"تحيا القدس" جولة بين واقع المدينة وتخيّلها

فلسطين رام الله بيرزيت 26 آب 2017 فكا جرافة عمل تركيبي في معرض تحيا القدس عن سياسة الهدم والبناء
فكا جرافة في عمل تركيبي بمعرض "تحيا القدس" عن سياسة الهدم والبناء بالمدينة المقدسة (الجزيرة)
ميرفت صادق-رام الله

بين أربعة جدران تقف محاطا بحصار من أربع كتل بصرية علوية تعبر عن الغلاف الاستيطاني المحيط بمدينة القدس والذي يعزلها عن امتدادها الجغرافي الفلسطيني.

مشهد الحصار كان إحدى مشاركات الفنان المقدسي عاهد ازحيمان في معرض "تحيا القدس" الذي افتتح المتحف الفلسطيني به أول معارضه في وطنه السبت بمقره قرب جامعة بيرزيت في الضفة الغربية، بمشاركة 48 فنانا فلسطينيا وعربيا وأجنبيا.

ويسعى ازحيمان -من خلال لوحة بصرية تعتلي الجدران الأربعة لغرفة مغلقة- إلى وضع الزائر مكان المدينة المحاصرة بمستعمرات معاليه أدوميم شرقا ثم بسغات زئيف وراموت شمالا، وكيدار إلى الجنوب الشرقي ومستعمرة جبل أبو غنيم جنوبا.

ويرى في المعرض الجديد -الذي يمتد حتى ديسمبر/كانون الأول القادم- فرصة لدعم الفن والثقافة بالقدس. ويقول إن الاحتلال يحارب الفن والثقافة بتقييد دعم المؤسسات ومحاولة إجبار الفنانين المقدسيين على مشاركة نظرائهم الإسرائيليين من أجل السماح بإقامة معارض لهم بالقدس مما يوقعهم في فخ التطبيع.

مجسمات تقليدية وصور عن القدس في المخيلة ضمن معرض
مجسمات تقليدية وصور عن القدس في المخيلة ضمن معرض "تحيا القدس" 

القدس في المخيلة
ويقدم معرض "تحيا القدس" مجموعة أعمال سمعية وبصرية عن واقع المدينة من خلال خمسة أقسام تتناول الواقع السياسي والثقافي والديني والاقتصادي.

وفي الشق الثقافي، يشاهد الزائر مصير القدس في المخيلة واختصارها برمز قبة الصخرة في الإعلانات السياحية والسياسية والتجارية وكذلك في السينما والوثائقيات.

وبالمقابل، يقدم المعرض القدس من خلال أهلها في أعمال فنية كلوحات الفنان سليمان منصور، ومنها لوحة "جمل المحامل" الشهيرة، ولوحة السيدة التي تحتضن المدينة بصعوبة ولكن بحبّ.

وفي الشق السياسي والعسكري، يعكس المعرض وفق قيّمته ريم فضة، واقع قمع الفلسطيني وسياسات طرده، وأنتج المصمم دنيس صبح مجموعة ملصقات تثقيفية تقدم معلومات رقمية حول سياسة تهويد المدينة.

ويعرض هذا الشق فيلما لرولا حلواني عن جدار الفصل العنصري أثناء بنائه وانشغال الفلسطينيين بالانتفاضة، وتتصدره لوحة ضخمة بالأسود والأبيض حملت عنوان "جدار، 2004".

وضمت الحقول والساحات الخارجية للمتحف الفلسطيني 18 عملا محليا وعالميا خصصت أو أعيد إنتاجها لمعرض "تحيا القدس" ومنها مشروع "وقائع على الأرض" للفنان السويسري بوب غرامسما وهو كتلة أسمنتية ضخمة تمثل تغيير الواقع على الأرض بفعل الهدم وإعادة البناء الإسرائيلي.

وقد قدم المقدسي خليل رباح عملا بعنوان "تفصيل من فلسطين، بعد فلسطين" وهو مجسمان من الحديد الصدئ يظهران الرقمين 67 و48 (عاما النكبة والنكسة). يقول الفنان إن الرّقمين يعبران عن زمنين مهمّين وحربين تستمران في تشكيل الواقع الفلسطيني.

وقدمت المقدسية نداء سنقرط أذرع جرافة ضخمة منتصبة إلى الأعلى، وبينما ينقل العمل الزائر مباشرة إلى مشهد الاقتلاع الذي يمارسه الاحتلال بهدم المنازل في القدس. وأرادت الفنانة إحالته إلى وسائط القوة التي تستخدم في الهدم والبناء.

وخصص المعرض جانبا لصور حديثة عن اعتصام المقدسيين الذي استمر 12 يوما في يوليو/تموز الماضي حتى أزيلت البوابات الإلكترونية عن أبواب المسجد الأقصى. وفي مسار طويل، يعرض سلسلة من الصور الفوتوغرافية القديمة والحديثة لفلسطينيين بالمسجد الأقصى وداخل القدس.

وتقول قيمة المعرض ريم فضة "كان من المهم أن نبدأ بالقدس لإظهار صورة الاحتلال، وبالمقابل استمرار مقاومته على الأرض".

قيّمة معرض
قيّمة معرض "تحيا القدس" ريم فضة أمام لوحة لجدار الفصل العنصري حول القدس

ولم تستطع قيّمة المعرض طيلة شهور التحضير للفعاليات دخول القدس لعدم توفر تصريح إسرائيلي، وتقول إن المعرض يحاول نقل واقع المدينة إلى خارجها وإعادة رسمها في المخيلة الفلسطينية والعربية والعالمية.

مواجهة الواقع
ويعتقد القائمون على المعرض أن إنتاج المعرفة عن القدس وتقريب واقعها إلى أذهان النشطاء والعاملين في الحقول المختلفة يسهل من رسم إستراتيجيات عمل من أجلها ولمواجهة الواقع فيها.

ويحاول المعرض تقديم دعم ثقافي للمؤسسات الفنية والثقافية المقدسية من خلال التعاون لإنتاج مواد بصرية وفنية عن المدينة وحياتها.

واستخدم في لوحاته ومنشوراته خط القدس الذي أنتجه الفنان الفلسطيني فلاديمير تماري منذ السبعينيات، وكذلك أول خارطة للمدينة في شعاره الرئيس. وبالشراكة مع مجلة "حوليّات القدس" سيصدر المعرض طبعة خاصة عن أهم الشخصيّات المقدسية.

وبعد الواقع الذي تحولت فيه القدس إلى صورة وعبارة بالمشهد العام ثم واقعها السياسي بلوحات ومعطيات قاتمة، وقفت قيمة المعرض عند لوحات حديثة تظهر المدينة بألوان زاهية وتقول إنها المصير الذي يريد المعرض رسمه بالمخيلة المستقبلية عن القدس.

المصدر : الجزيرة