2017 عام الاستيطان الإسرائيلي

تحصين المشروع الاستيطاني من التحديات الداخلية بفلسطين التاريخية، مستوطنة حلاميش بالضفة الغربية، تشرين الثاني نوفمبر 2014.
لقد تعبت يد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو من كثرة ما وقّع على عطاءات ومشاريع استيطانية، تعبت يده لكن أطماعه في الأرض الفلسطينية لم تتعب، فهي ما تزال محتفظة بشهوتها العارمة التي يسيل لعابها على ابتلاع المزيد من الأراضي المصادرة بقوة الاحتلال.

إن ما يؤكده تقرير المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان يدل دلالة واضحة على أن الأطماع الاستيطانية قد بلغت أوجها، ووصلت إلى الذروة.

فقد أفاد التقرير بأن العطاءات الاستيطانية التي أعلنتها سلطات الاحتلال وعملت على تنفيذها خلال النصف الأول من العام الجاري 2017 قد فاقت عطاءات العام الماضي، وبلغت ثلاثة أضعافها.

إذا كان اليهود الصهاينة يعتبرون زعيمهم الأسبق ديفيد بن غوريون مؤسساً لدولتهم ويدعونه بنوع من التعظيم "نبي إسرائيل المسلّح"، فقد أصبح حرياً بهم الآن تسمية رئيس حكومة الاستيطان نتنياهو "نبي الاستيطان المسلّح"

لم يعط رئيس حكومة الكيان الاستيطاني الصهيوني نتنياهو أي اعتبار للانتقادات الفلسطينية والعربية والدولية التي تعارض الاستيطان وتعتبره غير مشروع، فعمل على التصعيد على هذا الصعيد، متحدياً القوانين الدولية ومتجاهلاً بشكل علني استفزازي هذه القوانين الصادرة عن الأمم المتحدة، فقام بوضع حجر الأساس مؤخراً لتجمع مستوطنة "بيتار عيليت" الذي يضم أكثر من ألف وحدة استيطانية جديدة.

نبي الاستيطان
إذا كان اليهود الصهاينة يعتبرون زعيمهم الأسبق ديفيد بن غوريون مؤسساً لدولتهم ويدعونه بنوع من التعظيم "نبي إسرائيل المسلّح"، فقد أصبح حرياً بهم الآن تسمية رئيس حكومة الاستيطان نتنياهو "نبي الاستيطان المسلّح" كما يرون ويشتهون.

من يظن أن نتنياهو في اندفاعه الاستيطاني ينطلق من حرصه على إرضاء اليمين المتطرف لضمان التحالف معه في ائتلاف قادم يكون مخطئاً أو واهماً، فنتنياهو بنزعته الاستيطانية المتأصلة في نفسه هو المتطرف رقم (1)، حيث يسبق دعاة الاستيطان المتطرفين بخطوات ويحتفظ في درج مكتبه لهم بمشاريع وعطاءات جاهزة للتوقيع. فهو يدعو إلى إقامة مستوطنة جديدة للمستوطنين الذين تم إخلاؤهم من البؤرة الاستيطانية العشوائية "عمونا"، وإلى الإبقاء على مستوطنين جدد اقتحموا مؤخراً مبنى في قلب مدينة الخليل المحتلة، بالإضافة إلى إعلانه الصريح الطافح بالعنصرية عن موافقته على إخلاء وتهجير أهالي قرى وبلدات فلسطينية في وادي عارة تنفيذاً لخطة "ترانسفير" ظالمة اقترحها رفيق تطلعاته الاستيطانية ليبرمان.

لقد بلغ الاستيطان الصهيوني لأراضي الضفة الغربية قمة الظلم وقمة النهب والسلب أيضاً، حيث تم هذا العام تقديم خطط لبناء 8345 وحدة سكنية في الضفة الغربية ستكون مهيأة لاستقبال قطعان المستوطنين، وتم تعزيز هذه الخطط الكبيرة بخطط لبناء 3066 منزلاً بشكل فوري لا يحتمل التأجيل أو التأخير.

