أوضاع الأراضي الفلسطينية قبل سلام مصر مع إسرائيل وبعده

f_(FILES) -- In this undated handout picture from the

مكّن سلام مصر مع إسرائيل الأخيرة من الاستمرار في سياساتها الاستيطانية داخل الأراضي الفلسطينية (الفرنسية-أرشيف)

وائل سعد

شكلت زيارة الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات للدولة العبرية يومي 19 و20 نوفمبر/تشرين الثاني 1977 نقطة تحول في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، لما تبعها من مفاوضات أدت إلى عقد اتفاقية كامب ديفد يوم 17 سبتمبر/أيلول 1978 التي أصبحت سارية المفعول يوم 26 مارس/آذار 1979.

تركت اتفاقية كامب ديفد أثرا بالغا على مستقبل القضية الفلسطينية. فعبر قراءة نص الوثيقة الأولى للاتفاقية، نلاحظ أن الاتفاقية ركزت على نقاط التسوية بين مصر وإسرائيل، وتحدثت عن القضية الفلسطينية في إطار تصور عن إقامة حكم ذاتي للفلسطينيين، وبذلك اختزلت القضية بالضفة الغربية وقطاع غزة، كما اختزلت الاتفاقية الشعب الفلسطيني فقط بالمقيمين في الضفة والقطاع والنازحين بعد حرب 1967.

كما تجاهلت الاتفاقية مواضيع مركزية في القضية سواء على صعيد السيادة على الأراضي الفلسطينية في الضفة والقطاع أو في حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وحقه في دولة مستقلة.

تسببت الاتفاقية بعزل مصر عن دائرة الصراع العربي الإسرائيلي مما أدى إلى انعدام إمكانية قيام حروب عربية إسرائيلية لتحرير الأراضي المحتلة وفتح الباب أمام "إسرائيل" للاستفراد بالمقاومة الفلسطينية أثناء اجتياحها للبنان عام 1982 ومواجهة الانتفاضة الأولى والثانية.

لقد ساهمت اتفاقية كامب ديفد في إضعاف الجانب العربي، وتمكين الدولة العبرية من اختراق المنطقة وفتح الباب لعمليات التطبيع، وإقامة علاقات مع العديد من دولة المنطقة، وقد ظهرت آثار ذلك الاختراق في عجز الدول العربية عن دعم الشعب الفلسطيني في انتفاضتيه، بل ومشاركة العديد منها في حصار قطاع غزة أثناء العدوان الإسرائيلي على القطاع في ديسمبر/كانون الأول 2008، مما أضعف الخيارات السياسية الفلسطينية.

"
اختزلت اتفاقية كامب ديفد القضية الفلسطينية بالضفة الغربية وقطاع غزة، كما اختزلت الشعب الفلسطيني فقط بالمقيمين في الضفة والقطاع والنازحين بعد حرب 1967
"

استمرت الدولة العبرية بعد اتفاقية السلام مع مصر في مخططاتها التي وُضعت بعد احتلالها الضفة والقطاع في يونيو/حزيران 1967 لفرض وقائع جديدة على الأرض، تحول دون إمكانية قيام دولة فلسطينية ذات سيادة، وتحقق للدولة العبرية مكاسب اقتصادية وسياسية وعسكرية. فبعد وقت قصير من توقيع اتفاق السلام مع مصر، قامت إسرائيل بإعلان ضم القدس الشرقية يوم 30 يوليو/تموز 1980.

ومضت إسرائيل في تنفيذ مشاريعها الاستيطانية في الضفة الغربية وقطاع غزة مستفيدة من حالة الهدوء على الجانب المصري التي كرَّستها اتفاقية كامب ديفد، فقد شهدت فترة 1977-1981 ارتفاعا ملحوظا في الاستيطان، حيث تمت إقامة 35 مستوطنة، ووصل عدد المستوطنين إلى 13 ألفا و224 مستوطنا (1)، كما تضاعف عدد المستوطنين خلال السنوات 1972 و2007 حوالي 39 مرة حتى وصل عددهم 483 ألفا و453 مستوطنا، منهم 194 ألفا و695 مستوطنا في القدس الشرقية مع نهاية 2007(2).

هذا بالإضافة إلى مصادرة الأراضي التي قامت بها إسرائيل، فقد وصل حجم الأراضي التي استولت السلطات الإسرائيلية عليها بموجب الأمر رقم 59 لعام 1967، نحو 100 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية بحلول عام 1977، أي فترة ما قبل السلام.

