد إعداد موازنة تكميلية وسنبحث مع كل الأطراف خلال الحوار الاقتصادي عن حلول مناسبة".
وأضاف للجزيرة نت أن مسألة الدعم الحكومي والمالية العمومية والإنتاجية ستكون من أهم المحاور التي سيتطرق إليها الحوار الوطني، الذي قررت أحزاب الجبهة الشعبية اليسارية مقاطعته بدعوى أنه "غطاء لرفع الأسعار والتفويت في مؤسسات للدولة".
من جانبه، أكد محافظ البنك المركزي التونسي الشاذلي العياري للجزيرة نت أن "الحكومة لم تتخذ رسميا أي قرار برفع أسعار أي مواد أساسية"، مضيفا أنها بصدد دراسة كل السيناريوهات بمزاياها وعيوبها من أجل الخروج من الأزمة الاقتصادية.
وكانت وزيرة التجارة نجلاء حروش نفت في تصريحات سابقة قرار الحكومة رفع الأسعار، معتبرة أن ما تم تداوله من قبل بعض الوزراء حول الرفع لا يعدو أن يكون مقترحات للحكومة سيتم تقديمها خلال الحوار الوطني الاقتصادي.