تحولات الخريطة السياسية والحزبية الإسرائيلية

تصميم لصفحة المعرف العنوان: تحولات الخريطة السياسية والحزبية الإسرائيلية الكاتب: ماجد كيالي

 

تغيرات موازين القوى في الكنيست
تحولات الخريطة الحزبية
دلالات القوى في الكنيست الحالي

منذ انطلاق عملية التسوية في أواخر عام 1991 باتت إسرائيل تشهد نوعا من عدم الاستقرار في نظامها السياسي، ويتجلى ذلك في تغير حكوماتها، وعدم استكمال الكنيست دورته الانتخابية (ومدتها أربعة أعوام)، والتوجه نحو انتخابات مبكرة بين فترة وأخرى بسبب الخلاف بين تياراتها وأقطابها، وعدم حسمهم بشأن كيفية التعاطي مع هذه العملية.

وقد توالى على إسرائيل في هذه الأثناء العديد من رؤساء الحكومات، هم: إسحاق شامير وإسحاق رابين وشمعون بيريز، وبنيامين نتنياهو، وإيهود باراك، وأرييل شارون، وإيهود أولمرت.

وتعتبر انتخابات الكنيست الثامنة عشرة التي جرت مؤخرا السادسة من نوعها منذ 12 عاما (من العام 1996) التي تجري بصورة مبكرة، مثلها مثل الانتخابات التي جرت في الأعوام 1996 و1999 و2001 و2003 و2006.

ولعله من المفيد في هذا الإطار تفحص موازين القوى في الكنيست وتتبع تحولات الخريطة السياسية والحزبية في إسرائيل منذ بداية عملية التسوية إلى الآن، لمعرفة مزاج الناخب الإسرائيلي وتبيّن مسار دفة السياسة الإسرائيلية.


"
قراءة لوحة التوازنات في الكنيست تبين أن الأحزاب الإثنية كالروس خاصة، والدينية كشاس تحديدا، باتت تلعب دورا أكبر في السياسة الإسرائيلية بالنسبة لقدرتها على تحديد الحزب الذي يمكن أن يترأس الحكومة
"

تغيرات موازين القوى في الكنيست
على غير الانطباع الرائج فإن موازين القوى في الكنيست لم تشهد تغيرات كبيرة، خلال الفترة الماضية من مسيرة عملية التسوية، وإنما كانت تشهد نوعا من التموج لصالح هذا الاتجاه أو ذاك، مثلا، في مرحلة معينة كان يبدو أن موازين الكنيست تميل لصالح القوى المؤيدة للتسوية، لكنها فيما بعد كانت تميل لصالح القوى الإسرائيلية المناهضة للتسوية.

حصل ذلك بعد فوز حزب العمل بزعامة إسحاق رابين في انتخابات الكنيست الثالثة عشرة عام 1992 مع 44 مقعدا، مقابل 32 مقعدا لصالح حزب الليكود، لكن الليكود بعد ذلك فاز في انتخابات عام 1996 بزعامة بنيامين نتنياهو.

ومرة أخرى عاد حزب العمل إلى رئاسة الحكومة بقيادة إيهود باراك مع 26 مقعدا، مقابل 19 مقعدا لليكود (في عام 1999). وفي انتخابات الكنيست عام 2003 فاز الليكود بزعامة أرييل شارون بحصوله على 38 مقعدا، مقابل 19 مقعدا لحزب العمل.

ويستدل من ذلك على أن تراجع حزب العمل في انتخابات الكنيست الحالية ليس مؤشرا نهائيا، إذ ربما تأتي الانتخابات القادمة بمؤشرات مختلفة تماما.

ولعل هذا التموج في اتجاهات تصويت الإسرائيليين يعكس عدم النضج بشأن التعاطي مع عملية التسوية، في مجتمع استعماري استيطاني مصطنع تم تأسيسه على ثقافة العنصرية والتفوق وجبروت القوة، كما يعكس عدم اليقين بشأن هذه العملية، إضافة إلى أنه يوضح حقيقة أساسية مفادها أن الفوارق بين الأحزاب الإسرائيلية بشأن التسوية ليست ذات معنى من ناحية جوهرية.

فثمة إجماع بين هذه الأحزاب على عدم العودة إلى حدود 1967، والاحتفاظ بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، وإبقاء الكتل الاستيطانية الكبرى ضمن حدود إسرائيل، وعدم تحمل أية مسؤولية بشأن حق العودة للاجئين الفلسطينيين.

أما الفوارق فهي في التفاصيل، أي تتعلق بمدى المناطق التي يمكن أن تمنح للفلسطينيين، ونوعية السيادة للسلطة الفلسطينية، وبشأن عدد الأحياء التي يمكن أن تديرها في القدس.