وباعتراف داعية الاستيطان الأول ليبرمان الذي يتقاسم مع نتنياهو مناصفة الدرجة الأولى في السباق الاستيطاني المحموم، فإن أرقام وعدد الوحدات الاستيطانية التي شهدها عام 2017 هي الأعلى والأضخم منذ عام 1992م.

لهذا كله، فإن عام 2017 الحالي في الحسابات الاحتلالية يعد عام الاستيطان الصهيوني بامتياز، وتدفع هذه الخطط والإنجازات حكومة نتنياهو الاستيطانية إلى التفكير في إقامة مهرجان استيطاني كبير يحضره متعهدو الاستيطان الذي يجري على قدم وساق، ويتحدث فيه حيتان الاستيطان وممولوه الكبار في الداخل والخارج بعد أن يكون نتنياهو قد ألقى كلمة الافتتاح.

إذا انهمكنا في إحصاءات تهدف إلى رصد المشاريع الاستيطانية منذ احتلال 1967 وحتى الآن، فإننا سنغرق في بحر حسابات مفزعة ومفجعة تجعلنا نقف حائرين أمام أكذوبة السلام المطروحة وأحجية حل الدولتين التي أصبحت شيئا من الماضي، وتشبه حكاية إبريق الزيت التي لها بداية وليس لها نهاية، على الرغم من أن جهات ودولا كثيرة في هذا العالم ما زالت تروج لها.

دولة عنصرية
ولعل نظرة واحدة إلى ما تم في عهد نتنياهو من عمليات استيطانية ستجعلنا على يقين من أن نتنياهو قد ضرب بعرض الحائط حل الدولتين، وهذا ما تذهب إليه وتؤكده حركة السلام الآن الإسرائيلية، حيث تشير إلى أن هناك أكثر من 14017 وحدة سكنية بوشر العمل بها خلال المدة التي تولى فيها نتنياهو منصب رئيس الوزراء
.

ما دامت حكومة نتنياهو جعلت عام 2017 عام استيطان مميز ألا يستوجب منا نحن تخصيص عام كامل في المقابل لمقاومة الاستيطان الصهيوني وإيقافه عند حده بكل الطرق والإمكانات المتاحة؟

وبناءً عليه، فإن حركة السلام الآن توضح للفلسطينيين والعرب والمجتمع الدولي أن نتنياهو غير معني من قريب أو بعيد بحل الدولتين، لا سيما أنه يسعى إلى قيادة دولة يهودية عنصرية ذات طابع صهيوني تشهد عليها أطماعه وأحلامه الاستيطانية، التي إن بقيت على هذه الوتيرة لن تبقي للفلسطينيين شيئا من الأرض لإقامة دولتهم المنشودة عليه، بعد أن يكتشفوا أن نتنياهو سحب الأرض من تحت أقدامهم.

إن الوقائع والإجراءات الاستيطانية المتصاعدة والمتضاعفة هذا العام تعكس لنا حقيقة شديدة المرارة، وهي أن العام 2017  أصبح في التقويم الصهيوني عام الاستيطان بامتياز، هذا العام الذي يحمل -ولا شك- مؤشرا في غاية الخطورة إلى ضياع الأرض الفلسطينية من أيدي أصحابها الشرعيين، ومن ثم العمل على تهدئة العالم والمنطقة العربية تمهيداً لتصفية القضية الفلسطينية استيطانياً وقبل البدء في الحديث عن أي حل للمعضلة.

وما دامت حكومة نتنياهو جعلت من عام 2017 عام استيطان مميز ألا يستوجب منا نحن تخصيص عام كامل في المقابل لمقاومة الاستيطان الصهيوني وإيقافه عند حده بكل الطرق والإمكانات المتاحة؟

أم إن عام 2017 سيسلم إنجازاته وراياته الاستيطانية للعام 2018 طالبا منه المزيد والمزيد من الاستيطان ومصادرة الأراضي الفلسطينية دون أن يحرك الضمير العربي المستتر ساكناً، ودون أن يتحرك العقل العربي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية قبل فوات الأوان؟!  

المصدر : الجزيرة