القدس.. حضور مبكر في السياسة والشوارع بإندونيسيا

خمسة ملايين إندونيسي احتشدوا في ساحة الاستقلال احتجاجا على قرار ترمب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل
نحو خمسة ملايين إندونيسي احتشدوا في ميدان موناس رفضا للاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل (غيتي)
رميساء خلابي-جاكرتا

عقب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب اعتراف بلاده بالقدس عاصمة لإسرائيل في 6 ديسمبر/كانون الأول 2017، خرجت إندونيسيا رافضة القرار، واحتشد الملايين بالشوارع استكمالا لمواقف سابقة وسياسات ثابتة تجاه فلسطين والقدس.

وتدفق خمسة ملايين إندونيسي إلى ميدان موناس بالعاصمة جاكرتا صبيحة 17 ديسمبر/كانون الأول 2017 تلبية لدعوة "مجلس علماء إندونيسيا"، ولو اتسع الميدان لأكثر لانضمت ملايين أخرى منتظرة، كما شهدت كافة محافظات الجمهورية مظاهرات حاشدة لثلاثة أسابيع متواصلة، احتجاجا على قرار ترمب.

فخري حمزة نائب رئيس البرلمان الإندونيسي، الثائر القديم على نظام سوهارتو الدكتاتوري الذي حكم البلاد بقبضة حديدية ثلاثة عقود؛ كان أحد رموز المظاهرة المليونية في ميدان موناس، وقد عبر عن استيائه من الموقف الأميركي المنحاز لإسرائيل وليس للعدالة، كما يصف.

لا اعتراف بإسرائيل
سألناه عن الدعم الحكومي للقضية، فأخبرنا أن الدولة بكافة أحزابها السياسية تقف إلى جانب حقوق الشعب الفلسطيني باستقلال أرضه وعودة اللاجئين، وأنه منذ استقلال إندونيسيا لم تعترف أي من الحكومات المتعاقبة بوجود ما يسمى بدولة إسرائيل
.

القضية الفلسطينية هي الأقدر على حشد الشارع الإندونيسي على اختلاف توجهاته السياسية (غيتي)
القضية الفلسطينية هي الأقدر على حشد الشارع الإندونيسي على اختلاف توجهاته السياسية (غيتي)

ويقول حمزة "عاش الإندونيسيون ثلاثة قرون تحت الاستعمار الهولندي، وتفاعلهم مع القضية الفلسطينية نابع قبل كل شيء من تجربتهم المريرة"، ويضيف أن الفضل "يعود لأول رئيس لبلادنا في كلمة ألقاها سنة 1962، وقال فيها: طالما أن فلسطين لم تنل استقلالها، فالأمة الإندونيسية ستقف دوما ضد إسرائيل".

يضيف حمزة أن فلسطين كانت أول دولة تعترف باستقلال إندونيسيا سنة 1945، وهذا الجميل لم تنسه إندونيسيا قط "فمنذ ذلك التاريخ لم تُفتح أي سفارة إسرائيلية أو ما ينوب عنها هنا، كما وقفت إندونيسيا في كل المحافل الدولية ضد إسرائيل، باعتبارها محتلا لا مجال للتفاوض معه حول حق ملاك الأرض في أرضهم، فضلا عن الاعتراف بوجوده كدولة".

من جهته يشير المسؤول الإعلامي في جمعية اللجنة الوطنية لدعم لشعب الفلسطيني (KNRP) أزهر سوحيمي، إلى وجود لجنة مستقلة في البرلمان مهمتها فقط متابعة القضية الفلسطينية وتدعى "كاوكوس" (Kaukus Parlemen Indonesia Untuk Palestina)، وأسست سنة 2006.

تاريخ العلاقة
وبعد إعلان ترمب قراره، نشر محافظ جاكرتا "أنيس باسويدان" على حسابه في إنستغرام صورة له بالكوفية الفلسطينية، وهي ذات الرسالة التي اختارها أعضاء في الحكومة، كوزير الشؤون الدينية "لقمان حاكم" الذي كان حاضرا في الصفوف الأولى بميدان موناس، ووزيرة الخارجية "ريتنو سواندي"، ورئيس مجلس علماء إندونيسيا أمين معروف، وأعضاء برلمانيون من حزب العدالة والرفاه، والحزب الديمقراطي، وحزب الأمانة أيضا
.