وبعد مرور أقل من خمس سنوات من بدء تنفيذ اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل كان حجم الأراضي المصادرة قد وصل إلى 450 ألف دونم (3)، ومع نهاية القرن العشرين أصبحت إسرائيل تسيطر على 3 ملايين و686 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية، أي ما يقارب 62% من مساحتها (4). كما سيطرت على نحو 85% من مصادر المياه في الضفة الغربية (5).

على الصعيد الاقتصادي، استمرت السياسة الإسرائيلية الاقتصادية في ربط اقتصاد الضفة والقطاع باقتصادها، إذ احتلت الضفة الغربية وقطاع غزة لسنوات طويلة مركزا متقدما في قائمة الدول المستوردة من إسرائيل. وكما يظهر في الجدول التالي، فإن الضفة الغربية وقطاع غزة استوردا من الكيان الإسرائيلي عام 1984 ما قيمته 619.9 مليون دولار أميركي أي بنسبة 90.3% من إجمالي واردات الضفة والقطاع.

كذلك فإن 65.4% من صادرات الضفة والقطاع اتجهت نحو إسرائيل بما يمثل 195.7 مليون دولار، أي بعجز بلغ 424.2 مليون دولار لصالح إسرائيل، في حين بلغت قيمة واردات الضفة والقطاع من إسرائيل في عام 1968 نحو 53.5 مليون دولار، وذلك من إجمالي واردات بلغت 69.9 مليون دولار (6).

حجم التبادل التجاري بين الضفة الغربية وقطاع غزة وبين إسرائيل

السنة

قيمة الواردات بالمليون دولار

النسبة المئوية

قيمة الصادرات بالمليون دولار

النسبة المئوية

1968

53.5

76.5

15.3

43

1984

619.9

90.3

195.7

65.4

2002

1739

73

370

92.3

2005

2697

75

540

92

وهو ما انعكس إيجابا على الاقتصاد الإسرائيلي، حيث ارتفع حجم الناتج المحلي الإجمالي من 13 مليار و776 مليون دولار لعام 1977 ليصل إلى نحو 26 مليار دولار في عام 1984.
 
والجدول التالي يظهر تطور الاقتصاد الإسرائيلي خلال فترة سيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية وعقدها اتفاقيات السلام.
 
الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل ونصيب الفرد منه (7)
 

السنة

الناتج المحلي بالمليون دولار

نصيب الفرد من الناتج المحلي بالدولار

1968

3995

1412

1977

13776

3812

1984

26042

6261

1993

65925

12531

2000

115487

18363

2007

161818

22500

 
لم تحقق اتفاقية كامب ديفد، ببنودها المتعلقة بالضفة الغربية وقطاع غزة، الحد الأدنى من طموح الشارع العربي آنذاك باسترجاع الحقوق الفلسطينية المغتصبة، بل جل ما حققته سلاما منفردا ثبت أن المستفيد الأكبر منه هو الدولة العبرية. لذلك استغلت إسرائيل هذه الاتفاقية للاستفراد بالمقاومة الفلسطينية وتهويد الأرض والمقدسات وبناء حقائق جديدة على الأرض.
_______________
باحث فلسطيني

1- خليل التفكجي، الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة.. واقع وإشكاليات، الجزيرة نت، 3/10/2004، انظر: /NR/exeres
/623CE9C2-90C9-4265-9206-E80A71D957D5.htm

2- انظر:
http://www.alzaytouna.net/arabic/?
c=134&a=70739

3- انظر: كميل منصور (محرر)، إسرائيل دليل عام 2004، (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2004)، ص 578-579

4- محسن صالح، الاستيطان اليهودي والاستيلاء على أرض فلسطين، انظر: http://www.altareekh.com/new/
doc/modules.php?name=Content&pa=
showpage&pid=1393&comm=0

5- محسن صالح (محرر)، التقرير الإستراتيجي الفلسطيني لعام 2007 (بيروت: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2008) ص 314

6- أسامة الغزالي حرب، مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1987)، 104

7- انظر: http://www.nationmaster.
com/graph/eco_gdp-economy-gdp&date=2000؛

ومحسن صالح (محرر)، التقرير الإستراتيجي الفلسطيني لعام 2007، ص 86.

المصدر : الجزيرة