للقدس رجال ذخيرتهم التكبير

للقدس رجال ذخيرتهم التكبير
لا زالت تونس خضراء

حبلى سنابلها بعشق القدس

والقدس زهر.. امتدت يد العهر لسحقها..

والقدس نشيد الصبر القادم.. المكتوب على جباهنا والمحفور على أسوارها.

والقدس ماء السماء تنثر رذاذها على الأرواح العطشى للمسرى فتنشق البذور من رحم الأرض مهما بعدت، وتتفتح الأزهار في الأكمام، ويذهب الظمأ، وتبتل العروق بماء العودة.

تتسارع وتيرة الأحداث بشكل عجيب، ويتباهى الملأ المستكبر بشحذ السكاكين لذبح القدس، والقدس أم المدائن الصبورة وأم كرامتنا.

الأحزاب اجتمعت وبلغت القلوب الحناجر وغلت الصدور بالقهر وبدا أن خيوط الفجر لا تستطيع لملمة أطرافه ليبزغ النهار

فمع إعلان موعد افتتاح السفارة الأميركية في القدس، الذي يتزامن مع ذكرى نكبتنا السبعين، والذي يعني تشريد ثلاثة أرباع الشعب الفلسطيني في المنافي، ومع ازدياد الاقتحامات للمسجد الأقصى بشكل غير مسبوق، ودخول جماعات الهيكل المزعوم للأقصى لتأدية الطقوس التلمودية، ومسارعة العواصم العربية للاحتفال بالنكبة على أراضيها، والاعتداءات على مقبرة باب الرحمة ومحاولة تهوديها وطمس معالمها؛ في هذا الوقت بالذات، الوقت الذي تحولت فيه الأكاذيب إلى حقائق والحقائق إلى مزق صفراء بالية، في هذا الوقت تصبح الكلمة مساوية للرصاصة والطائرة الورقية ثورة!

قد يكون هذا الوقت هو الأسوأ الذي تمر به قضيتنا الفلسطينية؛ فلا درْك أسفل من هذا الدرْك، فقد اجتمعت الأحزاب وبلغت القلوب الحناجر وغلت الصدور بالقهر، وبدا أن خيوط الفجر لا تستطيع لملمة أطرافه ليبزغ النهار، وتهاوى البيت العربي وعلاه العفن، وصار العربي يدفع فاتورة دمه المراق!

في هذه اللحظات العصيبة التي تتغير فيها التحالفات العربية، وتتوجه الخناجر لخيام العروبة، وتمتد الأيدي لمصافحة السكين.. في هذه اللحظات يخرج علينا من يكسر القيد ويشرق وجهه بالعتق ويلملم يقينه الذي تبعثر لتكون القدس هي وجهته كما هي دوما وجهة الأحرار.

خناجر العروبة ومن ورائها السلطة الفلسطينية تتسابق لسكب الدم الطاهر، غير أن ابن أمك في تونس (الزواري) كان يعد العدة ويجهز الضماد.

ومع ارتعاش الروح في الرمق الأخير، والكل حولك ينتظرون الاحتفال بسقوطك الأخير، كانت ليبيا (وسام بن حميد) تنثر ماء الورد على وجهك.. تسقي روحك وتمنحك الضوء.

الاحتلال ما زال يلاحق الأنفاس الملتهبة بعشق القدس؛ يحاول القضاء عليها أنّى كانت.. في تونس ودبي والفلبين وكوالالمبور

لا زالت تونس خضراء، حبلى سنابلها بعشق القدس، تنثر قمحها في شوارع غزة.

ولا زال الوجه العربي فلسطيني القسمات، مقدسي النبضات.. من صنعاء إلى عمان ومن الجزائر إلى بغداد.

وما زال الاحتلال يلاحق الأنفاس الملتهبة بعشق القدس؛ يحاول القضاء عليها أنّى كانت.. في تونس ودبي والفلبين وكوالالمبور.

لكن..

الزرع لم يجف وريح الله حملت الثمار لتتذوقها القدس وغزة.

من قال إن الصفقة تمت؟! وإن القضية على وشك التصفية؟ وإن الصراع انتهى بتوقيع الأراذل صكوك البيع؟!

من قال إن عشق القدس شاخ وذبل؟ وإن الضحية استسلمت للجلاد؟!

لم أر احتلالا مترفا يستعمرك بسكينك كما في فلسطين! يجعلك تحفر قبرك بيدك وتهدم بيتك بيدك

وحدهم من يحملون وجع القدس ينبتون في كل حين وفي كل أرض مهما بعدت عليهم الشقة؛ فللقدس رجال ذخيرتهم التكبير وأنفاسهم الغضب.

لم أر احتلالا مترفا يستعمرك بسكينك كما في فلسطين! يجعلك تحفر قبرك بيدك وتهدم بيتك بيدك وتهيل التراب على ما تبقى من كرامتك بيدك!

التنسيق الأمني أراح الاحتلال من عناء الصلب والحرق والاغتيالات وبقيت يده نظيفة أمام العالم!

حكاية فلسطين تختزل كل حكايات الجراح في وطننا العربي، لأن جرح فلسطين هو مبدأ كل الجراح.. إن هربتَ منه طاردك ولاحقك في عقر دارك وحينها لن تسلم.

فقد تتساوى مع الجلاد إن استسلمت وأغمضت عينك وقررت الفرار.

فهل يدفع عالمنا العربي ثمن صمته على الجرح الفلسطيني جراحا تتوغل في جسده؟

المصدر : الجزيرة