للقدس والقضية الفلسطينية مكانة مميزة في وجدان الشعب الإندونيسي (الجزيرة)
للقدس والقضية الفلسطينية مكانة مميزة في وجدان الشعب الإندونيسي (الجزيرة)

وعن تاريخ العلاقات بين البلدين، يحدثني سوحيمي: "في سنة 1549، أرسل الخليفة العثماني مبعوثه الفلسطيني جعفر الصادق ازمتخان إلى إندونيسيا للدعوة إلى الله، وبنى مسجدا أسماه الأقصى في نفس السنة، وأطلق على المنطقة اسم القدس".

لا يزال مسجد الأقصى إلى اليوم شاهدا على الحكاية، وهو يقع في "جاوا الوسطى" التي كانت تعرف قبل وصول جعفر الصادق "باسم تاجوغ". ويعتبر هذا المبعوث واحدا من  تسعة أشخاص وصلوا إلى إندونيسيا من طرف الإمبراطورية العثمانية إبان الاحتلال الهولندي للمنطقة.

ويواصل سوحيمي حديثه عن ارتباط إندونيسيا بالقدس بقوله إن المهندس "عبد الله المطلب" (47 سنة) كان من المشاركين في صنع منبر صلاح الدين الذي أحرق سنة 1969. واستغرق العمل في المجمل 13 سنة بمشاركة خبراء من دول إسلامية مختلفة، وكان الملك الأردني السابق الحسين بن طلال قد افتتح سنة 1993 الورشة، وبعد رحيله أشرف نجله الملك عبد الله الثاني على إتمامها، وقد أعيد المنبر إلى مكانه سنة 2007.

ويضيف سوحيمي "نحن معروفون بفن النقش على الخشب منذ القدم، فبيوتنا التقليدية الصالحة للنقل مثلا تُشيد بلا غراء أو مسامير، وهو بالتحديد ما اعتمده المهندسون في منبر صلاح الدين، وكانوا بحاجة ماسة لخبرة عبد المطلب في هذا المجال".

زيارات دون تطبيع
ورغم عدم اعتراف إندونيسيا بإسرائيل ورفضها أي شكل من أشكال التطبيع، فإن عشرات من الشركات السياحية -مثل: الجزيرة، والأقصى ترافل، وساترياني ويستا، وغيرها- تنظم رحلات إلى القدس، يستفيد منها مواطنون عاديون، ولها معارضون ليسوا قلة
.

‪مظاهرات بجاكرتا عاصمة إندونيسيا نصرة للأقصى ورفضا لإعلان ترمب‬ (الجزيرة-أرشيف)
‪مظاهرات بجاكرتا عاصمة إندونيسيا نصرة للأقصى ورفضا لإعلان ترمب‬ (الجزيرة-أرشيف)

يقول سوحيمي إن "إسرائيل تشجع السياحة الخارجية، فاقتصادها ينتعش، وصورتها الإعلامية تتحسن، وسماحها للسياح بالصلاة في المسجد الأقصى مثلا هو رسالة للعالم بأنها دولة ديمقراطية. وليس كما يصور الإعلام العربي بالخصوص، وأن الشعب الفلسطيني ليس محروما من أداء هذا الواجب الديني".

لكن جمعية الصداقة الفلسطينية الإندونيسية (PIFA) كان لها رأي آخر. فيقول محمود أبو عرقوب "من شأن تلك الرحلات أن توطد العلاقة بين البلدين. التطبيع يعني الاعتراف بأحقية إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، أما الختم الإسرائيلي على الجوازات فهي معاملات قانونية لا بديل عنها".

ويضيف "نحن نشجع إخواننا الإندونيسيين على السفر لزيارة بيت المقدس، فمن شأن هذه الزيارات أن تعزز سبل الاستثمار والتعاون الاقتصادي بين البلدين أيضا".

وكان أعضاء برلمان إندونيسيون حاولوا دخول فلسطين للقاء أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2016، لكن السلطات الإسرائيلية منعتهم.

المصدر : الجزيرة