القدس والدقيقة التسعون

عضوة الكنيست شولا معلم تقتحم السجد الأقصى

اتضح الأمر عند العرب، في الدقائق الأخيرة يفرط فرحهم ويخسرون المباراة! ويلومون الحظّ بعدها ولا يلتفتون إلى أدائهم الذي كان سبب خسارتهم!

كذلك هي حكاية القدس، كذلك هي طريقتهم في الدفاع عنها، بروباغندا كاملة وشاملة عن الاستعداد وعدم التفريط، تصدير أحاسيس بكل الاتجاهات بأنّ معركتنا في الدفاع عن القدس محسومة لنا ولا داعي للخوف، احتفالات بالنصر قبل المعركة، صحافة تكتب عن الشوارع الهدّارة، عن المشاعر الملتهبة، عن وجود فلان وعلنتان في صفوف جبهتنا، اكتساح كلّي لصورتنا ونحن فرحون بـ(بعد قليل) لأننا قلنا للعالم الذي سيبثّ المعركة على الهواء ويتفرّج علينا: نحن جاهزون لكم!

تبقى دقائق الوقت الضائع لتعبر عن جماهير ضائعة في أرض ضائعة للاعبين أضاعونا وأضاعوا بريق الانتصار الوهمي في التعادل فقط!

في الدقيقة التسعين من معركتنا عن القدس، يخسر اللاعبون بالهدف القاتل، تبكي الجماهير العربية على مدرجات الحياة يصرخ الأب في ابنه لحظتها، وتشدّ الأم شعر ابنتها تعبيرا عن غضبها، وتبقى دقائق الوقت الضائع لتعبر عن جماهير ضائعة في أرض ضائعة للاعبين، أضاعونا وأضاعوا بريق الانتصار الوهمي في التعادل فقط!

في الدقيقة التسعين حقيقة كل شيء، نحن غير مستعدين يا سادة، هذه الحقيقة؛ فالقدس تحتاج إلى استعدادات وليس إلى بروباغاندا، القدس تحتاج إلى تدريب حقيقي وليس إلى (شو) للمقاتلين الكاذبين، القدس تحتاج إلى هجوم والمكوث في أرض الخصم غالبية الوقت وليس تحويل كل المعركة في مربعنا نحن ونحن لا نملك إلا الدفاع الهش والدربكة التي لا تخلف إلا كشف عوراتنا وفضح أوراقنا أمام الخصم الذي يسهل عليه اصطيادنا وهو يعلك على أقل من مهله!

كثيرون ممن يقرؤون هذه المقالة سيستغربون محاولة الربط بين لعب العرب في بطولة كأس العالم المقامة الآن في روسيا وبين القدس التي تقاوم كل لحظة وتسترد عافيتها كل لحظة ولا تعبأ بالعرب وألاعيبهم! ويحق للكل أن يستغرب، ولكن فكرة الدقيقة التسعين أو الدقائق الأخيرة في مباريات العرب تجعلني أنظر للأمر بصورة مختلفة، فهل حقا مشكلتنا في الدقيقة التسعين؟ مثلما تماما مشكلتنا في معركة القدس: هل هي في الصمود لانتهاء المعركة؟ هل التعادل في المباراة هو المطلوب لأنه صار عنوانا للانتصار؟ مثلما حكاية القدس وهي أن العرب يسعون لتثبيت الوضع الراهن مثلما هو، والخروج من الحكاية بلا غالب ولا مغلوب! ولكن السؤال الكبير: هل كل جهود الفرق العربية التي بذلوها وتدريباتهم كانت كافية لصنع هذا التعادل (الانتصار الكاذب)؟ مثلما كانوا ينتصرون في معارك وهمية في القدس، والخبر اليقين أن العرب صنعوا للهزيمة هناك جذورا وفروعا وأغصانا!

يا سادة، شئتم أم أبيتم: الدقيقة التسعون هي حقيقتنا! وكل أسباب الوصول إليها هي أسبابنا! وكل ما يحدث لنا بعدها هو بسببها!

الحقيقة المرّة أننا نريد الفوز بلا لعب، مستوانا في اللعب ما زال مستوى مليئا بعقد النقص ورهبة من اللاعبين الكبار، ما زلنا نفرح فرحا داخليا أننا نتصور مع لاعبي الطرف الآخر، نفرح لأن الكاميرات تصورنا والعالم يشاهدنا، مثلما هي الحقيقة الأمرّ من المرة في القدس، مستوانا في الدفاع عنها (أوطى من الواطي) ولكننا لا نترك الساحة لآخرين كي يأتوا ويدافعوا عنها بمستوى عالي الجودة، لأنهم متدربون من القهر ومن نتائج الهزيمة ويتوقون للنصر الحقيقي ولا يبحثون عن تعادل ولا يعبؤون بالدقيقة التسعين!

يا سادة، شئتم أم أبيتم: الدقيقة التسعون هي حقيقتنا! وكل أسباب الوصول إليها هي أسبابنا! وكل ما يحدث لنا بعدها هو بسببها! يا سادة، يا أصحاب الدفاع المريض، والانتصارات المفبركة: لعبنا في كأس العالم هو لعبنا في الحياة كلها، لياقتنا هناك هي ذات لياقتنا بالدفاع عن القدس وكافة القضايا الكبيرة الأخرى! زغاريدنا قبل المباراة هي زغاريدنا ذاتها للقدس، صولاتنا وجولاتنا الإعلامية هي ذاتها هنا وهناك، بالمختصر: نحن أمة الكلام، الكلام فقط والفعل على الله!

ولكن لا تجزعوا، فكأس العالم الحقيقي سيقام ذات يوم على أرض القدس، وستكون الجماهير يومها مدربة على الانتصار، وستكون الدقيقة التسعون مصدر فرح للمقدسيين أولا وقبل كل العالم، ستكون الدقيقة التسعون هي ميلاد الانتصار لأن التحرير تم واكتمل على أيدي أو أرجل فريق عمل المعجزات لينتصر بفارق الأهداف أو بالأهداف النظيفة لأنه لم يضع التعادل المريض بباله، لأنه لم يلعب ليتصور "سيلفي"، لأنه لم يتدرب وعنده عقدة النقص أمام الطرف الآخر، لأنه يعرف أن القدس مر عليها أجيال وأجيال وهي تقاوم ولن ترضى إلا بالكأس عنوانا كاملا على ثباتها وتكتيكها الحقيقي بعيدا عن أجندات العرب الراجفة من نظرة عين حمراء هنا أو هناك!

لستُ أحلم، فالرياضة حرب، فيها هجوم ودفاع وحكم وانتصار وهزيمة وضربات وركلات وتسلل، وكل ألفاظ الحرب موجودة في الرياضة، لذا سيقام كأس الحرب في القدس وستأخذه القدس رغم أرجل الراجفين من العرب، ورغم الدقيقة التسعين!

المصدر : الجزيرة