الرباعي الراعي للحوار الوطني بتونس.. نوبل للسلام

epa04970249 A four-way composite photo (all dated 15 January 2015) of the members of the Tunisian National Dialogue Quartet that 9th October 2015 was awarded the Nobel Peace Prize announced in Oslo. From left: Wided Bouchamaoui, President of the Tunisian Employers' Union, Houcine Abbassi, Secretary General of the Tunisian General Labour Union, Abdessattar Ben Moussa, President of the Tunisian Human Rights, and Mohamed Fadhel Mahmoud, President of the National Bar Association of Tunisa. All four images were provided by the Tunisian Presidency Press Service. EPA/HO HANDOUT EDITORIAL USE ONLY/NO SALES
ممثلو الرباعي الحائز لجائزة نوبل (من اليمين): فضل محمود، وبن موسى، والعباسي، وبوشماوي (الأوروبية)

أربع منظمات من المجتمع المدني التونسي، رعت عام 2013 حوارا سياسيا وطنيا بين الحكومة الانتقالية وجبهة أحزاب المعارضة، مما أدى إلى وفاق شامل بينهما، وجنب البلاد الدخول في حرب أهلية. فازت هذه المنظمات بجائزة نوبل للسلام عام 2015.

أولا: مكونات الرباعي
يتكون رباعي الحوار الوطني التونسي -الذي دعا إليه ورعاه حتى حقق أهدافه المتوخاة- من أربع منظمات مدنية تونسية، هي:

1- الاتحاد العام التونسي للشغل: تأسس الاتحاد 1946 ويعرف نفسه بأنه منظمة نقابية وطنية ديمقراطية مستقلة عن كل التنظيمات السياسية، لكن نضاله ضد الاحتلال الفرنسي للبلاد أكسبه دورا مؤثرا في المشهد السياسي التونسي في حقبة ما بعد الاستقلال.

وقد وضع الاتحاد لنفسه أهدافا عديدة، منها: توحيد وتنظيم جميع العمال على النطاق الوطني، والنهوض بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، والارتقاء بوعيهم، والدفاع عن مصالحهم المعنوية والمادية، وإنشاء اقتصاد وطني مستقل ومتحرر من كل تبعية، وتحقيق توزيع عادل للثروات الوطنية.

لعب الاتحاد دورا سياسيا واضحا بعد نجاح الثورة التونسية في يناير/كانون الثاني 2011 في عدد من المواقف والإضرابات ضد "حكومة الترويكا" (حكومة منتخبة شكلتها أحزاب حركة النهضة، والمؤتمر من أجل الجمهورية، والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات)، وبرز دوره السياسي الأكبر -بزعامة أمينه العام حسين العباسي- في قيادة جهود رباعي الحوار الوطني لإيجاد حل للأزمة السياسية بعد استفحالها.

2- الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية: أنشئ عام 1947، ورغم أن تأسيسه كان على أيدي الشيوعيين فإنه سرعان ما خضع لهيمنة "الحزب الحر الدستوري الجديد" الذي حكم البلاد بعد استقلالها عن فرنسا عام 1956، ثم عُرف لاحقا وحتى زوال حكمه عام 2011 بـ"التجمع الدستوري الديمقراطي".

وتترأسه الاتحاد -الذي يُعرف أيضا بـ"منظمة الأعراف"- منذ قيام الثورة التونسية بعد سقوط نظام بن علي سيدة الأعمال وداد بوشماوي، التي نالت عام 2013 لقب "أفضل سيدة أعمال" في العالم العربي.

وبوشماوي هي التي أقنعت الاتحاد بأن يكون جزءا من الرباعي الراعي للحوار الوطني، رغم التناقض التاريخي المعروف بين أهدافه بوصفه منظمة لرجال الأعمال وأهداف الاتحاد العام للشغل الذي يعتبر نقابة العمال التونسيين، وهو المكون الأكبر في تشكيلة الرباعية.

3- الهيئة الوطنية للمحامين: هي نقابة المحامين التونسيين وقد تأسست عام 1958، ومن أهدافها السعي لخدمة سلك المحامين والدفاع عن حقوقهم المهنية وتوفير العدالة الاجتماعية.

تولى عمادة الهيئة الكثير من الشخصيات الوطنية التي عُرفت بنضالها الوطني ضد الاستعمار الفرنسي، وانتقاد السلطات الحاكمة منذ عهد الحبيب بورقيبة (أول رئيس للبلاد). ثم كان لها دور بارز في النشاط السياسي الوطني إثر ثورة 2011، توجته بعضويتها في رباعية الحوار الوطني في ظل رئيسها محمد فاضل محمود.

4- الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان: تعتبر هذه الرابطة -التي تأسست عام 1977- الأولى من نوعها في العالم العربي. وهي تعرّف نفسها بأنها منظمة حقوقية تدافع عن الحريات العامة والفردية، وتسعى لترسيخ ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع التونسي.

