حول رمزية يوم الأرض

حول رمزية يوم الأرض

 undefined

قبل سبعة وثلاثين عاماً، وبالتحديد في يوم السبت الثلاثين من شهر مارس/آذار 1976، وبعد ثمانية وعشرين عاماً في ظل أحكام حظر التجول والتنقل، وإجراءات القمع والإرهاب والتمييز العنصري، والإفقار وعمليات اغتصاب الأراضي وهدم القرى، والحرمان من أي فرصة للتعبير أو التنظيم، هبّ الشعب الفلسطيني في جميع المدن والقرى والتجمعات العربية في الأراضي المحتلة عام 1948 ضد الاحتلال الصهيوني.

واتخذت الهبة شكل إضراب شامل ومظاهرات شعبية عارمة، أعملت خلالها قوات الاحتلال قتلاً وإرهاباً للفلسطينيين، حيث فتحت النار على المتظاهرين، مما أدى إلى استشهاد ستة فلسطينيين، هم: الشهيدة خديجة شواهنة والشهيد رجا أبو ريا والشهيد خضر خلايلة من أهالي سخنين، والشهيد خير أحمد ياسين من قرية عرَّابة، والشهيد محسن طه من قرية كفركنا، والشهيد رأفت علي زهدي من قرية نور شمس واستُشهد في قرية الطيبة، هذا إضافة لعشرات الجرحى والمصابين، وبلغ عدد الذين اعتقلتهم قوات الاحتلال الصهيوني أكثر من 300 فلسطينيي.

هبّة يوم الأرض ليست وليدة صدفة، بل كانت وليدة مجمل الوضع الذي يعانيه الشعب الفلسطيني في فلسطين المحتلة منذ قيام دولة إسرائيل.  وأصبح مناسبة وطنية وعربية

الأرض محور صراع مفتوح
كان السبب المباشر لهبّة يوم الأرض هو قيام السلطات الصهيونية بمصادرة نحو 21 ألف دونم من أراضي عرّابة وسخنين ودير حنّا وعرب السواعد وغيرها، لتخصيصها للمستوطنات الصهيونية في سياق مخطّط تهويد الجليل، ويشار هنا إلى أن السلطات الصهيونية قد صادرت خلال الأعوام ما بين عام 1948-1972 أكثر من مليون دونم من أراضي القرى العربية في الجليل والمثلث، إضافة إلى ملايين الدونمات الأخرى من الأراضي التي استولت عليها السلطات الصهيونية، بعد سلسلة المجازر المروّعة التي ارتكبها جيش الاحتلال وعمليات الإبعاد القسّري التي مارسها بحق الفلسطينيين عام 1948.

فهبّة يوم الأرض ليست وليدة صدفة، بل كانت وليدة مجمل الوضع الذي يعانيه الشعب الفلسطيني في أرضه المحتلة منذ قيام دولة إسرائيل. وقد شارك الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1967، وأصبح يوم الأرض مناسبة وطنية فلسطينية وعربية، ورمزاً لوحدة الشعب الفلسطيني في الداخل الفلسطيني والشتات. 

وفي هذه المناسبة الوطنية، لابد من تسليط الضوء على أراضي فلسطين لكونها جوهر الصراع مع الكيان الصهيوني. حيث تقع فلسطين على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، بين خطيْ الطول 34.15 و35.40 درجة شرقي غرينتش، وخطيْ العرض 29.30 و32.15 شمالاً، وتحدها من الشرق سوريا والأردن، ومن الشمال لبنان وجزء من سوريا. كما تحدها من الجنوب مصر وخليج العقبة، وتبلغ مساحة فلسطين العربية حوالي 27009 كيلومترات مربعة. وعلى الرغم من صغر مساحة فلسطين وبساطة تكوينها فإنه يمكن تقسيمها إلى أربع مناطق، تتميز كل منها عن الأخرى في نظام سطحها ومناخها ونباتها، وهي:

أولاً: منطقة السهول: وأبرزها السهل الساحلي وسهل مرج ابن عامر، وتشكل 17% من مساحة فلسطين.
ثانياً: منطقة النقب وتشكل 50% من المساحة العامة تقريباً.
ثالثاً: المنطقة الجبلية وتشكل 28% من المساحة العامة.
رابعاً: وادي الغور ويشكل 5% من المساحة العامة لفلسطين.