ويجدر بنا التنويه هنا أيضا إلى أن الحديث عن يمين ويسار في إسرائيل ليس له معنى فيما يتعلق بالمضامين المرتبطة بهذه المصطلحات بالنسبة للقضايا الاجتماعية والاقتصادية، فحزب العمل الذي يعتبر حزبا يساريا بات يؤيد الخصخصة ولم يعد حزبا اشتراكيا، وعلى كل فإن هذا التعبير يقصد به موقف الحزب مع عملية التسوية، معها أو ضدها، بغض النظر عن ترجمة ذلك عمليا.

ولمزيد من التمعن في تحولات موازين القوى في الكنيست يمكن مراجعة الجدول التالي الذي يعرض هذه التحولات منذ بداية عملية التسوية إلى الآن.

جدول مقارن لموازين القوى للأحزاب الإسرائيلية (اليهودية) الرئيسية من الكنيست الـ15 إلى الكنيست الـ18

الكنيست

العام

الأحزاب

18

2009

17

2006

16

2003

15

1999

14

1996

13

1992

كاديما

28

29

ـ

ـ

  

العمل

13

19

19

26

34

44

الليكود

27

12

38

19

32

32

شاس

11

12

11

17

10

6

إسرائيل بيتنا

15

11

7

8

  

المفدال (البيت اليهودي) 3

الاتحاد الوطني 4

7

9

6

5

9

6

حزب المتقاعدين

 

7

ـ

ـ

  

يهدوت هتوراه

5

6

5

5

4

4

ميرتس

3

5

6

10

9

12

ومن تحليل هذا الجدول يمكن ملاحظة التوازن المستمر في القوى بالنسبة للأحزاب الرئيسية، حيث ثمة استقطاب لجهة اليمين لصالح حزب الليكود وحليفه حزب "إسرائيل بيتنا" (لليهود الروس من القادمين الجدد)، ولجهة اليسار لصالح حزب كاديما الذي بات بمثابة بديل لحزب العمل، بعد أن فقد هذا الحزب عددا من قادته كشمعون بيريز وداليا إيتسيك وحاييم رامون مثلا، الذين انخرطوا في حزب كاديما الجديد، وبعد أن فقد حزب العمل، أيضا، هويته السياسية والاجتماعية.

من جهة أخرى، فإن قراءة لوحة التوازنات في الكنيست تبين أن الأحزاب الإثنية كالروس خاصة، والدينية كشاس تحديدا، باتت تلعب دورا أكبر في السياسة الإسرائيلية بالنسبة لقدرتها على تحديد الحزب الذي يمكن أن يترأس الحكومة.

وهذا ما حصل مؤخرا بترشيح حزب "إسرائيل بيتنا" لزعيم الليكود بنيامين نتنياهو لرئاسة الحكومة، رغم أن حزبه هو الثاني في عدد المقاعد في الكنيست بعد حزب كاديما.

وكان حزب شاس قبل ذلك تسبب في تقريب موعد الانتخابات بسبب عدم استجابة زعيمة حزب كاديما تسيبي ليفني لشروطه بشأن زيادة الاعتمادات المالية، وعدم التفاوض بشأن القدس، بعد أن كانت قد كلفت أواخر العام الماضي بتشكيل حكومة خلفا لحكومة أولمرت.


"
حزب كاديما ظهر بمثابة بديل لحزب العمل في مواجهة اليمين واليمين المتطرف الذي يمثله حزب الليكود، ومعه حزب إسرائيل بيتنا
"

تحولات الخريطة الحزبية
وخلال الفترة الماضية شهدت إسرائيل صعود أحزاب وانحلال أحزاب عديدة، ولكن التحول الأبرز في الخريطة السياسية الحزبية تمثل في ظهور حزب كاديما بزعامة أرييل شارون ثم إيهود أولمرت وأخيرا بزعامة تسيبي ليفني.

وقد استطاع كاديما، على عكس بعض التوقعات، المحافظة على قوته بحصوله على المركز الأول بين الأحزاب الإسرائيلية (مع 28 مقعدا في الكنيست الحالي بخسارة مقعد واحد عن الكنيست السابق)، في سابقة فريدة من نوعها بالنسبة للأحزاب الجديدة التي كانت تظهر وتصعد في انتخابات معينة ثم سرعان ما تختفي في انتخابات أخرى.

وفي الواقع فإن حزب كاديما استطاع الصمود بفضل تشكيلته التي تضم شخصيات قيادية بارزة جاءت من حزبي الليكود والعمل، وأيضا بسبب تراجع شعبية حزب العمل بسبب تخبطه وتردده في مواضيع التسوية وفي القضايا الاقتصادية والاجتماعية.

وبمعنى آخر يمكن القول بأن حزب كاديما ظهر بمثابة بديل لحزب العمل في مواجهة اليمين واليمين المتطرف الذي يمثله حزب الليكود، ومعه حزب إسرائيل بيتنا.

