نحو تعريف موحد للإرهاب

بقلم: غراهام فولر

إن إحدى القضايا الأكثر جدلا في النضال الفلسطيني لإنهاء الاحتلال وبناء دولة فلسطينية هو دور العمليات الانتحارية في هذا النضال. لقد بلغني الكثير من الملاحظات من فلسطينيين حول استخدامي لمصطلح "عمليات إرهابية" في وصف العمليات الانتحارية وأشار أصحابها إلى أن هذا المصطلح غير عادل وغير صحيح، وهي ملاحظات مهمة ويجب التطرق لها حتى من جانب أولئك المتعاطفين مع الهدف الفلسطيني، وأنا منهم. وأود في هذا المقام أن أحاول عرض المظاهر المختلفة للنقاش الدائر في الأوساط الدولية حول الإرهاب. وعلى أية حال فإنني لا أحاول اتهام الفلسطينيين بأي شيء، لكنني أريد أن نصل إلى اتفاق حول مفهوم الإرهاب، والواقع أننا سنجد عدة تعريفات مختلفة له.


ينبغي الإقرار بصعوبة التوصل إلى اتفاق أو إجماع على تعريف الإرهاب حتى لا تلجأ دول كالولايات المتحدة إلى معايير مزدوجة في تعاملها مع الآخرين

من المهم أولا أن نتوصل إلى نوع من التعريف العالمي لما هو الإرهاب. فالكثيرون يعتقدون أن التعريف الأميركي للإرهاب جرى تحريفه بهدف انتقاد الفلسطينيين وترك إسرائيل تفلت دون عقاب على ما اقترفته بحق الفلسطينيين. إنني أتفق تماما مع القائلين بأن الولايات المتحدة تستخدم باستمرار معايير مزدوجة في هذا السياق. لكن تعريفا "عالميا" حقيقيا للإرهاب هو التعريف الذي يمكن تطبيقه على أي حالة في أي بلد وفي أي وقت، بغض النظر عن المتورطين وعن أي أمور أخرى محددة. ويجب الاعتراف بأنه من الصعب التوصل إلى اتفاق أو إجماع على أي تعريف محدد.

دعوني أقدم أحد التعريفات الكلاسيكية، وهو تعريف عالمي لمفهوم الإرهاب يتفق عليه كثير من العلماء الدوليين. فالإرهاب هو "الاستهداف المتعمد للتجمعات السكانية المدنية لتحقيق أغراض سياسية"، ولاحظوا استخدام مصطلح "المتعمد"، فحسب هذا المصطلح فإن ما يفعله الفلسطينيون من خلال العمليات الانتحارية ضد المدنيين في إسرائيل يعتبر إرهابا. ولكن إذا ما تم تنفيذ هذه العمليات الانتحارية أو غيرها من العمليات ضد أهداف عسكرية أو أمنية فمن الصعب وصمها بالإرهاب لأنها لا تتضمن استهداف مدنيين. والواقع أن الولايات المتحدة لم تصف ما كان حزب الله يقوم به من عمليات ضد الوجود العسكري الإسرائيلي في جنوب لبنان بالإرهاب، بل يمكن أن نسميه بالحرب الفدائية. وبصورة مشابهة، فإن أي حرب فدائية فلسطينية ضد أهداف عسكرية أو أمنية أو بوليسية إسرائيلية وضد عسكريين إسرائيليين لا يمكن اعتبارها إرهابا، حتى لو حاولت إسرائيل وصفه بالإرهاب لأغراض دعائية.

ولكن ماذا عن الهجمات الإسرائيلية ضد المدن الفلسطينية مثل جنين خلال الغزو الإسرائيلي الأخير للضفة الغربية؟ ووفقا للتعريف الكلاسيكي فهذا ليس إرهابا، لكنه جزء من حملة عسكرية يموت فيها مدنيون ولكن ليسوا كمجموعة مستهدفة عمدا. ومع ذلك نقر جميعا وجود خطأ في هذا التعريف الكلاسيكي لأن عنفا مريعا وقع على المدنيين الفلسطينيين بالتأكيد. كما أننا نعرف أن الفلسطينيين يقاتلون من أجل تحرير وطنهم المحتل وهو مختلف تماما عما كان بن لادن يحاول عمله. إذن هل يجب تغيير هذا التعريف العالمي؟ هل نقول إن العنف المتعمد ضد المدنيين مسموح به إذا كان الهدف هو الاستقلال عن قوى القهر الأجنبي؟ إذا كان الجواب نعم، فإن ما يقوم به الفلسطينيون لا يمكن اعتباره إرهابا، والأمر نفسه ينطبق على الأعمال التي يقوم بها شعب التبت أو اليوغور المسلمون ضد الصين، أو الشيشان ضد روسيا، أو الأكراد ضد تركيا وبغداد، أو البربر ضد الجزائر، أو شعب الصحراء الغربية، البوليساريو، ضد المغرب، أو شعوب جنوب السودان ضد النظام في الخرطوم، وكلهم جميعا يقاتلون من أجل استقلالهم عن دول تمارس عليهم الظلم والقهر من وجهة نظرهم.