وقد قسمت إدارة الانتداب البريطاني فلسطين منذ يوليو/تموز 1939 إلى ستة ألوية، وهي:
أولاً: لواء الجليل: ويقع في أقصى شمال فلسطين قرب الحدود اللبنانية ومركزه مدينة الناصرة، ويتألف من خمسة أقضية هي: عكا، بيسان، الناصرة، صفد، طبريـة، وكان عدد سكان اللواء في عام 1945 (231) ألف نسمة ومساحته (2.801.383) دونماً، أي (10.4%) من مساحة فلسطين.

ثانياً: لواء حيفا: ومركزه حيفا، ويتألف من قضاء حيفا فقط ومساحته (1.031.755) دونماً تمثل (3.8%) من مساحة فلسطين، وسكانه في عام 1945 (242630) نسمة.

ثالثاً: لواء نابلس: مركزه مدينة نابلس، ويتألف من ثلاثة أقضية، هي: نابلـس وجنين وطولكرم، ومساحته (3.262.292) دونماً، تمثل (12.1%) من مساحة فلسطين، وسكان اللواء المذكور في عام 1945 (232220) نسمة.

رابعاً: لواء القدس: يتوسط فلسطين ومركزه مدينة القدس، ويتألف اللواء من ثلاثة أقضية، هي: القدس، وتتبعه بيت لحم، وأريحا، والخليل ورام الله ومساحته (4.333.534) دونماً؛ أي حوالي (16%) من مساحة فلسطين، وعدد سكانه (384880) نسمة.

خامساً: لواء اللد: ومركزه مدينة يافا، ويتألف من قضائيْ: يافا والرملة، ومعظم أراضيه سهلية، ومساحته (1.205.558) دونماً أي حوالي (4.5%) من مساحة فلسطين، وسكانه في عام 1948 (501070) نسمة.

احتفظت منطقة الجليل رغم كافة السياسات الصهيونية بأغلبيتها العربية، مع أنها المكان الذي أمعن فيه الصهاينة في تطبيق سياسة التهويد لمحاولة فرض يهودية الكيان

سادساً: لواء غزة: ويقع في جنوب فلسطين، ويشمل جزءاً من السهل الساحلي الفلسطيني ومنطقة النقب التي تعادل وحدها نصف مساحة فلسطين، ومركز اللواء مدينة غزة، ويتألف من قضائيْ غزة وبئر السبع، ومساحة اللواء (13.688.501) دونماً أي حوالي (50.7%) من مساحة فلسطين، وعدد سكانه (190880) نسمة، أي أن الكثافة السكانية فيه كانت عام 1945 نحو (14) نسمة في الكيلومتر المربع الواحد.

الجليل عنوان الصمود
احتفظت منطقة الجليل رغم كافة السياسات الصهيونية بأغلبيتها العربية، مع أنها المكان الذي أمعن فيه الصهاينة في تطبيق سياسة التهويد لمحاولة فرض يهودية الكيان، فأعلنت السلطات الصهيونية في أوائل عام 1975 خطة لتهويد الجليل تحت عنوان: مشروع "تطوير الجليل عام 2020″، وهي الخطة التي تعد من أخطر ما خططت له حكومة إسرائيل؛ إذ اشتملت على تشييد ثماني مدن صناعية في الجليل، مما يتطلب مصادرة 20 ألف دونم من الأراضي العربية، ذلك أن نظرية الاستيطان والتوسع توصي بألا تُقام مظاهر التطوير فوق الأراضي المطورة، وإنما فوق الأراضي البور والمهملة، وهي التسميات التي تُطلق على الأراضي التي يملكها العرب. وفي هذا السياق طبقت السلطات الصهيونية عدة قوانين لعزل الأقلية العربية عن محيطها العربي، كما سيطرت السلطات الصهيونية على القسم الأكبر من أراضي العرب في داخل الخط الأخضر.

