خطة أمنية وتفاهمات مع إسرائيل.. الحكومة السورية تسعى لحسم انتفاضة السويداء

الاحتجاجات في السويداء لم تهدأ بالرغم من السيطرة الأمنية (رويترز)

علم موقع الجزيرة نت -من مصادر مطلعة رفضت التصريح باسمها- أن الحكومة السورية تجري ترتيبات سياسية وميدانية للحسم العسكري في محافظة السويداء، التي تشهد حراكا شعبيا منذ صيف عام 2023، تطور تدريجيا للمطالبة برحيل الرئيس بشار الأسد.

وشكّلت السويداء (جنوب) طوال السنوات الماضية نموذجا فريدا في الحالة السورية، حيث تظهر فيها الاحتجاجات المناهضة للنظام السوري بين الحين والآخر، رغم السيطرة الأمنية للأخير عن طريق المربعات الأمنية، كما أن المحافظة امتنعت منذ البداية عن إرسال غالبية شبابها للخدمة العسكرية الإلزامية؛ نظرا لرفض الوجهاء المحليين وتيار واسع من رجال الدين الانخراط في المواجهة ضد مكونات الشعب السوري المناهضة للنظام.

تمهيد الأجواء السياسية

وشكّل الحراك في السويداء إحراجا للحكومة السورية التي بنت سرديتها على حماية الأقليات في سوريا، وتصوير الاحتجاجات منذ عام 2011 على أنها مواجهة مع المتطرفين، خاصة في ظل وجود علاقات دولية لدى رجال الدين في الطائفة الدرزية بالأردن وفلسطين وسوريا، أتاحت لهم تشكيل قنوات ضغط على النظام لمنعه من انتهاج الحل العسكري الذي اتبعه في غالبية المدن السورية التي انتفضت ضده.

ولعل أبرز مثال على ممارسة الضغوط على النظام، لجوء رئيس المحكمة الدرزية في الأراضي الفلسطينية المحتلة الشيخ موفق طريف إلى فتح قنوات اتصال مع ميخائيل بوغدانوف المبعوث الروسي الخاص إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث زار طريف العاصمة موسكو في ديسمبر/كانون الأول 2023 والتقى مع بوغدانوف وناقشا خيارات الحل في السويداء.

كما ساهم موفق طريف والزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط بإيصال صوت المحتجين في السويداء للفاعلين الدوليين، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، وبناء عليه حصلت اتصالات بين أعضاء في الكونغرس الأميركي والشيخ حكمت الهجري أحد أبرز مشايخ العقل في السويداء، والذي يعتبر من أهم ممثلي الحراك الشعبي في المحافظة.

وأكدت مصادر دبلوماسية عربية للجزيرة نت، أن رئيس المخابرات العامة السوري اللواء حسام لوقا أجرى منذ اندلاع الاحتجاجات في السويداء وإلى فترة قريبة سلسلة زيارات إلى عدة دول عربية تمتلك تأثيرًا على الجنوب السوري والمكون الدرزي فيه، أبرزها الأردن ولبنان، وسعى لإقناعها بمساعدته على وقف الاحتجاجات في السويداء تجنبا لانتهاج الحل الأمني الذي قد يتسبب له بارتدادات دولية، لكن مساعيه لم تفضِ إلى نتائج نظرا لاستياء دول جوار سوريا من استمرار عمليات تهريب المخدرات والأسلحة، وتنامي نشاط المليشيات المدعومة من إيران.

اندلاع المواجهات في غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023 وفّر للحكومة السورية فرصة على مستوى تحسين موقفها، حيث أظهرت "انضباطا" ملحوظا في سلوكها، وتجنبت الانخراط في التصعيد ضد إسرائيل، وقد أكدت المصادر -للجزيرة نت- أن الحكومة السورية لعبت دورا في الوساطة من أجل إقناع حزب الله اللبناني بعدم الذهاب بعيدا في دعم حركة حماس، من خلال زيارات متكررة للواء لوقا إلى بيروت، ونقله رسائل من دول عربية وإقليمية للحزب.

