الصمود أمام انهيار أميركا السياسي

U.S. President Donald Trump concludes his remarks about his proposed U.S. government effort against the street gang Mara Salvatrucha, or MS-13, to a gathering of federal, state and local law enforcement officials in Brentwood, New York, U.S. July 28, 2017. REUTERS/Jonathan Ernst

تعيش الولايات المتحدة أجواء من الانهيار السياسي، وهي غير قادرة على إدارة أجندة اقتصادية محلية أو سياسة خارجية متماسكة. كما يوجد البيت الأبيض في حالة اضطراب، والكونغرس في حالة شلل؛ ويتابع العالم الأحداث في دهشة وفزع. وإذا أردنا التصدي والتغلب على هذا الانهيار فعلينا فهم مصادره.

هناك مركزان للسلطة في واشنطن العاصمة: البيت الأبيض والكابيتول. وكلاهما في حالة من الفوضى اليوم، ولكن لأسباب مختلفة.

يرجع اختلال البيت الأبيض -إلى حد كبير- لشخصية الرئيس دونالد ترمب. وبالنسبة للعديد من الخبراء، فإن تجليات سلوك ترمب (الافتخار بالأنا العظيم، والكذب المرضي، وعدم الندم أو الشعور بالذنب، والضحك المعبر، ونمط الحياة الطفيلية، والاندفاع، وعدم قبول المسؤولية عن أفعاله، والعلاقات الزوجية القصيرة الأجل) هي أعراض شخصية نرجسية مضطربة.

يرجع اختلال البيت الأبيض -إلى حد كبير- لشخصية الرئيس دونالد ترمب. وبالنسبة للعديد من الخبراء، فإن تجليات سلوك ترمب (الافتخار بالأنا العظيم، والكذب المرضي، وعدم الندم أو الشعور بالذنب، والضحك المعبر، ونمط الحياة الطفيلية، والاندفاع، وعدم قبول المسؤولية عن أفعاله، والعلاقات الزوجية القصيرة الأجل) هي أعراض شخصية نرجسية مضطربة

وقد تكون العواقب وخيمة؛ فالنرجسيون المرضى لهم ميل للانغماس في الصراعات والحروب العنيفة (هنا أفكر في ليندون جونسون وفيتنام أو أندرو جاكسون والتطهير العرقي من الأميركيين الأصليين).

كحد أدنى، يفتقر ترمب إلى الخصائص النفسية اللازمة للحكم البَنّاء: الصدق والكرامة والكفاءة والتعاطف والخبرة ذات الصلة والقدرة على التخطيط. ووفقا لبعض المراقبين، فإن ترمب يُظهر أيضا علامات لتدني قدرته العقلية.

الأمل في واشنطن هو أن "الكبار في الغرفة" سيجعلون اتجاهات ترمب الخطيرة تحت المراقبة. لكن أغلب "الكبار" في إدارة ترمب هم شخصيات عسكرية أكثر منها مدنية، بمن فيهم ثلاثة جنرالات (رئيس أركان البيت الأبيض الجديد جون كيلي، ومستشار الأمن القومي هربرت ماكمستر، ووزير الدفاع جيمس ماتيس).

فالقادة المدنيون الحكماء هم مفتاح السلام، خاصة أن وتيرة آلة الحرب الواسعة في أميركا آخذة في التسارع دائما. لنتذكر المستشارين العسكريين لجون كينيدي، الذين دعوا إلى الحرب أثناء أزمة الصواريخ الكوبية، أو لننظر إلى دعوة ماتيس إلى مواجهة إيران.

وهناك صِمَامان آخران للهرب، وهما التعديل الخامس والعشرين الذي يرسم مسارا لخلع رئيس غير قادر على الاضطلاع بمسؤولياته، وتوجيه الاتهام (إلى الرئيس) بسبب "جرائم وجُنَح خطيرة".

وكلا الإجراءين متطرفان في النظام الدستوري الأميركي، وكلاهما رهينان بموافقة الزعماء الجمهوريين. ومع ذلك، قد يكون أحد الإجراءين ضروريا حتى في حالة عدم الاستقرار النفسي لترمب، أو ضعفه السياسي الذي يمكن أن يؤدي به إلى شن حرب.

الانهيار السياسي في الكونغرس هو أقل فظاعة، ولكنه خطير مع ذلك. والسبب ليس اضطراب شخصية الرئيس، بل تأثير المال. وقد تضررت السلطة التشريعية بشدة بضغط الشركات ومساهمات الحملات الانتخابية.

الأخوان الصناعيان ديفد وتشارلز كوخ -اللذان يملكان رأس مال بقيمة 100 مليار دولار- يملكان تقريبا كل الأصوات، ويتحكمان في مواقف رئيس مجلس النواب بول رايان وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل.

والنتيجة هي تصرفات سياسية فاسدة؛ فقد دافع ريان وماكونيل بلا هوادة عن التشريعات التي يفضلها الأخوان كوخ، بدلا من الدفاع عن مصالح الشعب الأميركي.

