"الجمعة السوداء".. وثائقي يسترجع مجزرة رفح

محمد عمران-غزة
 
يجسّد الفيلم الوثائقي "الجمعة السوداء" جزءا من هول المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين العزّل برفح إبان عدوانه الأخير على قطاع غزة، من خلال رصد إنساني لحكايا من أصابتهم شظايا العدوان، وتجرعوا عذابات الموت ألف مرة دون أن يظفروا به آنذاك.

ويمزج الفيلم -الذي عرض في غزة- بين المقاطع المصورة المحدودة التي التقطت إبان المجزرة، وبين روايات من عايشوها وعادوا بأجسادهم وذاكرتهم إلى تلك الأماكن، حيث انهالت عليهم القذائف والصواريخ فجأة، ليحاولوا الفرار في مشهد أشبه بيوم الحشر حسب ما يقولون.

لكن شدة القصف المدفعي والجوي في يوم المجزرة الأول من أغسطس/آب 2014 -حيث تحولت التهدئة المعلنة إلى حرب شرسة خلال دقائق- حرمت كثيرين من النجاة، فاستشهد ما يزيد على 140 فلسطينيا وأصيب المئات خلال ساعات.

مأساة أسيل
ويبرز مخرج الفيلم يوسف نتيل، حكاية صالح أبو محسن كنموذج لحالة الخوف التي انقضت على الفارين، حيث فرّ مع عائلته من منزله بشرق رفح، ليصل إلى مستشفى أبو يوسف النجار، ثم يكتشف نسيانه لابنته أسيل التي حرمته كثافة القصف من العودة لإنقاذها بسيارة إسعاف، ليعثر على جثمانها متحللا بعد أربعة أيام.

‪يوسف نتيل: آمل بالمشاركة في مهرجانات دولية لكشف معاناة غزة‬ (الجزيرة)
‪يوسف نتيل: آمل بالمشاركة في مهرجانات دولية لكشف معاناة غزة‬ (الجزيرة)

ويعتبر المخرج الشاب أن وضوح تفاصيل المجزرة التي تروى على ألسنة من عايشوها كانت كفيلة بتقليص التدخلات الإخراجية إلى الحد الأدنى، باعتبار أن فكرته ورسالته الإنسانية سلسة وتصل إلى قلوب وعقول المشاهدين مباشرة.

ويقول نتيل للجزيرة نت إنه صدم من هول الروايات التي سمعها والمشاهد التي جمعها من بعض المصورين الصحفيين أو المواطنين الذين وثقوا بهواتفهم النقالة بعض ما حدث، مضيفا أن ذلك دفعه إلى التريث في صناعة الفيلم، ليبحث عن الأساليب الكفيلة بإبراز أكبر قدر من تفاصيل المجزرة  بمدة زمنية لا تتعدى 25 دقيقة.

ويأمل المخرج في مشاركة فيلمه بمسابقات عربية ودولية، ليس لإبراز قدرات الشباب الفلسطيني على الصعيد الإعلامي فحسب، ولكن الأهم كذلك يتعلق بتعريف العالم بمجزرة بشعة حُرم أصحابها حتى من توثيق معظم حيثياتها.

وثيقة قانونية
ويعتبر الفيلم وثيقة تاريخية وقانونية لإدانة الاحتلال الذي أقدم على القتل دون أدنى إحساس بالذنب أو ضمير يتحرك أو محاسبة، بحسب مديرة مركز الإعلام المجتمعي المنتج للفيلم عندليب عدوان.

وتؤكد عدوان للجزيرة نت أن الفيلم لم يأتِ لينكأ الجراح أو يذكر المكلومين بمصيبتهم الملتصقة بذاكرتهم، ولكنه لتذكير العالم بصمته وتعريفه بتفاصيل إنسانية موجعة عن جريمة هي الأبشع، مما جعل من ترجمة الفيلم إلى اللغة الإنجليزية أمرا أساسيا وفق تقديرها.

‪عرض فيلم الجمعة السوداء أدمى قلوب المشاهدين بغزة‬ (الجزيرة)
‪عرض فيلم الجمعة السوداء أدمى قلوب المشاهدين بغزة‬ (الجزيرة)

وبينما دعت المسؤولة المجتمعية وسائل الإعلام إلى فتح صفحات المجزرة وتوثيقها، باعتبارها مكتظة بالحكايا المؤلمة التي لم يوثق منها إلا أقل القليل، أكدت على قدرة الفلسطينيين على تجاوز آلامهم والتعافي منها بسرعة كبيرة، لكن دون نسيانها.

ومثلت عودة الحياة وسط الركام وبين الدماء رسالة الفيلم الختامية، حيث الأطفال يعودون إلى حياتهم الطبيعية، يلعبون ويقضون أوقاتهم على الأرجوحة، وتمضي حياة الناس في طريقها بوتيرة متصاعدة عبرت عنها المشاهد والموسيقى المصاحبة لها.

وتستمر الحياة
وأعادت هذه الخاتمة الابتسامة إلى وجوه مشاهدي الفيلم بعد أن أدمت الأحزان قلوبهم فأسالت الدموع من عيونهم، وهم يتابعون جوانب أكثر إيلاما للمجزرة، جعلت من إطلاق اسم "الجمعة السوداء" على الفيلم أقل تعبيرا عن حقيقة ما جرى.

فالإحساس باقتراب الموت أصعب من الموت ذاته -كما تقول عالية الحلبي- وهو ما ظهر في توالي مشاهد القصف الذي يلاحق الفارين، مع دوي الانفجارات وارتفاع أعمدة الدخان فوق رؤوس الناس.

وتقول الحلبي -التي حضرت العرض- للجزيرة نت إنه من الصعب تخيل عودة من مروا بهذه الظروف القاسية إلى حياتهم الطبيعية لولا معرفتها بصلابتهم، مضيفة أن الجميع سمع عن مجزرة الشجاعية وبيت حانون وغيرها، لكن ما حدث برفح مأساة كبرى لا تقل إيلاما، جعلتنا نبكي دون توقف، على حد قولها.

المصدر : الجزيرة