إسرائيل والمياه اللبنانية


undefined
محمد عبد العاطي

ليس جديدا ولا غريبا أن تطلب إسرائيل من سكان القرى الجنوبية في لبنان مغادرة أماكنهم إلى ما بعد سهل الليطاني بحجة أن هذه المنطقة هي منطقة عمليات عسكرية خطرة، وأن أوائل ضحاياها سيكونون من المدنيين، فهل هذا التحذير الأمني هو كل ما يهم إسرائيل من وراء هذا المطلب؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟ 

حقائق لبنان المائية

"
الأطماع الإسرائيلية في المياه اللبنانية تعود إلى ما قبل قيام دولة إسرائيل، وهي مستمرة منذ عشرينيات القرن الماضي حتى الآن

"

في لبنان خمسة عشر نهرا منها ثلاثة أنهار داخلية، واثنا عشر نهرا ساحليا (الأنهار الساحلية أو أنهار السفوح الغربية هي أنهار قصيرة تصب في البحر بانحدارات كبيرة) وهناك ثلاثة أنهار مشتركة مع دول مجاورة هي النهر الكبير الجنوبي، ونهر العاصي مع سوريا، ونهر الحاصباني الذي يشكل أحد روافد حوض الأردن.

أما تغذية هذه المجاري فهي من الثلوج في المناطق التي يزيد ارتفاعها على 800 متر فوق سطح البحر، والأمطار في المناطق التي ينخفض ارتفاعها عن 800 متر، ونتيجة لذلك تفيض الأنهار مرتين في العام، الأولى في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، في فصل الشتاء والثانية في أبريل/نيسان ومايو/أيار عند فيضان الثلوج، وحسب التصنيف العالمي للمياه فإن مياه لبنان هي من النوع المتجدد أي مصدرها الأمطار والثلوج التي تخرج إلى سطح الأرض على شكل أنهار، وبما أن فترة هطول المطر في لبنان تتراوح بين تسعين يوما و120 يوما كمعدل وسطي فإن الأنهار تجري شتاء وربيعا، وتجف صيفا. فهل تغري هذه المياه إسرائيل التي تعاني من فجوة مائية تقدر بأكثر من مليار متر مكعب سنويا وبخاصة في المناطق الشمالية منها؟ 

الفجوة المائية الإسرائيلية
تعتمد المستوطنات والقرى والمدن الإسرائيلية في الشمال على سد معظم احتياجاتها المائية من المياه العذبة من بحيرة طبرية. وكانت هذه المناطق حتى عام 2000 تحصل على ربع احتياجاتها المائية من لبنان ولاسيما من نهر الليطاني ومياه نهر الوزاني (أحد روافد نهر الحاصباني). وفي ظل تزايد الاحتياجات الإسرائيلية للمياه العذبة الصالحة للزراعة والصناعة وللاستهلاك الآدمي، وفي وقت بلغت فيه الفجوة المائية الإسرائيلية أكثر من مليار متر مكعب كما سبق القول، يتضح أن السيطرة على تلك المناطق لا يخدم فقط الجانب الأمني والرغبة الإسرائيلية في وجود جيب أمني عازل يحميها من صواريخ حزب الله ولكنه يمثل فضلا عن ذلك حاجة إستراتيجية ظلت دوما أمام أعين الإسرائيليين. 

المياه اللبنانية في الإستراتيجية الإسرائيلية
والأطماع الإسرائيلية في المياه اللبنانية ليست وليدة الحرب المستعرة الآن بين إسرائيل وحزب الله ولا حتى وليدة العقدين الأخيرين وإنما هي أطماع تاريخية موجودة منذ ما قبل قيام دولة إسرائيل، ففي الخطاب الذي وقعه حاييم وايزمن باسم الحركة الصهيونية عام 1919 والموجه لرئيس الوزراء البريطاني ديفد لويد، أشار وايزمن صراحة إلى حاجة إسرائيل إلى سد جزء من احتياجات المناطق الشمالية اعتمادا على المياه اللبنانية، فكتب يقول "… نحن نعتقد أنه من الضروري أن تشمل الحدود الشمالية لفلسطين سهل الليطاني لمسافة 25 ميلا والمنحدرات الغربية والجنوبية لجبل الشيخ وذلك لحاجة مناطقنا الشمالية للمياه من أجل الزراعة والصناعة والطاقة".

"
من الممكن أيضا أن يفسر طلب أسرائيل لأهالي الجنوب اللبناني مغادرة قراهم إلى ما بعد الليطاني بالأطماع الإسرائيلية في المياه اللبنانية في تلك المناطق

"

وبعد قيام دولة إسرائيل أقدمت عام 1965 على تدمير مشروع تحويل مجرى نهر الحاصباني والوزاني الذي كان يتم تنفيذه وفقا لقرار القمة العربية التي عقدت في القاهرة عام 1964 والقاضي بـ"التصدي لإسرائيل في محاولاتها سحب مياه نهر الأردن إلى صحراء النقب وذلك من خلال قيام الدول العربية (لبنان وسوريا والأردن) بالسيطرة على روافد نهر الأردن وتحويل هذه الروافد تحت حماية قيادة عسكرية وعربية موحدة"، وقد بررت غولدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك هذا التدمير بقولها إن المياه بالنسبة لإسرائيل هي بمثابة الدم في العروق.

