تطورات إستراتيجية إسرائيلية

اسم الكاتب: طلعت مسلم - عنوان المقال: تطورات إستراتيجية إسرائيلية



– تطورات تسليحية

– نتائج متوقعة للتطورات
المغزى الإستراتيجي للتطورات

 

تشير الأحداث في فلسطين المحتلة إلى تطورات هامة في القوات المسلحة الإسرائيلية، مما يعطيها مغزى إستراتيجيا على المدى المنظور والبعيد، هذا بالإضافة إلى التطورات الآنية التي لها أثرها التكتيكي والتعبوي المباشر، والتي لم يبد حتى الآن أن هناك طرفا عربيا قد اهتم بها أو كان له رد مناسب تجاهها.

 

وتشتمل هذه التطورات على مظاهر تسليحية وأخرى تدريبية، وتطورات سياسية عالمية.

 

تطورات تسليحية
اشتملت التطورات التسليحية على تطورات تتعلق بالدفاع الصاروخي وبالقوات الجوية والبحرية.

 

من أهم التطورات التسليحية التي لها مغزى إستراتيجي عناصر الدفاع المضاد للصواريخ الذي يحظى بأكبر اهتمام حاليا بعد تجارب حرب لبنان تموز 2006 وحرب غزة 2008/2009، وتشتمل على الصاروخ "حيتس 3" المعدل المضاد للصواريخ الطويلة المدى، ومنظومة "القبة الفولاذية" المتخصصة في اعتراض وإسقاط الصواريخ القصيرة المدى، ومنظومة "العصا السحرية" لاعتراض صواريخ بحرية.

 

"
اعتمدت إسرائيل أساسا على التفوق الجوي لفرض تفوقها على الدول العربية، وبالتالي القدرة على اعتراض أي طائرات تهاجمها، وهكذا ضمنت لفترة طويلة تأمين الأراضي التي تحت سيطرتها من أي تهديد خارجي، مما أعطاها حرية حركة للعدوان
"

وفيما يختص بالقوات الجوية، فهناك تطوران هامان رئيسيان أولهما الاتفاق على الحصول على طائرات "إف35″، والعمل على تحديث طائرات الإمداد بالوقود في الجو وشراء طائرات جديدة منها.

 

وبالنسبة للقوات البحرية، نلاحظ الإعلان عن شراء غواصة ألمانية سادسة قادرة على إطلاق أسلحة نووية، واستخدام قطع بحرية تعتمد تكنولوجيا الروبوت بدون أطقم بشرية.

 

أما التطورات التدريبية الرئيسية فاشتملت على تدريب عام على مواجهة ضربات صاروخية، وكذا الإعلان عن نتائج اعتراض صواريخ أطلقت من غزة بطريقة جنبت القيادة الإسرائيلية الاضطرار إلى القيام بعملية جديدة على نمط عملية "الرصاص المسكوب" ردا على الصواريخ التي أطلقت من غزة.

 

واشتملت أيضا على تدريب قوات برية على القيام بأعمال هجومية لتلافي الأخطاء التي ظهرت في حروب لبنان 2006 وغزة 2008/2009، وتنفيذ مناورة كبرى على مستوى الدولة لمواجهة احتمالات التعرض لضربات صاروخية متعددة من عدة مصادر واتجاهات.


ومن أهم التطورات السياسية تقديم ضمانات دولية لإسرائيل باستمرار المعونة العسكرية الأميركية بل وزيادتها مع وضع شروط على المساعدات الأميركية للدول العربية لاستمرار مساعدتها لهذه الدول، والضغط على مصادر التسليح الأخرى مثل روسيا والصين لعدم تزويد دول المنطقة بأسلحة يمكن أن تضعف من هامش التفوق الإسرائيلي.

 

نتائج متوقعة للتطورات
اعتمدت إسرائيل أساسا على التفوق الجوي لفرض تفوقها على الدول العربية، وبالتالي القدرة على اعتراض أي طائرات تهاجمها، وهكذا ضمنت لفترة طويلة تأمين الأراضي التي تحت سيطرتها من أي تهديد خارجي، مما أعطاها حرية حركة للعدوان.

 

لكن تعرضها للصواريخ سواء من الصواريخ التي تطلق من قطاع غزة، أو من لبنان خاصة أثناء حربي تموز 2006 وغزة "الرصاص المسكوب" 2008/2009، وكذا صواريخ إيران التي طورتها والتي يمكن أن تصل إلى الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل، والصواريخ التي حصلت عليها سوريا واحتمال أن تحصل عليها، أفقدها الأمان الذي كانت تشعر به.

