غسان كنفاني.. ذكرى أديب ومقاوم

مجموعة من الادباء القوا الضوء على أدب المقاومة لدى غسان كنفاني- الجزيرة نت
undefined
عاطف دغلس-نابلس
 
لم يكن منطقيا في نظر الروائي والمناضل الفلسطيني الراحل غسان كنفاني أن يرسم طلبته بإحدى مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بدمشق تفاحة، فهم لم يعرفوها من قبل، وهو ما حدا به لأن يوجّه التلاميذ لرسم مخيمهم وتجسيد واقع الألم والأمل فيه.

 
كانت تلك إحدى نقاط التحول لدى الأديب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني، في اتجاه ترسيخ فكرة المقاومة في أدبه، والتي تجلت لاحقا في كتاباته المختلفة، وهو الطفل الذي هُجّر من بلده يافا عام 1948، وعايش النكبة ومعاناتها بكل وقائعها السياسية والاجتماعية.
 
في عكا وُلد كنفاني في أبريل/نيسان عام 1936 ليكون الوحيد بين أشقائه الذي يولد هناك، وكأن الاختلاف رافقه منذ الصغر، حيث التحق بمدرسة الفرير بمدينة يافا حيث تعلم الإنجليزية وأتقنها، وخالف طموح والده لأن يصبح تاجرا، فاتجه إلى عالم الأدب.
 
التوجه المقاوم لدى كنفاني ظهر منذ طفولته، ورافقه في كل أعماله الأدبية وحياته الشخصية، وكان سببا في اغتياله ببيروت عام 1972، كما رأى أدباء وكتاب في مداخلاتهم بمهرجان "كنفاني وأدب المقاومة" الذي انطلق في مدينة نابلس مساء السبت.
 
عادل الأسطة: غسان كنفاني واكب حياة الفلسطينيين في المخيمات وكتب عن مآسيهم (الجزيرة)
عادل الأسطة: غسان كنفاني واكب حياة الفلسطينيين في المخيمات وكتب عن مآسيهم (الجزيرة)

أدب المقاومة
ورغم أن كنفاني كان ميسور الحال -برأي الدكتور عادل الأسطة أستاذ الأدب في جامعة النجاح بنابلس- وبالتالي لم يعش داخل المخيمات بسوريا، فإنه واكب حياة الفلسطينيين فيها وكتب عن مآسيهم، وبالتالي عاش "البؤس" مرتين بلجوئه وبقربه من طلبته اللاجئين.

 
وقال الأسطة للجزيرة نت إن معايشة كنفاني للنكبة ومن ثم لانطلاق الثورة عام 1965، ورؤيته للفلسطينيين المشتتين في سوريا والكويت، انعكستا على كتاباته، التي كانت تؤكد أن اللجوء في المخيمات ليس حلا للشعب الفلسطيني.

في روايته "موت سرير رقم 12" كتب كيف يتحول الغرباء إلى أرقام بالمنافي، ويعيشون حالة الوحدة دون التفكير في حل جماعي بالعودة، "فهم لم يكونوا يشعرون بالانتماء والآخرون لم يشعروهم بأنهم عرب".

وتجلى التوجه إلى أدب المقاومة أيضا لدى كنفاني بإقدامه على دراسة "الأدب الصهيوني" وترجمة روايات مختلفة، ولاحظ مقولة اليهود "إن حل مشكلتهم يكمن في عودتهم لفلسطين"، وهذا جعله يطالب بالموازاة بأن لا حل للفلسطينيين إلا بعودتهم لفلسطين.

وفي روايته "رجال في الشمس" كما هو الحال في رواية "ما تبقى لكم"، يؤكد كنفاني مجددا أن لا حل لعودة الفلسطينيين إلا بالعمل الجماعي، فهو كان مدركا وواعيا لحقيقة أنه لا يمكن الاعتماد على فكرة أن الدول العربية ستحارب لعودة الفلسطينيين، "فهي لم تسمح لهم بتشكيل تنظيمات".

ومقارنة بأدب كنفاني –حسب الأسطة- فإن الأدب المقاوم الحالي شهد تراجعا عقب اتفاق أوسلو عام 1993، حيث كان التفكير يميل نحو التعاطي مع المستجدات الجديدة، وإن كانت الانتفاضة الثانية قد أعطت بريقا لعودة الأدب المقاوم، كما ظهر في ديوان محمود درويش "حالة حصار" وديوان "كزهر اللوز أو أبعد" عام 2005.

ويرى الأسطة أن كنفاني هو أول من عرّف الأمة العربية على شعراء وأدباء المقاومة، بل تحدث صراحة عن بعضهم كمحمود درويش ومحمود شقير ومريد البرغوثي. ويقول محمود درويش: "حين نعتنا كنفاني بأننا أدباء مقاومة لم نكن نعرف أننا نكتب أدبا مقاوما، وإنما نكتب أدبا نعبر فيه عن واقعنا".

‪ناجي ضاهر: أدب المقاومة لم يتراجع ولكن تغيرت أدواته‬ (الجزيرة)
‪ناجي ضاهر: أدب المقاومة لم يتراجع ولكن تغيرت أدواته‬ (الجزيرة)

قوة الكلمة
غسان كنفاني عُرف أيضا كأديب ساخر وناقد للقصة والشعر، وهذا ما يجهله الكثيرون، وظهر ذلك في مجموعة مقالات صحفية له خرجت بكتاب "فارس فارس"، وقال إن كتابة أدب المقاومة لا تعني أن يمتلأ الأدب بالسلاح والشعارات والخطب، وأوضح "أن تكتب قصة قصيرة ناجحة فهذا أدب مقاوم".

وأوضح كذلك ناجي ضاهر -القاص والأديب الفلسطيني من الناصرة داخل الخط الأخضر- أن كنفاني كان دليلا على أن أدب المقاومة لم يشهد تراجعا أو غيابا، وأن ما اختلف هو أدواته وأساليبه فقط، وذلك بسبب الحداثة والعولمة وغيرها. وقال للجزيرة نت إن أدب المقاومة باقٍ لأن القضية الفلسطينية باقية، ولكن المرحلة تطلبت وسائل تعبير أخرى.

وكما يقول السياسي والكاتب رجا اغبارية، فقد دفعت كتابات كنفاني وفضحه لأهداف الاحتلال -عبر اطلاعه على الفكر "الصهيوني"- الصهاينة لاغتياله في بيروت عام 1972، مخلفا أربع روايات مكملة، وثلاثا لم تكتمل، ومجموعة قصصية وشعرية ومقالات صحفية استطلع فيها المستقبل الذي لم يعشه.

فعاليات مختلفة
ويستمر مهرجان كنفاني -كما يقول زياد عميرة رئيس المنتدى التنويري بمدينة نابلس (الجهة المشرفة عليه)- بزوايا مختلفة تقام على مدى خمسة أيام، أهمها معرض "ذاكرة وطن" للرسوم الكاريكاتورية لناجي العلي، ومعرض آخر للكتاب، وجلسات غنائية لفرق وطنية، وعروض فلكلورية، إضافة لعرض أفلام مصورة عن حياة كنفاني، وأعمال مسرحية من مؤلفاته.

المصدر : الجزيرة