شعار قسم مدونات

غياب المشروع داء من الأدواء

خيم الاعتصام منتشرة في قلب جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك (الجزيرة)

لماذا نكثر من العجب والتعجب لما يقوم به أعداء هذه الملة؟

إن ما يقوم به عدوك، هو أولوية المرحلة بالنسبة له، وهو تعبير عن طبيعة الصراع، وأداء لشيء من "واجبه"، فهل رتبنا أولوياتنا وأدركنا طبيعة الصراع وأدينا جزءا من واجبنا؟

إثارة الشبهات وترويجها، وتعبئة الشهوات وتزيينها، وتدشين مؤسسات ممولة وراعية لهذا المشروع، أمر لا يدعو للعجب، بل العجب كل العجب، أن تسري هذا السموم في جسد أهل السنة، وهم في استرخاء تام، تحت وطئة التخدير العقلي الذي يقوم به – مع كل أسف – بعض المفكرين من بني جلدتنا، وتحريفهم لإبرة البوصلة كي تشير لمخاطر ثانوية، ومعارك جانبية.

كل المشاريع المناهضة لأمتنا وعقيدتها وثقافتها وتاريخها، والمتطلعة للهيمنة على جغرافيتها وثرواتها، تجد لها عاملين على درجة عالية من "الجدية" في الهدم الذي يرونها بناء، ويتحلون بقدرات متميزة من الإدراك والوعي والتعاون والتفاني.

أما نحن فلا نزال ندور في حلقات مفرغة من الجدل العقيم حول قضايا فقهية جزئية، ومباحث عقدية فرعية، وسجالات تاريخية جدلية، وتصفية حسابات حزبية وعصبية، كلما أماتها الدهر بعثت فيها نفوسنا الصغيرة، روحا جديدة.

على رجال هذه المرحلة، مراجعة طبيعة الصراع وفق مستجدات الواقع، وإعادة اكتشاف الطاقات "بعيدا عن المشاهير"، وحشد الجهود ودفعها نحو رؤية حضارية متماسكة

بعض من نسميهم "مفكرين" ديدنهم التقعر الفكري، وشغلهم الشاغل صك المصطلحات الغريبة، وإحياء الآراء الشاذة، ومناطحة الكبار، وتوظيف روعة البيان في إخفاء عيب السلعة، ولسان حالهم "خالف تعرف"، فكانوا كذاك الأعرابي الذي بال في بئر زمزم "طلبا للشهرة". فكانت أفكارهم الحائرة المفككة مادة لتكدير آبار المعرفة الإسلامية الأصيلة، فلا هم نالوا الشهرة من بابها، ولا هم الذين تركوا معين أهل السنة صافيا.

وبعض من نسميهم "علماء" غابت عنهم الرؤية الكلية، وانغمسوا في جزئيات المباحث الشرعية، تأصيلا وشرحا وتعليما وتصنيفا، فإذا تحدث أحدهم عن الشأن العام، أو تصدر لنوازل العصر؛ جاء بما يشكك الناس في إرشاده ورشده.

على رجال هذه المرحلة، مراجعة طبيعة الصراع وفق مستجدات الواقع، وإعادة اكتشاف الطاقات "بعيدا عن المشاهير"، وحشد الجهود ودفعها نحو رؤية حضارية متماسكة، تنبثق عنها مسارات ومشاريع عمل وخطوط إنتاج مثمر مبارك، فإن غياب هذا المشروع، هو نفسه داء من الأدواء، إن لم يكن هو أصل البلاء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.