ففي حين يشكل العرب 20% من سكان إسرائيل، فإنهم لا يستحوذون إلا على 2% من المساحة التي أنشئت عليها إسرائيل. وقد شكّلت عملية تهويد الجليل ولا تزال هدفاً من أهداف الحركة الصهيونية، فقد حدد بن غوريون هذا الهدف بقوله: "الاستيطان نفسه هو الذي يُقرر ما إذا كان علينا أن نُدافع عن الجليل أم لا".

وتبعا لذلك، احتلت إسرائيل عام 1948 أراضي واسعة من منطقة الجليل، وتمت إقامة 350 مستوطنة فيها، وبرر الصهاينة عملية الاستيلاء على الأراضي بأنها أراضٍ للغائبين، ولم تقتصر عملية التهويد على أراضي الغائبين، وإنما تمت السيطرة المباشرة على "أملاك" حكومة الانتداب البريطاني، وتقدر هذه الأراضي بحوالي 2-3 ملايين دونم، لكن إسرائيل لم تكتفِ بتلك الأراضي، وإنما امتدت يدها إلى أراضي الفلسطينيين الذين بقوا في أراضيهم، وكان العرب يملكون حتى عام 1948 حوالي 13 مليون دونم من أصل 27 مليون دونم، بينما لم يكن للكيان الصهيوني سوى 5.1 ملايين دونم، والباقي أراضٍ مشاعة.

ومنذ عام 1948، أصدرت السلطات الصهيونية قوانين متعددة من أجل شرعنة السيطرة على الأرض الفلسطينية، ومنها: قانون الغائب، وقانون الأراضي البور، والمناطق المغلقة، وبهذا تمكنت السلطات الصهيونية من السيطرة على حوالي مليون دونم من أخصب الأراضي العربية.

ومنذ تولي نتنياهو سدة الحكم في إسرائيل، تم استصدار عدة قوانين للحد من التواصل الديمغرافي العربي بين المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948 والمحتلة عام 1967، واعتمدت المؤسسة الإسرائيلية عدة سياسات لمحاولة فرض يهودية الدولة، حيث تمت عملية مبرمجة لتهويد الأماكن التاريخية العربية، ناهيك عن تهويد المقدسات، وفي المقدمة منها المساجد والكنائس.

ستبقى الأرض الفلسطينية محور صراع مفتوح مع العدو الصهيوني, وسيجدد الشعب الفلسطيني العهد والقسم من أجل تحريرها في ذكرى "يوم الأرض" من كل عام

وتركزت عملية التهويد في منطقتيْ الجليل والنقب في شمال وجنوب فلسطين المحتلة، بغية فرض يهودية الدولة على أكبر المناطق مساحة، ويبلغ عدد السكان العرب داخل الخط الأخضر 1.4 مليون عربي فلسطيني.

فلسطين ورمزية "يوم الأرض"
أصبح "يوم الأرض" يوما وطنياً فلسطينياً بامتياز، حيث يحيي الشعب الفلسطيني على امتداد فلسطين التاريخية (27009 كيلومترات مربعة) وفي الشتات تلك الذكرى. فهبة "يوم الأرض" في الثلاثين من مارس/آذار عام 1976 كانت بمثابة منحى جديد لتكريس وحدة الشعب الفلسطيني من أجل الدفاع عن أرض أجداده، والعمل لعودة اللاجئين إليها (بلغ عددهم 5.5 ملايين لاجئ فلسطيني في عام 2013).

وتبقى الإشارة إلى أن الأرض الفلسطينية ستبقى محور صراع مفتوح مع العدو الصهيوني, ويجدد الشعب الفلسطيني العهد والقسم من أجل تحريرها في الثلاثين من مارس/آذار من كل عام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.