 

وإسرائيل من خلال تطوير نظم الدفاع الصاروخي تعمل على الوصول إلى القدرة على اعتراض كل الصواريخ التي يمكن أن تهدد أهدافا بداخلها، ولذلك هي تعمل على وجود نظام دفاعي فعال ضد كل أنواع الصواريخ التي يمكن أن تتعرض لها، سواء القصيرة المدى منها أو الطويلة، وعلى الارتفاعات العالية والمنخفضة.

 

وتخضع منظومات الدفاع المضاد للصواريخ لتحسينات في برامجها بما يزيد من فاعليتها إزاء الشعور بالتهديد الذي ترى أنه قادم من الشرق مما يضطرها لزيادة عدد المنظومات المضادة التي يديرها سلاح الجو.

 

"
إسرائيل من خلال تطوير نظم الدفاع الصاروخي، تعمل على الوصول إلى القدرة على اعتراض كل الصواريخ التي يمكن أن تهدد أهدافا بداخلها، ولذلك هي تعمل على وجود نظام دفاعي فعال ضد كل أنواع الصواريخ
"

وتشتمل البرامج على إعداد منظومة "العصا السحرية" لاعتراض الصواريخ البحرية لمواجهة احتمال إصابة السفن الإسرائيلية على نحو إصابة القرويطة "حانيت" من طراز "سعر 5" في حرب تموز ضد لبنان عام 2006.

 

وتحاول إسرائيل أن تصبح منظومة "العصا السحرية" صالحة للعمليات في مطلع عام 2013 بمساعدة تمويل أميركي، مع بدء تطبيق تجارب ميدانية عليها مطلع العام القادم لأنها تهدف لاعتراض تهديدات أخطر مما تشكله صواريخ "القسام وغراد"، وتشق طريقها في الجو نحو هدف قليل الارتفاع عن سطح الأرض بحيث يصعب اكتشافها وهي سابقة في مجالها، إذ ليست هناك دولة في العالم لديها قدرات مشابهة.

 

وتعمل إسرائيل على أن تطلق أول صاروخ من طراز "حيتس 3" المعدل وهو مضاد للصواريخ الطويلة المدى بما فيها تلك المزودة برؤوس غير تقليدية مما يعني حماية عمق إسرائيل من الصواريخ البالستية البعيدة المدى.

 

كما يوفر قدرة على اعتراض أسلحة التدمير الشامل خارج الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية، وتعبر إسرائيل عن رضاها عما حققته منظومة "القبة الفولاذية" المتخصصة في اعتراض وإسقاط الصواريخ القصيرة المدى وترى أنها منحت القيادة السياسية في تل أبيب حرية أوسع في اتخاذ القرارات مما نفى الحاجة إلى تنفيذ عملية هجومية جوية واسعة لوقف إطلاق الصواريخ.

 

ورغم امتلاك القوات الجوية الإسرائيلية طائرات السيادة الجوية "إف 15" فإنها سعت إلى امتلاك 20 طائرة "إف 35" بصفة مبدئية. ولا ينتظر أن تبدأ في استلامها قبل عام 2016.

 

وقد وقعت في مارس/آذار 2011 عقدا بسعر 144.7 مليون دولار للطائرة التي تتميز بأحدث التكنولوجيا وخاصة تكنولوجيا الاختفاء من الرادار "ستيلث".

 

وتعتقد إسرائيل أن الطائرة قادرة على تحييد الصاروخ "س 300" الذي تعاقدت سوريا عليه مع الاتحاد الروسي، ولها مدى عمل تكتيكي بعيد يصل إلى 1090 كيلومترا، إلا أن هذا المدى لا يمكنها من الوصول إلى بعض دول المنطقة بدون التزود بالوقود في الجو.

 

لذا فهي تسعى إلى استمرار هذه القدرة بتطوير الموجود وإضافة جديد، وقد قال عنها وزير الدفاع الإسرائيلي إنها مقاتلة المستقبل، وإنها ستسمح لإسرائيل بالمحافظة على تفوقها الجوي وهامش التقدم التكنولوجي في المنطقة، وستعطي إسرائيل قدرات أفضل على المدى القريب والبعيد لدعم أمنها القومي.

 

ويرى خبراء إسرائيليون أن الطائرة "إف 35" لها تأثير رادع بقدرتها على توجيه ضربة إجهاض ضد الدول المعادية حتى قبل إعلان الحرب، وتمكنها من مهاجمة أهداف في المنطقة.

 

وفيما يتعلق بالجانب البحري، وقع وزير الدفاع الألماني في 7 يوليو/تموز 2011 قرارا بالمضي قدما في تزويد إسرائيل بالغواصة رقم 6 من طراز "دولفين" بدعم ألماني بقيمة 135 مليون يورو بما يعادل 191 مليون دولار أميركي.