وعند اجتياح إسرائيل للبنان عام 1978 قامت على الفور بالسيطرة على نهر الوزاني الذي يغذي نهر الأردن وقامت كذلك بوضع مضخات ومواسير لتوصيل المياه من نهر الحاصباني إلى شمال إسرائيل.

هذا بالنسبة لنهر الحاصباني والوزاني أما عن نهر الليطاني الذي يعتبر كما يصفه خبراء المياه في لبنان العمود الفقري للتنمية المائية، فقد عرقلت إسرائيل جميع  المشروعات الهادفة إلى الاستفادة منه وذلك إما بمنع التمويل أو منع التنفيذ بالقوة المسلحة.

وهنا يمكن أن يتبادر إلى الذهن تساؤل عن امتناع إسرائيل عن تحويل مجرى هذا النهر ليصب في المناطق القريبة من الحدود اللبنانية الإسرائيلية؟ والإجابة عن ذلك لا علاقة لها بالمسائل الأمنية ولكنها قضية فنية بحتة، إذ أن كمية المياه المتدفقة من النهر في تلك المناطق ضئيلة ولذا فإن إسرائيل تعتقد أنها إذا فكرت في خيار التحويل فإن هذا لن يكون مفيدا إلا في أعالي النهر بدءا من سد بحيرة القرعون حيث يصل التدفق في هذه المنطقة إلى 700 مليون متر مكعب سنويا، ومن هنا فإن إسرائيل حينما اجتاحت لبنان عام 1982 كان أول عمل قاموا به عندما وصلوا بحيرة القرعون هو الاستيلاء على جميع البيانات والمعلومات الهيدرولوجية عن السد والنهر وإرسالها إلى إسرائيل.

وفي عام 2002 وتحديدا في سبتمبر وأكتوبر هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون بالحرب على لبنان بسبب تنفيذ مشروع جر مياه نهر الوزاني (أحد روافد نهر الحاصباني الذي يوفر ما بين 20 – 25% من مياه بحيرة طبرية) إلى القرى والبلدات المحررة في جنوب لبنان، وصرح كذلك شمعون بيريز وزير الخارجية آنذاك قائلا "إن إسرائيل ترى في مساعي لبنان لتحويل مجرى مياه الحاصباني عملا خطيرا واستفزازا لا يمكن تحمله"، وعلى هذا المنوال أكد مفوض المياه السابق في إسرائيل دان زاسلافسكي أنه "ينبغي علينا الآن أولا إيقاف تزويد قرى جنوب لبنان بالمياه، وإعلان أنه في اللحظة التي يخرج فيها أول متر مكعب من مياه الحاصباني فإننا سنقوم بتدمير الآلات، إن قضية الوزاني لا تحتاج إلى مفاوضات واتصالات وإنما دبابة تقوم بتدمير المنشآت اللبنانية على النبع".

أطماع مائية في الحرب الحالية
هذه التصريحات النارية قد يفهم منها أنها جزء من حرب نفسية أو دعائية لإثناء لبنان عن التصرف في مياهه كيفما يريد، ولكنها تعكس فضلا عن ذلك ما تمثله قضية المياه من أهمية إستراتيجية لإسرائيل وأن التعامل العسكري لحسم هذه القضية هو الخيار الأول لدى القيادة الإسرائيلية كما تبدى من الاستعراض التاريخي السابق،  وهو ما يجعل كذلك الأوامر التي أصدرتها إسرائيل عبر المنشورات التي ألقتها على أهالي قرى الجنوب اللبناني منذ بداية الحرب الحالية وحتى الآن الداعية إلى تركهم لمنازلهم حتى ما بعد الليطاني، تأخذ أبعادا إستراتيجية كبيرة تستحق التأمل ولا تتوقف فقط عند بعدها العسكري والأمني.
________________
الجزيرة نت
المصادر:
Lebanon Rivers and Lakes, U.S. Library of Congress
http://countrystudies.us/lebanon/32.htm
Map of the major rivers in Lebanon
http://www.fao.org/waicent/FaoInfo/Agricult/agl/swlwpnr
/reports/y_nr/z_lb
/lbmp311.htm
البعد المائي في الصراع العربي الإسرائيلي، وليد خليل زباري، أستاذ إدارة الموارد المائية، جامعة الخليج العربي، صحيفة الوسط، مملكة البحرين، قضايا وآراء، 16 يوليو/تموز 2006. 

المصدر : الجزيرة