إن محاولة إلغاء تشريع الرئيس السابق باراك أوباما للرعاية الصحية، وقانون الرعاية بأسعار معقولة لعام 2010 ("أوباما كير")، لا علاقة لها بآراء الناخبين أو اهتماماتهم؛ الأمر ببساطة يتعلق بما يريده الأخوان كوخ (والمانحون الجمهوريون الآخرون).

وهذا هو السبب في أن إلغاء التشريع كان سرا حتى آخر لحظة ولم يخضع أبدا لشهادة خبير أو تحليل، أو حتى للنظر من لجنة الكونغرس. ولا يمكن أن يمر التشريع إلا إذا كان مخفيا عن الرأي العام، وحصل التصويت عليه في منتصف الليل. وفي النهاية، قفز ثلاثة من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين من السفينة، وانحازوا إلى الشعب الأميركي بدلا من الأخوين كوخ.

بين نرجسية ترمب ومال الأخوين كوخ، أصبحت الحكومة الأميركية تعاني من فوضى عارمة. ولا تزال واشنطن مليئة بالعديد من الشخصيات الذكية والموهوبة من كلا الطرفين، ولكن بدأت المؤسسات السياسية الأميركية والعمليات الرسمية تتضاءل.

بين نرجسية ترمب ومال الأخوين كوخ المسيطر على الكونغرس، أصبحت الحكومة الأميركية تعاني من فوضى عارمة. ولا يزال هناك الكثير مما ينبغي القيام به لاستعادة الشرعية الديمقراطية في الولايات المتحدة، بما في ذلك فرض قيود أكثر صرامة على تمويل الحملات واللوبيات. ومع ذلك، يجب علينا -أولا وقبل كل شيء- مقاومة رئاسة ترمب الخطيرة عبر الحفاظ على السلام

وبدأت الحكومة الاتحادية تفتقد الخبرة العلمية، كما تخلت عن الباحثين أو تم تطهيرهم، وخضعت ميزانيات الوكالات المستهدفة لتخفيضات عميقة. ويبقى دبلوماسيون محنكون كثر خارج وزارة الخارجية. وفي الوقت نفسه، يقوم ضباط لوبي الرئيس بتثبيت حلفائهم وأصدقائهم في جميع مواقع الحكومة.

من خلال هذه الضوضاء، يمكن سماع طبول حرب جديدة، وأشدها شراسة ضد إيران وكوريا الشمالية. هل هو مجرد تهديد أم توجه حقيقي؟ لا أحد يعرف.

يتم الإعلان عن سياسات ترمب الخارجية والعسكرية الآن في تغريدات تويتر في الصباح الباكر، دون علم مسبق من موظفي البيت الأبيض أو كبار المسؤولين. وأصبح الوضع خطيرا ومتدهورا للغاية.

وأقترح ثلاث خطوات فورية، وخطوة رابعة على المدى الطويل: تتعلق الخطوة الأولى بمنع ترمب من استخدام تغريدات تويتر. فأميركا والعالم بحاجة لسياسة عامة عبر التشاور والمداولات، وليس إلى الأمراض النفسية المتفاقمة لدى شخص (ترمب). ويوافق الشعب الأميركي -بفارق كبير- على أن تغريدات ترمب تضر بالأمن القومي وبالرئاسة.

ثانيا، ينبغي أن يتفق قادة الكونغرس -والحزبان معا- على تقييد النزعات العدائية والانفعالية لترمب. وتخول المادة الأولى القسم 8 من الدستور الأميركي سلطة إعلان الحرب للكونغرس، والكونغرس يحتاج إلى إعادة تأكيد هذه السلطة الآن، قبل فوات الأوان.

ثالثا، يجب على القوى الكبرى في العالم -وعلى وجه السرعة بالنسبة لحلفاء أميركا في حلف شمال الأطلسي، والصين، وروسيا– أن يوضحوا أن أي هجوم أميركي من جانب واحد على إيران أو كوريا الشمالية، سيشكل انتهاكا خطيرا وغير قانوني للسلم، وأن مسائل الحرب والسلام يجب أن يتم الاتفاق عليها داخل مجلس الأمن الدولي.

ولو كانت الولايات المتحدة استجابت للحكمة الجماعية لمجلس الأمن الدولي في الماضي القريب، لتجنب العالم العديد من الكوارث المستمرة، بما في ذلك الفوضى في العراق وليبيا وسوريا، ولأنقذنا تريليونات من الدولارات ومئات الآلاف من الأرواح.

والخطوة الرابعة الأطول أجلا هي الإصلاح الدستوري لإبعاد الولايات المتحدة عن نظامها الرئاسي الحالي المتقلب إلى نظام برلماني، أو على الأقل إلى نظام رئاسي برلماني مختلط كما هو الحال في فرنسا. فقوة الرئيس -وبالتالي خطر الرئاسة الهاربة- كبيرة جدا حاليا.

ولا يزال هناك الكثير مما ينبغي القيام به لاستعادة الشرعية الديمقراطية في الولايات المتحدة، بما في ذلك فرض قيود أكثر صرامة على تمويل الحملات واللوبيات. ومع ذلك، يجب علينا -أولا وقبل كل شيء- مقاومة رئاسة ترمب الخطيرة عبر الحفاظ على السلام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.