قصر جاسر.. حضور فلسطين وحضارتها

عاطف دغلس-بيت لحم

لن تمل وأنت تحدق وتتأمل لساعات معالم تحفة فنية تستوقفك كما غيرك كلما مررت بشارع القدس الخليل في مدينة بيت لحم، هناك يربض فندق قصر جاسر كمعلم تاريخي يأسر جماله قلوب الزائرين قبل عيونهم.

في مطلع القرن الماضي وفي المدينة التي تعرف بالسريانية "بيت الخبز"، كان الفتيت (الخبز واللحم) أهم الوجبات التي تعد بالقصر، ويقدمها صاحبه سليمان يوسف جاسر لأهالي المدينة وزوارها.

لم يطغ جمال المكان وعنفوانه على صيت الرجل، ولم يزل يرتبط باسمه رغم تعاقب الأجيال والمالكين له تقديرا لشأنه، وهو ما منح القصر لقب أفضل فندق تاريخي للعام الجاري 2017 وفق منظمة (ووردز لكسري هوتيل) العالمية التي تقيم الفنادق وتصنفها لفئات مختلفة لتكرمها لاحقا.

صورة لسليمان جاسر مالك القصر توسطت قاعة الاستقبال الرئيسية حيث رسمت على أعلى جدرانه (الجزيرة)
صورة لسليمان جاسر مالك القصر توسطت قاعة الاستقبال الرئيسية حيث رسمت على أعلى جدرانه (الجزيرة)

ويروي الفندق بشكله المعماري المتناسق تاريخه وحكايته التي تعود للعام 1910 حين بدأ رجل الأعمال التلحمي (نسبة لبيت لحم) سليمان جاسر بناءه ليكون سكنا له ولعائلته، أظهرت ذلك صورة جماعية للأسرة علت أحد جدرانه.

ولا تقل متعة رواية مروان كتانة الذي يدير الفندق عن جمال المكان، فالرجل يسرد تاريخ الفندق بتفاصيل تطرب أذن المستمع، ويقول إن الفندق بُني بأيد فلسطينية وبتصاميم غربية، واستمر البناء فيه لأربع سنوات، حيث أعد ليتناسب وكرم الرجل وسخاءه بإعداد الولائم لعامة الناس.

"يدلل على ذلك شواهد لم تزل حاضرة" يضيف كتانة، ويتابع أن القصر يحوي ثلاثة طوابق توزعت بين إعداد الطعام واستقبال الضيوف والمدعوين، وثالث في الأعلى خصص للنوم.

الفندق يبدو كأنه تحفة فنية معمارية قل نظيرها بالعالم (الجزيرة)
الفندق يبدو كأنه تحفة فنية معمارية قل نظيرها بالعالم (الجزيرة)

من الخارج يبدو الفندق كأنه قلعة محصنة تعلوه مقرنصات وزوايا هندسية وأعمدة ضخمة، وتتقدم واجهته الرئيسية نقوش لآية قرآنية وشعارات لديانات مختلفة، وتزيد جماله حجارته التلحمية الملونة بطبيعتها.

أما جدرانه الداخلية فتغطيها رسومات وزخرفات تظهر حضارة بلاد ما بين النهرين علتها صورة الرجل صاحب القصر، وتوسطت ردهات الفندق ساحة رئيسية حفتها أعمدة وأقواس وقناطر حجرية شكلت متنفسا له.

بيع القصر عام 1929 إبان انهيار البورصة العالمية حيث كان ينشط سليمان جاسر بتجارته لينتقل بعدها للعيش بمنزله القديم (بيت الخدم) ويقضي بقية عمره فيه.

الفندق بني عام 1910 وظل على حاله ولم يتغير حتى اللحظة (الجزيرة)
الفندق بني عام 1910 وظل على حاله ولم يتغير حتى اللحظة (الجزيرة)

كما استخدمه الانتداب البريطاني كسجن قبل أن يستأجره مواطن تلحمي يدعى شكري الأعمى ويحوله لمدرسة إبان الحكم الأردني للضفة الغربية ليظل كذلك حتى قدوم السلطة الفلسطينية، واستحواذ شركة استثمار فلسطينية خاصة عليه مطلع تسعينيات القرن الماضي، حيث رأى فيه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات المكان الأنسب لاستقبال ضيوفه.

ثم ما لبث أن سيطر الاحتلال الإسرائيلي عليه بداية انتفاضة الأقصى عام 2000 وحوّله لثكنة عسكرية لثماني سنوات، كما أُغلق إبان "هبة القدس" قبل عامين ولسنة كاملة بفعل المواجهات مع الاحتلال، وتحوِّله لنقطة "ملتهبة" لقربه من الجدار العازل ومخيم عايدة "وهنا يشاهد النزلاء همَّ الفلسطينيين وهمتهم"، يقول كتانة.

ويضيف أن ذلك جسَّد صمود الفلسطينيين ومقاومتهم معا وأهَّل الفندق للجائزة الدولية التي حصلوا عليها مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري عبر تصويت محلي وعالمي طرحته المؤسسة المنظمة.

 جدران الفندق علتها رسومات ونقوش مختلفة (الجزيرة)
 جدران الفندق علتها رسومات ونقوش مختلفة (الجزيرة)

لكن ثمة ما سيقود الفندق وأثر الجائزة "لقفزة نوعية" حسب كتانة، فهم يسعون لتسجيله على لائحة التراث العالمي وإنشاء متحف بداخله وإعادة التقليد الذي دأب عليه صاحب القصر سليمان جاسر بإدراج الفتيت ضمن قوائم الطعام الرئيسية، إضافة لتخصيص يوم بالسنة يدعون فيه المواطنين إلى تناول هذا الطعام مجانا.

ويكتسب القصر أهمية تاريخية ودينية لوقوعه بمدينة مهد المسيح كنيسة المهد وفق جريس قمصية الناطق باسم وزارة السياحة الفلسطينية، ويميزه كذلك حضوره التاريخي العالق في ذاكرة التلحميين على وجه التحديد.

ويقول قمصية إن الفوز بالجائزة يؤكد أن حضور فلسطين بالسياحة العالمية وأهميتها تكمن بأنها تعد "المرتبة العليا" بالعالم من حيث النمو السياحي، وبين أن لديهم شراكة حقيقة والمؤسسات السياحية لدعمها وتطويرها للأفضل.

المصدر : الجزيرة