وعلمت الجزيرة نت من دبلوماسيين غربيين أن سلسلة من اللقاءات الأمنية بين الحكومة السورية وإسرائيل انطلقت مؤخرا برعاية إقليمية، وآخرها حصل في آواخر أبريل/نيسان من العام الجاري، وحصلت تفاهمات أولية تتيح للنظام السوري تعزيز حضوره الأمني في السويداء ومحيطها مقابل تقليص وجود المليشيات الإيرانية، في حين عززت روسيا من انتشار الشرطة العسكرية التابعة لها في ريف القنيطرة قرب هضبة الجولان، بالتوازي مع انسحاب عشرات العناصر التابعين لحزب الله اللبناني من المنطقة.

خطة عمل أمنية

وبحسب مصادر أمنية، فإن الحكومة السورية شكلت لجنة من أجل متابعة الوضع في السويداء، يتولى مكتب المتابعة في رئاسة الجمهورية الإشراف على عملها، بحكم حساسية ملف محافظة السويداء.

ظاهريا، يقوم النظام السوري بإرسال وحدات من الجيش من أجل الانتشار في مناطق تخضع لنفوذ الفصائل المرتبطة بإيران مثل مطار خلخلة، وقرابة 12 موقعا آخر شمال وغرب المحافظة، لكنه ضمنيا سيعمل على خطة أمنية من أجل تقويض الحراك الشعبي بشكل تدريجي، ودون استخدام نمط العمليات العسكرية الموسعة.

وبحسب المصادر، فإن النظام السوري سيشيع في وسائل إعلامه غير الرسمية أنه سيستهدف المجموعات المرتبطة بحزب اللواء السوري الذي أشرف على تأسيسه ناشط مقيم في فرنسا يدعى مالك أبو الخير، وذريعة النظام أنه يواجه المشاريع الانفصالية لأن الحزب أعلن في وقت سابق إطلاقه لمشاريع تعزز من الإدارة الذاتية، بالإضافة إلى تأكيد آلته الإعلامية على ارتباط الحراك في السويداء بإسرائيل من خلال التركيز على دور موفق طريف رئيس المحكمة الدرزية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والذي يلتقي بشكل مستمر مع مسؤولين إسرائيليين بشكل علني.

ولم تستبعد المصادر أن يعمل النظام على تشكيل مجموعات محلية مرتبطة بالاستخبارات من أجل تنفيذ بعض عمليات الاغتيال لقيادات في الحراك الشعبي، بالإضافة إلى التضييق الاقتصادي على المحافظة التي تعيش ظروفا صعبة كانت العامل الأبرز في اندلاع الاحتجاجات الأخيرة.

وتحدثت الجزيرة نت إلى الأمين العام لحزب "اللواء" مالك أبو الخير الذي أكد أن إعلام النظام السوري وإيران حاول تشويه صورة حزبه، وتوجيه إشاعات ضده مثل السعي للانفصال وإنشاء حكم ذاتي أو إقامة دولة درزية، وغيرها من التهم التي توجه لأي جهة معارضة له. وأكّد أن النظام اليوم يتوجه نحو عمل عسكري على أمل منع التظاهر في ساحة الكرامة بالسويداء، وخلق مواجهة مع أي جهة تتبنى إطارا سلميا مدنيا.

وباستقراء التطورات يبدو من الواضح أن الحكومة السورية تتجه لتعزيز قبضتها الأمنية على السويداء، وتعول على التحسن النسبي في علاقاتها مع الدول الإقليمية والعربية من أجل الحسم التدريجي للاحتجاجات الشعبية في المحافظة التي أحرجتها بشكل ملحوظ منذ انطلاقها، وأثبتت تنامي الرفض الشعبي لها وعدم انحساره على الرغم من مرور 13 سنة على انطلاق أولى المظاهرات ضد النظام.

لكن الانتشار الأمني قد لا يتم من خلال عمليات عسكرية موسعة بل قد يحصل بموجب تفاهمات مع الفصائل المحلية وأبرزها حركة رجال الكرامة التي تمتلك قنوات اتصال مع القوات الروسية المنتشرة في سوريا، حيث حصلت لقاءات سابقة بين الجانبين من أجل حل المشاكل الأمنية في السويداء.

المصدر : الجزيرة