كان لها دور سياسي نشط على الصعيد الوطني ضد حكم زين العابدين بن علي وما شهده من "انتهاكات" لحقوق الإنسان، مما عرضها للمضايقة الأمنية والقانونية طوال عهده، وأهلها -ممثلة برئيسها عبد الستار بن موسى- لعضوية رباعي الحوار الوطني عندما تأزمت الأمور إثر نجاح الثورة.

ثانيا: مبادرة الحوار
تأسس الرباعي الراعي للحوار الوطني في أعقاب اغتيال السياسي اليساري والنائب في المجلس التأسيسي محمد البراهمي يوم 25 يوليو/تموز 2013، لإنقاذ عملية الانتقال الديمقراطي في البلاد من مصاعب كبيرة واجهتها آنذاك، مهددة بانقسام شعبي وأيديولوجي عميق ينذر بانزلاق البلاد إلى دوامة عنف تعصف بالتجربة الديمقراطية.

وفي مقابل الدعوات التي ارتفعت منادية بتولي الجيش لحكم البلاد، وإقصاء "حكومة الترويكا"، وبحل المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان المؤقت)؛ تشكل الرباعي برئاسة اتحاد الشغل ودعا جميع الأطراف للدخول في حوار وطني شامل لنزع فتيل المواجهة.

ونصت "خريطة الطريق" السياسية -في صيغتها النهائية التي عرفت إعلاميا بـمبادرة الرباعي لتسوية الأزمة السياسية بتونس، وأعلنت يوم 17 سبتمبر/أيلول 2013 لتكون أساسا للحوار- على دعوة الفرقاء السياسيين إلى القبول بتشكيل حكومة كفايات ترأسها شخصية وطنية مستقلة على ألا يترشح أعضاؤها للانتخابات القادمة، لتحل محل حكومة الترويكا التي عليها أن تتعهد بتقديم استقالتها في أجل لا يتجاوز ثلاثة أسابيع من موعد انطلاق الحوار الوطني.

كما دعت المبادرة الأحزاب السياسية إلى الاتفاق على الشخصية التي ستتولى رئاسة الحكومة الانتقالية خلال أسبوع واحد، وذلك بالتوازي مع استئناف أشغال المجلس الوطني التأسيسي لاستكمال مهامه التأسيسية، وأهمها المصادقة على الدستور التونسي الجديد خلال أربعة أسابيع على الأكثر، وإقرار القانون الانتخابي.

قاد الرباعي عملية الحوار التي شهدت مفاوضات شاقة استمرت عدة أشهر وتعثرت فيها الجهود مرات عديدة، لكنها أدت في نهايتها إلى استقالة حكومة الترويكا وتشكيل حكومة كفايات وطنية (تكنوقراط) انتقالية برئاسة مهدي جمعة، صودق في عهدها على الدستور الجديد، ونـُظمت انتخابات تشريعية ورئاسية أواخر عام 2014 بإشراف هيئة وطنية مستقلة.

وقد أدى نجاح تجربة الرباعي في راعيته للحوار السياسي بين قطبيْ حكومة الترويكا والمعارضة (ممثلة في "جبهة الإنقاذ") إلى إيجاد نموذج توافقي في إدارة الشأن العام أصبح يُعرف عربيا بـ"الاستثناء التونسي"، مما جنب البلاد مآلات كارثية وقعت فيها بعض بلدان الربيع العربي مثل سوريا ومصر واليمن وليبيا.

وفي يوم 9 أكتوبر/تشرين الأول 2015 أعلنت لجنة نوبل فوز رباعي الحوار الوطني التونسي بجائزة نوبل للسلام لإسهامه في بناء الديمقراطية بعد ثورة الياسمين التي أطاحت بنظام الرئيس بن علي عام 2011.

وقالت رئيسة اللجنة كاسي كولمان فايف إن الرباعي ساعد في دعم عملية بناء الديمقراطية في تونس عندما كانت البلاد على "شفا حرب أهلية"، موضحة أن هدف الجائزة هو تشجيع الشعب التونسي الذي "أرسى قواعد الإخاء الوطني رغم التحديات الكبيرة"، راجية أن يكون ما حصل في البلاد "مثالا تحتذي به دول أخرى".

يشار إلى أنه في العام الماضي رشحت منظمات وهيئات وشخصيات تونسية ودولية الاتحاد العام التونسي للشغل لهذه الجائزة. وتشكلت لجنة دولية لدعم هذا الترشيح "اعترافا بالدور التاريخي والمحوري للاتحاد العام التونسي للشغل في كافة المراحل التي مرت بها تونس". وهو المسعى الذي كُلل بتقديم الجائزة إلى الرباعي الراعي للحوار بجميع مكوناته.

المصدر : الجزيرة