وكانت الخريطة الحزبية الإسرائيلية قد شهدت في المرحلة الماضية بروز وصعود أحزاب عديدة ثم اختفاءها تماما، منها حزب المتقاعدين (مع سبعة مقاعد في الكنيست 17)، وحزب شينوي (مع ستة مقاعد و15 مقعدا في الكنيست 15 و16)، وحزب الوسط (مع ستة مقاعد في الكنيست 16)، وحزب شعب واحد (مع مقعدين وثلاثة مقاعد في الكنيست 15 و16) وهي أحزاب محسوبة على اليسار والوسط.

أما من جهة اليمين فثمة أحزاب انتهت مثل إسرائيل بعليا (مع مقعدين وستة مقاعد في الكنيست 15 و16)، وحزب تسومت (مع ثمانية مقاعد في الكنيست 13)، وحزب موليدت (مع ثلاثة مقاعد ومقعدين في الكنيست 13 و14)، وحزب الطريق الثالث (أربعة مقاعد في الكنيست 14).

وثمة ظاهرتان متقابلتان حيث يشهد حزب ميرتس اليساري العلماني تراجعا كبيرا في شعبيته وفي عدد مقاعده في الكنيست من 12 مقعدا في انتخابات عام 1992 إلى ثلاثة مقاعد في الانتخابات الحالية، وبالمقابل شهد حزب المفدال (القومي الديني) تراجعا مماثلا من تسعة مقاعد في انتخابات عام 1996 إلى ثلاثة مقاعد في الانتخابات الحالية التي خاضها باسم قائمة البيت اليهودي.


"
التحولات السياسية الحاصلة في إسرائيل تعبر بمجملها عن تنامي شعور الإسرائيليين بالخطر الوجودي الناجم عن ضعف استقرار البيئة الأمنية في الشرق الأوسط عموما، وتنامي نفوذ إيران في هذه المنطقة، وصعود قوى المقاومة
"

دلالات القوى في الكنيست الحالي
عكست التركيبة الحزبية في الكنيست الحالي حال التعددية والتنوع والانقسام في المجتمع الإسرائيلي في عديد من المسائل، وأهمها: عملية التسوية والدين والعلمانية والجانب الإثني، وهذا شيء طبيعي في دولة مصطنعة تأسسّت على جلب المهاجرين من خلفيات إثنية وثقافية مختلفة بدعاوى دينية وسياسية لاستعمار بلد آخر وعلى حساب شعب آخر.

وفي ما يخص الموقف من عملية التسوية تحديدا، فإن نتائج الانتخابات تمخضت عن فوز كتلة اليمين (المناهض للتسوية جملة وتفصيلا) بحصة أكبر من مقاعد الكنيست 65 مقعدا، على النحو التالي: الليكود 27 مقعدا، وإسرائيل بيتنا 15 مقعدا، وشاس 11 مقعدا، والاتحاد الوطني أربعة مقاعد، والبيت اليهودي/المفدال ثلاثة مقاعد، ويهوديت هاتوراه خمسة مقاعد.

وبذلك فقد تم تكليف بنيامين نتنياهو بتشكيل الحكومة الإسرائيلية، رغم أن حزبه الليكود جاء في الرتبة الثانية بعد حزب كاديما.

في المقابل فإن كتلة اليسار والوسط (المؤيدة لعملية التسوية بطريقتها) حصلت على 44 مقعدا، لحزب كاديما منها 28 مقعدا وحزب العمل 13 مقعدا وحزب ميرتس ثلاثة مقاعد، كما حصلت الأحزاب العربية على 11 مقعدا.

ويمكن الاستنتاج من ذلك بأن عملية التسوية سوف تشهد تراجعا كبيرا ويمكن أن تتوقف، لأن حزب الليكود الذي سيشكل الحكومة على الأغلب بالتعاون مع قوى اليمين، لا يميل البتة إلى التسوية التي تتضمن التنازل عن الأراضي المحتلة، ولا إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة، وهو يفضل الحكم الذاتي، وتحسين حياة الفلسطينيين، وفقط إذا ما وصلت الضغوط الدولية خاصة الأميركية والإقليمية إلى درجة مناسبة يمكن حينها دفع إسرائيل نحو التسوية، بمعنى ما.

في الخلاصة فإن التحولات السياسية الحاصلة في إسرائيل تعبر بمجملها عن تنامي شعور الإسرائيليين بالخطر الوجودي الناجم عن ضعف استقرار البيئة الأمنية في الشرق الأوسط عموما، وتنامي نفوذ إيران في هذه المنطقة، وصعود قوى المقاومة اللادولتية، المعطوفة على تيار الإسلام السياسي كحزب الله في لبنان وحماس في فلسطين، وتزايد "الخطر الديمغرافي"، هذا فضلا عن مشكلات الهوية والدين والعلمانية في إسرائيل، وغيرها من التحديات الاقتصادية، كما تعكس عدم نضج القيادات الإسرائيلية لكيفية التعاطي مع هذه التحديات.
__________
كاتب فلسطيني

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.