هناك اختلاف في أشكال المقاومة التي تستخدمها الجماعات في سبيل الحصول على حريتها، فالبعض يلجأ إلى مهاجمة المدنيين، وآخرون يركزون على الأهداف العسكرية وغيرهم يلجأ إلى المقاومة السلبية السلمية

ولكن حتى في هذا الفهم، علينا أن نقر بوجود اختلاف بين الأشكال المختلفة للمقاومة التي تستخدمها جماعات مختلفة من أجل الحصول على حريتها، فالبعض يلجأ إلى هجمات ضد مدنيين، بينما جماعات أخرى لا تهاجم إلا أهدافا عسكرية، والبعض يؤمن بالمقاومة السلبية السلمية كما فعل غاندي ضد الاحتلال البريطاني للهند. ويمكننا أن نقول إن أشكال المقاومة هذه كلها قابلة للتبرير، ولكن من الواضح أن أي جماعة تلجأ إلى المقاومة السلبية تكسب دعما دوليا أكبر من الجماعات الأخرى التي تلجأ إلى العنف ضد المدنيين.

إن إحدى المشكلات الرئيسية في هذا التعريف الكلاسيكي للإرهاب هو أنه تعريف منحاز أساسا إلى الدولة ضد الجماعات التي لا دولة لها. ويعكس هذا التحيز حقيقة أن الدول كان ينظر إليها عبر التاريخ باعتبارها تملك حقوق سيادة كاملة لكي تفعل ما تريد ضمن حدودها وداخل أراضيها دون اعتبارها مخالفة للقانون الدولي. لكن هذا التمييز ظل يزداد ضعفا على مدى العقود القليلة الماضية، فقرارات الأمم المتحدة وإعلاناتها تطالب الآن وبصوت عال بحقوق الإنسان، وتعترف بأن الدول غير مسموح لها بالقيام بأعمال إبادة أو تعذيب أو أي من أشكال العنف المفرط حتى ضد شعوبها نفسها. ولذلك نجد تعريفا آخر للإرهاب وهو مفيد وموجود في قاموس ويبستر الدولي وهو "استخدام أساليب مرهبة من جانب الحكومة أو في مقاومة الحكومة". ولاحظ أن هذا التعريف يقر بأن الإرهاب لا تستخدمه الجماعات التي لا تملك دولا فقط، وإنما الذي تلجأ إليه الدولة أيضا كأسلوب للحكم. ووفقا لهذا التعريف فإن الفلسطينيين والإسرائيليين متهمون بالإرهاب حتى لو كان ذلك من نواح مختلفة.

وأخيرا، فحتى لو كان الفلسطينيون والإسرائيليون يستخدمون الإرهاب فإنهم يفعلون ذلك بطرق مختلفة، فالفلسطينيون الذين ينظر إليهم كثير من الناس بوصفهم أصحاب قضية عادلة نتيجة نضالهم ضد الاحتلال، ينالون تعاطف العالم معهم بصورة أكبر من تعاطف هذا العالم مع دولة إسرائيل. إلا أن هناك نقاشا امتد قرونا طويلة داخل الإسلام والمسيحية حول عناصر "الحرب العادلة"، وهذه التعريفات في الغالب ليست موضوعية وإنما تمثل وجهة نظر غير موضوعية لجماعة معينة. وفي هذا المقام نتذكر أيضا أن الدول الإسلامية التي التقت في كوالالمبور الشهر الماضي لمناقشة الإرهاب، لم تتمكن من الاتفاق على تعريف له. والحقيقة أن الدول تتجنب التعريفات العالمية للإرهاب لأنها لم تعد قادرة على التحكم باستخدام هذه الكلمة بأساليب تخدم مصالحها.

ثم هناك مسألة المدنيين الذين يقتلون في الحرب حتى لو لم يكن قتلهم متعمدا بذاته. وهذا الرأي قد تستخدمه إسرائيل لتبرير أعمالها في الضفة الغربية. ومع ذلك حتى لو لم تكن إسرائيل متورطة بإرهاب فعلي وفق التعريف الكلاسيكي، فإنه من الواضح أنها ارتكبت جرائم حرب محتملة في مخيم جنين لأنها لم تسمح بإسعاف وإنقاذ الجرحى المدنيين.

ولكن مهما تكن التعريفات القانونية للإرهاب فإن النضال من أجل كسب تأييد الرأي العام الدولي مهم جدا هو الآخر من وجهة نظر سياسية. وبمعنى آخر، كيف يرى بقية العالم هذه الأعمال التي يقوم بها الفلسطينيون والإسرائيليون؟ فالفلسطينيون يهمهم معرفة الأثر الذي تتركه أعمالهم على العالم وإلى أي مدى يمكن أن تخدم أو تعيق قضيتهم، وهو قرار سياسي ينبغي على القيادة الفلسطينية أن تتخذه. وقد يرى الفلسطينيون أن قتلهم المتعمد للمدنيين له ما يبرره باعتباره السلاح الوحيد الذي يملكونه، إلا أن عليهم أن يدركوا أن لذلك ثمنه السياسي.

وهكذا نرى أنه ليس من السهل حل قضية تعريف الإرهاب وأن لها أوجها مختلفة: قانونية وسياسية وأخلاقية. لكن المهم في نظري أن أي تعريف للإرهاب يتم اختياره يجب تطبيقه على كل الحالات، فنحن لا نستطيع تبني تعريف واحد نطبقه على فئة معينة ثم نطبق تعريفا آخر على فئة أخرى، وهو ما يخلق معايير مزدوجة وهي التهمة التي توجه للكثير من الدول بما فيها الولايات المتحدة الأميركية نفسها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.