دارفور

لا تزال أزمة دارفور تتفاعل فمع الأسابيع الأولى من عام 2003 كان هذا الإقليم الذي تعادل مساحته مساحة العراق ويزيد عدد سكانه عن الستة ملايين نسمة يشهد اضطرابا أمنيا سرعان ما تكشف عن حركة احتجاج سياسية مسلحة بدأت بالهجوم على مدينة غولو عاصمة محافظة جبل مرة ثم تصاعد الهجوم ليشمل بلدات وقرى أخرى.
 
وبلغ الأمر عنفوانه في تحدي السلطة بالهجوم على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.
 
وكان الهدف السياسي -الذي طلبته حركتا التمرد في دارفور، وهما حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة- يتمثل في ما أعلنتاه من عدالة في توزيع الثروة والسلطة.
 
ويبدو أن موافقة الحكومة السودانية على مقاربة حل سياسي لمشكلة الجنوب يقوم على منهج قسمة السلطة والثروة شكل إغراء آخر للتمرد في دارفور، وأقنع المعارضة المسلحة بأن القتال يمكن أن يحقق لأهالي دارفور مطالبهم.
 
كان أمام الحكومة السودانية في بواكير الأزمة أحد خيارين، إما أن تتلمس حلا سياسيا للمشكلة في ظروف تنامى فيها وعي الأطراف بحقوقها، وإما أن تلجأ للحل العسكري والأمني الهادف إلى منع التمرد وكسر شوكته.
 
ويبدو أن الحل الثاني استعمل بكثرة في ظل درجات من التعتيم الإعلامي حالت دون كشف حقائق ما يجري على الأرض للرأي العام بدقة وشفافية.
 
فوجهت انتقادات دولية كثيرة للحكومة السودانية وكانت دارفور بابا للتدخل الدولي في الشأن السوداني، وكيلت للحكومة الاتهامات المتعلقة بحقوق الإنسان واختلطت هنا الحقائق بالدعايات، فمن قائل على سبيل المثال إن الحرب في دارفور قتلت مائتي ألف، ومن مشكك في هذا الرقم ومتهم مروجيه الغربيين بالافتراء والكذب.
 
من جهتها استنكرت الحكومة كل تلك الاتهامات وشككت في الدوافع الإنسانية للدعوات والتحركات الدولية التي طالبت بالتدخل "لإنقاذ إنسان دارفور وعدم السماح بمجازر تثقل الضمير البشري كما حدث من قبل في رواندا وبوروندي".
 
ولم تكتف الحكومة السودانية بتفنيد الدوافع الإنسانية وكشف الأهداف السياسية للحملات الدولية عليها وإن راحت تذكر بمخططات ما قبل غزو العراق محذرة من أن السودان يتعرض لما تعرض له العراق قبل احتلاله.
 
ورغم كل ذلك فإن النقد لم يتوقف ومن ذلك -كما يروج الناقدون- أنها غيبت الشعب السوداني عن حقيقة ما يدور في دارفور، وأنها رفضت الاعتراف بالمطالب السياسية للتمرد وعمدت إلى قصف مواطنيها بالطائرات، وأنها مزقت النسيج الاجتماعي في دارفور بتسليح مليشيا الجنجويد ورعايتها وهي مليشيا محسوبة على القبائل العربية.
 
لكن في المقابل هناك أيضا اتهامات كثيرة وجهت ولا تزال لحركتي التمرد في دارفور من ذلك عنصريتها حيث قصرت نفسها على قبائل الزغاوة والفور والمثالي ولم تتسع حركتها ومطالبها لتشمل أهل دارفور جميعا.
 
ثم كان التطور الأبرز حينما فاجأت حركة العدل والمساواة بالزحف على أم درمان في مايو/أيار 2008 والتهديد بدخول العاصمة الخرطوم لتغيير نظام حكم الرئيس البشير بالقوة.
 
لكن الزحف توقف بعد أن حاصرته آليات الجيش السوداني وتعاملت معه أجهزة الدولة الأمنية، فأحبطت المحاولة، وقتلت واعتقلت العديد ممن شاركوا فيه.
 
لكن وعلى الرغم من ذلك فإن حركة العدل أعلنت أنها ستعاود الكرة مرات ومرات، الأمر الذي يعني أنه دون التوصل إلى حل سياسي ستبقى الأزمة في دارفور نارا مشتعلة تهدد بحرق المزيد من أطراف الجسد السوداني الواهن.
المصدر : الجزيرة