 

وتتميز الغواصة بسرعة قصوى 20 عقدة ومدى عمل حتى 4500 كيلومتر، كما أوضحت ألمانيا أن إسرائيل قامت باختبار نسخة صاروخ كروز من أنبوبة طوربيد  يمكن أن يكون مسلحا بقنبلة نووية.

 

وتعتمد إسرائيل على الغواصات وسيلة للردع النووي بالاستعداد لتوجيه ضربة نووية بعد تلقي ضربة تقليدية وفوق تقليدية.

 

وهي لذلك تعتمد على سفن بدون أطقم وموجهة عن بعد، مما يشكل وسيلة أكثر أمانا بحيث تقلل الخسائر البشرية إلى أقل حد.

 

"
إسرائيل تسعى لأن تكون الدولة النووية الوحيدة في المنطق، وأن تكون قادرة على امتصاص أي ضربة معادية بإحباطها عن طريق نظام الدفاع الصاروخي المتعدد الطبقات والمختلف المدى
"

ومن جهة أخرى فإن الغواصات الألمانية المتفق عليها تتميز بمدى بعيد يمكنها من العمل على مسافات بعيدة ضد أهداف بعيدة مثل إيران والسودان ودول المغرب العربي، والقدرة على اعتراض الملاحة في المضايق البحرية مثل مضيق بنتلاريا ومضيق صقلية ومضيق جبل طارق، بالإضافة إلى قناة السويس ومضيق باب المندب وربما مضيق هرمز.

 

وبالإضافة إلى ذلك، تتجه التطورات التدريبية إلى العمل على تقليل الخسائر المدنية بالدرجة الأولى والعسكرية التي تتكبدها إسرائيل في حال تعرضها لهجوم صاروخي، والقدرة على توجيه ضربات هجومية مع تجنب الأخطاء التي وقعت فيها في حرب لبنان وحرب غزة.

 

وقد قدرت الحكومة الإسرائيلية نتائج المناورة بأنها أقل من المتوقع حيث كانت درجة استجابة المواطنين منخفضة.

 

أما فيما يتعلق بالتطورات الدولية، فقد صادق مجلس النواب الأميركي على المعونة الأجنبية لإسرائيل لعام 2012 بزيادة 150 مليون دولار، مع وضع شروط على المساعدة الأجنبية لكل من الفلسطينيين ومصر ولبنان واليمن بأن يشهد الرئيس الأميركي أن هذه الدول لا تديرها منظمة إرهابية أجنبية (يقصدون حزب الله وحماس) مباشرة أو بشكل غير مباشر، وأن مصر تطبق معاهدة السلام مع إسرائيل بالكامل وأنها تدمر نشاط الأنفاق التي تستخدم في تهريب المواد إلى غزة.

 

المغزى الإستراتيجي للتطورات
مما سبق يمكن استنتاج أن إسرائيل من خلال إستراتيجيتها تسعى إلى تحقيق الأمن المطلق بأن تكون الدولة الإقليمية العظمى وبأن تكون الدولة النووية الوحيدة في المنطق، وأن تكون قادرة على امتصاص أي ضربة معادية بإحباطها عن طريق نظام الدفاع الصاروخي المتعدد الطبقات والمختلف المدى.

 

وهي تسعى كذلك إلى أن تكون قادرة على توجيه الضربة الثانية بإطلاق أسلحة نووية من الغواصات تحت الماء وعن طريق الطائرات المتقدمة التي تصل إلى أي مكان في المنطقة، من باكستان إلى المغرب ومن سوريا إلى الصومال عن طريق تزويدها بالوقود في الجو.

 

كما تسعى إلى تقليل الخسائر الإسرائيلية إلى مستوى قريب من الصفر بحرمان دول المنطقة من وسائل الدفاع التي يمكن أن تعترض الطائرات والغواصات الإسرائيلية، وفي نفس الوقت بتوفير الحماية المدنية للأهداف الحيوية من مراكز سكانية وصناعية واقتصادية وإدارية والتدريب على ذلك.

 

وهي تسعى إلى ذلك عن طريق تجفيف قدرات منظمات المقاومة المختلفة في المنطقة، وأخيرا بقدرة القوات البرية الإسرائيلية على اختراق الحدود وتدمير عناصر المقاومة، والقوات البحرية على تدمير التجمعات  البحرية المعادية ومنع السفن من مغادرة الموانئ والقواعد البحرية.

 

وستكتمل هذه الصورة من عام 2016 حتى 2018 وهو تاريخ يأتي بعد التوقيت الذي يتوقع أن تحصل فيه إيران على القدرة النووية عام 2013، لذا فإنه من المتوقع أن تقوم إسرائيل بضربة وقائية ضد إيران قبل 2013.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.