رؤية مغايرة لفلسطين لشاعر بارغواياني

غلاف كتاب " فلسطين .. المفتاح بين الحجار للكاتب البارغواياني ماريو كازارتيللي
undefined
غدير أبو سنية
 
لم يترك الشاعر والكاتب البارغواياني ماريو كاسارتيللي تفاصيل جولته في الأراضي الفلسطينيّة المحتلَّة وعدد من الدول العربية كالأردن وسوريا طيّ ذاكرته، فقد ألحت عليه تجربته هناك، وحيثيات ما رآه وسمعه ليضمنها في كتاب بعنوان "فلسطين… المفتاح بين الأحجار"، كشف فيه معاينته الشَّخصية لتفاصيل الصّراع التي تخفى على كثير من القراء والمتابعين اللاتينيين.

واستعار كاسارتيللي صورة "المفتاح" بوصفها "ثيمة" في الثقافة الفلسطينية، حيث يعبّر المفتاح عن وضع اللاجئين الفلسطينيين الّذين لا يزالون يحتفظون بمفاتيح منازلهم التي خرجوا منها قسرًا أملاً في العودة، وكذلك الأحجار الّتي تُمثّل سلاح الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال.

رؤية مغايرة
ومنذ الوهلة الأولى، ومن خلال غلاف الكتاب، يبدو جليا تعمّق الكاتب في حقيقة الصراع السياسي والديني والتّاريخي في فلسطين، فإلى جانب المفتاح الحديدي الضخم للبيوت الفلسطينية القديمة، خُطَّت على الغلاف آية من القرآن الكريم.

‪كاسارتيللي وصف فلسطين في كتابه بأنها آخر المستعمرات من قبل الصهيونية الإسرائيلية‬  (الجزيرة)
‪كاسارتيللي وصف فلسطين في كتابه بأنها آخر المستعمرات من قبل الصهيونية الإسرائيلية‬ (الجزيرة)

وتنبع أهمية الكتاب من كونه يتماشى مع العقلية غير العربية، فهو يُوَضح لغير العربي الحقائق من وجهة نظر مغايرة، لكنها تَصُب في مصلحة الحقيقة فقط كما يراها المعاين لها على أرض الواقع، بعيدا عن وسائل الإعلام الغربية وخصوصا المُضلِّلة منها.

كما يصف الكاتب فلسطين بأنها آخر المستعمرات من قبل الصهيونية الإسرائيلية التي تعتبر الذراع اليمنى والمُسلح للولايات المتحدة على حد  تعبيره.

والكِتاب -الذي يقع في 264 صفحة من القطع الكبير- يضمّ 85 مقالا هي حصيلة التجارب التي مرّ بها الكاتب وتتنوّع بين التوضيح التاريخي -من خلال القراءات المتعددة لعدد من المصادر المُوَثَّقةـ  لطبيعة الصّراع، مُميزة بين عدة مصطلحات كاليهودية والصهيونية والدولة الإسرائيلية، كما تعرج على تاريخ الاحتلال، واستمراريته المُتمثلة بمصادرة الأراضي الفلسطينية مُدَعمة بعدد من خرائط فلسطين وما طرأ عليها من تغييرات بسبب سياسة الاحتلال منذ عام 1947 وحتى أيامنا هذه.

ومن خلال التفاصيل الوافية ينجح الكاتب في تقريب الواقع الفلسطيني إلى القارئ اللّاتيني عن طريق رصده لمشاهداته وتجاربه الشخصية التي مرّ بها، أو تلك التي سمعها وقابل أبطالها ليُسَطِّر بذلك واحدة من الشهادات المهمة على ما يحدث فعليّا على الأرضي الفلسطينية.

ويقترب ما أنجزه الشاعر البارغواياني  إلى حدّ ما من المذكرات أو اليوميات، فهو يتنقل بين المدن الفلسطينية مستعملا وسائل المواصلات العامة ويرتاد الأماكن الشعبية والحكومية، ويقوم بزيارات خاصة في محاولة منه لترصد وتتبع يوميات جميع أطياف المجتمع الفلسطيني ومعاناتها.

كما يصطحب كاسارتيللي القارئ اللاتيني، الّذي يجهل كثيرا عن ملامح هذا الصراع في جولة في مدن وأحياء فلسطين كالقدس ورام الله وبيت لحم والخليل، محوّلًا هذه الأسماء إلى كائنات حيّة نابضة بالحياة وراوية لما يقع في جنباتها من عذابات وتفاصيل حياة يومية تنبض بفعل المقاومة.

ولا يكتفي الكاتب بذكر الحقائق مجرّدة، بل إنه يذكر الوقائع الّتي سمعها أو شاهدها، هنا وهناك، ولذلك فليس غريبا أن نقرأ فصلا بعنوان "حسن البطل"، وآخر بعنوان "نظرة إبراهيم يوسف"، وثالثا بعنوان "عمر الجلاد"، يسجل فيها تفاصيل لقاءاته بأشخاص تركوا أثرا في زيارته.

‪صور من مشاهدات الشاعر البارغواياني كاسارتيللي في فلسطين‬  (الجزيرة)
‪صور من مشاهدات الشاعر البارغواياني كاسارتيللي في فلسطين‬ (الجزيرة)

عن كثب
ويسهب الكاتب في وصف الأماكن، وفي الحديث عن الانطباع الذي تركته تلك الأماكن في عقله وتصوراته، فنرى مقهى رام الله ودوار المنارة بين طيات الكتاب، كما نرى شوارع أريحا ونخيلها الباسق، مرورا بأديرة بيت لحم وأسواقها وحارات القدس.

يحتوي القسم الثاني من الكتاب على مقابلات مع عدد من المثقفين الفلسطينيين ليسمع منهم عن قرب آراءهم في الصراع الدائر على أرضهم كالشاعر أحمد يعقوب وحافظ البرغوثي ومحمد عبد الحميد وغيرهم. ويتبع ذلك بملحق خاص عن القادة الثلاثة الأهم في رأي الكاتب، وهم جورج حبش، وياسر عرفات، والشيخ أحمد ياسين.

ويوثق الكاتب رحلته بعدد من الصور التي التقطها بنفسه للمدن التي مرّ بها والأشخاص الّذين التقاهم، ويصرّ على وضع صورة المرأة الفلسطينية التي تتمسك بشجرة الزيتون خاتمة لكتابه ويذيلها بتعليقه الشخصي على لسان السيدة الفلسطينية التي تقول: "شجرة الزيتون هذه هي كل ما تبقى لي من الحياة، كي أصنع خبزي اليومي. أقطف ثمارها مرة في العام. هي مصدر عيشي الوحيد. لماذا سرقتموها مني؟ أهي شجرة إرهابية أيضا؟ فلتُرهِبكم إذًا أشجار الزيتون الأخرى".

يذكر أن ماريو كاساتريللي، المولود في عاصمة الباراغواي أسونسيون، عام 1954 هو شاعر ومغنّ ورسام. له عدّة أعمال شعرية من أهمّها "زهرة أيامك"، "نشيد صيف"، "رمل الأيام،" وغيرها. حاز العديد من الجوائز الأدبية في الباراغواي وأقامت له مؤخرا عدة مؤسسات ثقافية في الأرجنتين والأوروغواي والبارغواي وغيرها حفل توقيع لكتابه الأخير "فلسطين.. المفتاح بين الأحجار".
_______________
كاتبة فلسطينية

المصدر : الجزيرة